الحرية مفهوم واسع وكبير جداً، هي أعزُّ ما يملك الإنسان، وأغلى ما يبحث عنه، عبر مراحل التاريخ منذ أقدم العصور، والحرية تعني أن تكون منضبطاً بالقوانين الخاصة بمجتمعك أخلاقياً واجتماعياً وقانونياً، ولا تعني إطلاقاً الانفلات على هذه القوانين وتجاهلها، بل تطبيقها بشكل راقي وواعي، أن تكون حرّاً لا يعني أبداً أن تفعل ما بهواك ناسفاً الاعراف والتقاليد والقوانين والأخلاقيات التي وضعها المجتمع وتعارف عليها، بل أن تكون الأكثر تطبيقاً لها، لأنك إنسان حر واعي منضبط، وذو أخلاق تمنعك من ارتكاب الحماقات.
الحرية أن تفعل ما يجب عليك فعله دون أن تحتاج من يملي عليك فعل الصواب، الحرية أن لا تخرج من مقتضى الحال في مجتمعك بل أن تنسجم معه كلياً وتؤثر إيجابياً على كل فئاته وأن تكونَ الحامي المراقب لكل أماكن الخطأ، لا لتصرخ عالياً في وجه فاعلها، بل لترشده بعقلانية إلى الصواب، الحرية أن تبني ولا تهدم، وأن تمارس حقك دون تعدّي ومغالاة، لأنّ الإنسان الحر لا يتعدّى على غيرهِ فهو الأكثر انضباطاً في مجتمعه وفي كل مكان.
كثير من الناس يظنّ أن الحرية هي أن تفعل ما بهواك، وأن تحيا حياة همجية بلا احترام للآخرين ولا لمبادئ المجتمع، فيتعدون على غيرهم باسم الحرية، وهذا لعمري من الفواجع والتي سببها عدم الوعي، وعدم فهم الأمور على ما هي عليه، وعدم فهم الحرية لا تجعلنا أحراراً بل عبيداً للجهل، إذاً أنا حر يعني أنا منضبط، الحرية أن تكون حر النفس من الأهواء وسلطة الغرائز والشر، وأن تكون خالياً من التبعية العمياء والتقليد الأعمى، أن تكون سيد نفسك في المواقف التي تحتاج القرارات الصائبة، أن تكون حراً فأنت الأكثر احتراماً لعادات وتقاليد وثقافة غيرك.
طالما كنتَ حرّاً فأنتَ لا شكّ تحمل ثقافة عالية وأخلاق حميدة، ورُقياً اجتماعياً وتحمل مسؤولية بلدك على عاتقك كأنك أنت وحدك المعني بها، إذا كنتَ حرّاً فلا تقف جانباً، فالحرّ هو من يندمج مع هموم مجتمعه ويقف مع أبنائه في كل ظروفهم، حرّاً من سلطة الجهل الذي يمنعه من المشاركة في بناء مجتمعه، الحرية ليست تحرراً من استعمار ظاهر، بل أن تكون متحرراً من استعمار ثقافي يجمد عقلك، حراً من جهلك وبث الفوضى فيك، أن تكون متحرراً ممن يدفعونك لتضرب أمن بلدك وتقتل أبناءه، لست حراً حين تفعل ذلك، بل أنت عبد، تابع، وجاهل لو كنت حرّاً لما دفعك أي شيء في الدنيا لتلحق الضرر ببلدك وبأبناء مجتمعك، مهما كان الثمن.
كثيرٌ من الناس جهلوا ثقافة الحرية فشوّهوا معناها، ومارسوها بشكل عشوائي غير واعي، فتحولت إلى فوضى وليست حرية، بالتالي علينا أن نفهم جيداً كيف نكون أحراراً، وكيف نمارس هذه الحرية، وقد علمنا أنها تكون منضبطاً بالقوانين لا ناسفاً لها ضارباً بها عرض الحائط.
معاً لبناء مجتمع سليم خالٍ من الجهل والتبعية والعبودية للأهواء ورغبات الأعداء، معاً لنكون أحراراً بثقافتنا الواسعة وحضارتنا الأخلاقية، وشعورنا الإنساني، أحراراً بتعايشنا المشترك، أحراراً بالإيمان والدفاع عن قضايا شعوبنا، أحراراً لأننا نريد أن نبني لا أن نهدم.