بعد تعرض معبر“عون الدادات” للقصف العشوائيمن المحتل التركي ومرتزقته، توقفت العمليات في المعبر، الأمر الذي أثر سلباً على حياة العمال اليومية، وفقدهم تأمين قوتهم اليومي.
استهدف جيش الاحتلال التركي ومرتزقته معبر “عون الدادات” في الريف الشمالي لمقاطعة منبج، منذ نحو أسبوع، بالقذائف، وتسبب في توقف حركة العمال الذين يعملون فيه ومن خلاله.
معبر عون الدادات.. نقطة حيوية للحركة التجارية
ويعد معبر عون الدادات نقطة حيوية للحركة التجارية لتبادل السلع والأفراد بين مدينة منبج وجرابلس المحتلة، حيث يفصل بين مدينة جرابلس، التي يسيطر عليها الجيش الوطني، وبين قوات سوريا الديمقراطية، ويساهم المعبر في دخول المحروقات والمواد الغذائية والإلكترونيات وغيرها من السلع الأساسية لكلا الطرفين.
وتتألف ساحة العون، التي يعمل فيها العمال، من 33 مجموعة، يتم تقسيم كل منها إلى قسمين، فيحتوي كل قسم على 17 مجموعة، تعمل كل مجموعة في يوم محدد، بينما تتناوب المجموعة الأخرى على العمل في الأيام التالية، مما يضمن توزيع الجهود بشكل متوازن بين العمال.
ويبلغ عدد العمال 396 عاملاً مسجلاً بالأرشيف، فيقومون بتفريغ الحمولات من سيارة إلى أخرى، ويكسب العمال ما يقارب 30 دولاراً خلال خمسة أيام من العمل، وهذا الدخل البسيط يُعدّ شريان الحياة لكثير من الأسر، التي تعتمد على العمل اليومي لتأمين احتياجاتها الأساسية، ولكن مع إغلاق المعبر بسبب الاستهداف، الذي حدث الأسبوع الماضي، أثر على العمال بشكل كبير جراء انقطاع قوتهم اليومي.
الهجوم أوقفنا عن العمل
وفي هذا الصدد، أجرت صحيفتنا “روناهي” استطلاعاً للرأي حول تأثر العمال في ساحة عون الدادات جراء توقف المعبر، وقدرتهم على تأمين دخلهم ومتطلبات عيشهم اليومية.
ويقف جاسم الشواخ، (35 عاماً)، من قرية قردلة، كل صباح في ساحة العون يقضي أيامه مع زملائه بين أكوام الشاحنات المحملة بالبضائع، حيث يعملون بجد لتفريغ الحمولات، ونقلها من سيارة إلى أخرى.
وتأثر العمال بإغلاق الساحة، بسبب استهداف عسكري للاحتلال التركي، ففقدوا مصدر دخلهم مؤقتاً، فيقول “الشواخ” بأسف: “خمسة أيام دون عمل، تعني خمسة أيام دون دخل، وهذا لا يرحم وضعنا المعيشي”.
وعلى الرغم من ذلك، يعود الشواخ، وزملاؤه كل يوم إلى ساحة العون، يجمعهم الأمل والاعتماد المتبادل.
وبالرغم من أن الانقطاع الأخير للمعبر، إلا أن الشواخ يرى في استمراره برفقة زملائه في العمل نوعاً من التحدي والمقاومة، فقال بنبرة مثقلة بالأمل: “نحن لا نملك خياراً سوى الاستمرار، فالعمل هو الذي يسندنا ويسند عائلاتنا، ورغم توقف المعبر، عدنا إلى هنا، نعمل ونأمل ألا تتكرر تلك الانقطاعات”.
الساحة مصدر دخلي الوحيد
أما المواطن “جمعة شيخان“، البالغ من العمر (36 عاماً) من قرية وسطاني، الذي يمر بتحديات يومية تثقل كاهله، عندما يحاول تأمين لقمة العيش لأفراد عائلته البالغ عددهم أحد عشر فرداً.
ويعتمد “شيخان” على ساحة العون كمصدر دخل وحيد، ولكن خلال فترات توقف العمل، يجد نفسه مضطراً للاستدانة من زملائه لتغطية المصاريف اليومية الأساسية، وعلى الرغم من الجهود المستمرة، التي يبذلها إلا أنه يستمر بالبحث عن فرصة عمل في الساحة لتأمين قوت عائلته. فابنته الصغيرة، سبع سنوات، تعاني من ضعف شديد في النظر (زرق ولادي)، وتكلفة علاجها كبيرة، والتي تصل إلى أربعة آلاف دولار، وهذا يعوق قدرتهم على توفير العلاج الضروري، ليعيش “شيخان” هاجساً يومياً حول حالتها، حيث تحتاج الطفلة إلى دعم خاص، حتى في المدرسة.
ويبقى ينتظر “شيخان”، بفارغ الصبر عودة العمل في الساحة، ولا يترك الاستراحة تمر دون محاولة إيجاد فرصة عمل في البناء أو الأعمال الحرة: “أعمل بجهد لتأمين قوت يومنا، لكن أمنيتي أن أتمكن من علاج ابنتي، فعودة رؤية الحياة إلى عينيها حلمٌ لا يغيب عني”.
لا أملك عملاً آخر
أما “محمد شيخ حسين”، (46 عاماً)، والذي يسكن في قرية “عون الدادات”، ويعيل تسعة أفراد من أسرته، يقضي كل يوم ساعات عمله في ساحة العون، التي تعد مصدر دخله الوحيد لتأمين متطلبات الحياة الأساسية.
“لا أملك عملاً آخر”، فخيار إيجاد مصدر دخل بديل بعيد المنال، لأنه يعتمد في معيشته على الدخل اليومي المحدود الذي يتقاضاه من ساحة العون. لذلك، يضطر “حسين”، إلى ممارسة سياسة تقشف صارمة، حيث يختصر مصروفه على الضروريات فقط، متبعاً الحكمة الشعبية “على قد لحافك مد رجليك”، هذه الاستراتيجية الحياتية تعينه على الصمود في وجه التحديات، لكنها لا تلغي مخاوفه المستمرة من أي توقف محتمل في العمل.
وفي حديثه عن الوضع الأمني، عبر “حسين”، عن أمنيته بعودة الاستقرار إلى منبج، حيث يخشى أن يؤدي التصعيد العسكري المستمر إلى المزيد من التدهور في سبل العيش. لكنه؛ يأمل أن يعود المعبر إلى سابق عهده كي يسعى إلى ممارسة عمله: “نطالب بالأمن في منبج وبتحييد الأعمال العسكرية عن الساحات” فهي الشريان الرئيسي لأسر كثيرة في إقليم شمال وشرق سوريا، وليست لنا فقط”.
أمل بتحييد الأعمال العسكرية
والمواطن “أحمد محمد الخطيب“، (29 عاماً)، الذي يسكن على طريق جرابلس في منبج، ويعيل عشرة أفراد من عائلته، ويعمل في ساحة العون بنظام “المناوبة”، حيث يتناوب على العمل يومياً، ويبحث عن فرص أخرى لسد حاجات أسرته في أيام العطلة، مع اعتماد عائلته الكلي على دخله من الساحة، وصف شعوره بالحزن عندما أُغلق المعبر مؤخراً لأيام، فكل توقف يعني عجزاً أكبر عن تلبية ضرورياتهم.
حيث قال الخطيب بنبرة تجمع بين الأمل والخوف من عدم استقرار الأوضاع في المستقبل: “عندما عاد المعبر للعمل، شعرت ببعض الراحة، فنحن نعتمد على الساحة كمصدر أساسي لنا، ونتمنى أن يستمر عمل المعبر دون استهداف عسكري أو سياسي”.
موضحاً، أن حركة العبور عبر المعبر لا تمثل فقط شريان حياة له ولعائلته، بل أيضاً لآلاف الأسر الأخرى في عموم شمال وشرق سوريا.
واختتم المواطن “أحمد محمد الخطيب”، معبراً عن أمله وآمال زملائه العمال كافة، بالحفاظ على استقرار وأمن الساحة، خاصةً، مع ما تعانيه من مخاطر بسبب النزاعات العسكرية والسياسية المتكررة: “نريد أماناً دائماً يضمن استمرار العمل، فهنا في ساحة (عون الدادات)، نجد الأمان الاقتصادي، ونأمل أن يستمر الأمان الأمني”.