No Result
View All Result
المشاهدات 0
رامان آزاد –
تصدّرت حادثةُ اختفاءِ الإعلاميّ السّعوديّ جمالِ الخاشقجيّ ومن بعدها تأكيدُ خبرِ قتلِه المروّع، الاهتمامَ السياسيّ والإعلاميّ، وغطت على كثيرٍ من الأحداث، رغم أنّ ما يحدثُ بالمنطقةِ أفظع وأكثر ترويعاً، فهي لا زالت تموجُ بالحوادثِ الجِسام، أقلها ما يحدث في عفرين من جرائمَ يوميّةٍ في ظلِّ احتلالٍ جائرٍ استباحَ الأرض وما عليها. ويزولُ وجهُ الغرابةِ بوضعِ الحادثة في إطارها الواقعيّ، حيث حالة التنافس الدينيّ والسياسيّ وطبيعةِ التطوّر الفكريّ للمنطقة، كما أنَّ لبلدِ الضحيةِ والدولةَ التي قُتل فيها خصوصيّةً هامةً على مستوى الفكر والعقيدة.
مغامرة الانتقال بين المتنافسين
تناولت وسائلُ الإعلام خبرَ قتل الإعلاميّ السعوديّ المعارضِ جمال الخاشقجي وتقطيعَ جسدِه بمنشارٍ، بعد أيامٍ من شحِّ المعلوماتِ حول طبيعةِ اختفائه بعد زيارةٍ إلى قنصليةِ بلاده في أنقرة، وتحرّكت أوساطُ السياسةِ والإعلام للحديثِ حتى البيتُ الأبيض، حيث نفى الرئيس ترامب الاتّهام بقيامِ واشنطن بتوفيرِ الغطاءِ للسلطاتِ السعوديّة، مرجّحاً معرفةَ الحقيقةِ مع نهايةِ الأسبوعِ، ونقلت صحيفةُ نيويورك تايمز عن قناعةِ مسؤولين في الاستخباراتِ الأمريكيّة بأنّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان له دورٌ في مقتل الخاشقجيّ.
الخاشقجي الصحفيّ الوسيم الذي يتقنُ اللغة الانكليزيّة، كان قد اعتاد على ذمِّ النظام السعوديّ ومواقفه السياسيّة عبر مقالاته في الصحف العالميّة، وانتقد بشدّةٍ سياسةَ العزلِ المفروضة على قطر، وفرضَ الاستقالةِ على رئيس الوزراء اللبنانيّ سعد الحريريّ، بالإضافة لانتهاجِ النظام السعوديّ سياسة ملاحقة المعارضين وقمع المعارضين عبر وسائل إعلام تمتلكها الحكومة.
لعلّ الخاشقجي قد اختار نهايتَه بنفسه إذ انخرط في دوائرِ اللعبة السياسيّة وساهم في خياطة حبائلها عبر التنظيرِ للإسلامِ السياسيّ والجهاديّ واستبدل السيّد بآخر، وبالتالي لم يعمل صحفيّاً بالمعنى الدقيق للكلمة وإنّما منبراً يُلقى عبره الخطابُ السياسيّ للجهة التي يواليها، فكان بوقاً تناوبت على النفخِ فيه أطرافٌ متنافسةٌ وهابيّة وإخوانيّة، فقد عمِل على نحوٍ من الارتزاق، ويوم شهدت مانهاتن مجزرةَ سقوطِ برجي التجارة العالميّ 11 أيلول 2001، خرجت واشنطن بسياسة معاديةٍ للدول الإسلاميّة، فعمدتِ الرياضُ على تعيين الخاشقجي أداةً لتجميلِ صورةِ النظامِ السعوديّ وتمّت تسميته مستشاراً لتركيّ الفيصلِ الرئيس السابق للاستخبارات السعوديّة والمعروف بولائه لواشنطن وعلاقته بتل أبيب، وإذ تحفلُ كواليسُ حكومةِ الأوتوقراطيّة السعوديّة المالكة للأرض والإنسان بالأسرار والمعلومات المخفية عن طبيعة العلاقات الخارجيّة والتمويل السعوديّ للجهاديّة الإسلاميّة حول العالم والنشاط الدّعّويّ لصالح الوهابيّة، وكذلك السياسة الداخليّة وملاحقة المعارضين وتصفيتهم واعتقالهم على ذمة مدونةٍ على مواقع التواصلِ الاجتماعيّ، كان الخاشجقيّ شاهداً قريباً من كلّ الأحداث، وواصل عمله ردحاً من الزمن، ثم قفز إلى الضّفة الإخوانيّة المنافسة يواصلُ عملَه بالتجميل أيضاً، وهنا يمكنُ فهمُ انتقال الخاشقجي إلى عاصمة الإخوان أنقرة ليكون قريباً من سلطانها أردوغان، لعله يحظى بهامش حماية، وكان قد هرب إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة بعدما تيقّن أنّ رأسه أضحى مطلوباً من رأسِ السلطة في بلده. وبذلك كان انتقال الخاشقجيّ مغامرةً محفوفةً بالمخاطر.
وبالمجمل؛ فإنّ تلميعَ الوجهِ الإخوانيّ ليس أقلَّ سوءاً من الوهابيّ السلفيّ، فتركيا الإخوانية الأفعوانيّة، تنافسُ السعودية في ملاحقةِ المعارضين والتضييق على الإعلام والفارق الوحيد هو ظاهرُ العلمانيّة الذي تدّعيه فيما يتصل بموضوع المرأة، وما ارتكبه الجيش التركيّ بحقّ الكرد وتدمير مدنهم وقراهم في تركيا وعدوانه الهمجيّ على عفرين واحتلالها واحتضان تركيا للإرهاب يضع أنقرة على خط التنافس مباشرة مع الرياض.
إسكاتٌ لحفظ الأسرار واستثمار
شهد الخاشقجيّ أعمال التصفية بحقّ المعارضين السعوديين، وكان يمدح الحكومة، ثم انتقل ليشهد كلّ جرائم الانكشاريّة العثمانيّة ويتعامى عنها، ويكتب مبرراً العدوان على عفرين، وجرائم القتل والخطف والسلب والنهب، ولم يتحرك ضميره يوم تكالبت عصابة الإرهاب على جسد بارين الطاهر تعمل فيه السكين تقطيعاً، وتفرغ أمشاط الذخيرة في أجساد الفلاحين والأبرياء، فخرس كما غيره كثيرون حكوماتٍ وأفرادٍ، ويوم كان سفير الوهابيّة الإعلاميّ دافع عن مجازر القتل الجماعيّ بحقِ الحادثة عسكريين تابعين للجيش السوريّ وبرّرها بالأثر النفسيّ القوي الذي توقعه في نفوس الجنود.
هل كان للخاشقجي هذا الحجم الذي يثيرُ كلّ هذه الدوائر في بِركةِ المنطقة ولتصبح أمواجاً عاتيةً، ربما تهدّد مستقبلَ حكومة محمد بن سلمان أو تهزّها بعنفٍ شديدٍ؟ أم هي قضية استثمار لجسده المقطّع لتحقيق أهدافٍ سياسيّة؟ يقولُ البعض إن المسألة استخباراتيّة صرفة، وقد رأتِ الرياض أنّه يتوجبُ إسكاتُ الرجل ليس لأنّه مجرّد معارضٍ، بل لأنّ لديه الكثير من الأسرار التي يخشى إفشاؤها فتم إسكاته، وربَّ قائلٍ أن لا أهميةً كبيرةً للرجل، ويذهب بعيداً أنّه قام بدورِ بالعمالةِ، وكلّ ما في الأمرِ، هو دورُ المالِ في الإعلام فقطر المحتقنة نتيجة العزلة الخليجيّة بقيادةِ السعوديّةِ عليها، لديها القدرة على تحريك موجات إعلاميّة ضد الرياض بموازاة للدور التركيّ، نتيجة الاستثمارات القطرية في مجال الصحافة والإعلام في دول الغرب ولها حضورٌ اقتصاديّ ذو خصوصيّة في نيوريوك، ففي إطار التنافسِ الإخوانيّ ــ الوهابيّ يعملُ الإخوان على صناعةِ ما يشبه اللوبيّ بقوة المال وعبر شراء المؤسسات الاقتصاديّة والاستثمارات في الولايات المتحدة الأمريكيّة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وفتح ثغراتٍ إلى الإعلام الغربيّ ، كما أنّ الإعلام اليوم يتوجّه لصالحِ من يدفع، ويزول وجه الغرابة أكثر مع التوتر الأخير مع واشنطن وبالتالي تكسب من خلالها ورقة ضغط مجانية، ساهمت أنقرة بإعدادها. بالتالي فالدوحة تملك الرغبة والقدرة على إزعاج ولي العهد الحالم الذي قد لا تشفع خطته الإصلاحيّة إلا أن يدفع بسخاء أكبر.
سلفٌ وخلفٌ وميراثٌ فكريّ
ما يمكن قوله في قتلِ الرجل أنّه ضحية التنافس بين وجهي الإسلام السياسيّ الذي يضربُ عميقاً في التاريخ، ويستند إلى نصوصٍ دينيّة لإباحة القتل ويجعل القوميّة معيار للوصاية، وأنّ صفحات التاريخ تفيض بأمثال هذه الحادثة وأفظع منها، والقول بنقاء المرحلة الأولى بُعيد وفاة الرسول مبالغ فيه إذ الرعيل الأول أول حادثة حرق كانت للفجاءة السلميّ واغتيال سعد بن عبادة ويومها قالوا قتلته الجن، وتم اغتيال ثلاث خلفاء، وخيضت ثلاثيّة (الجمل والصفين والنهروان) ومن بعدها كانت مجزرة كربلاء وتقطيع جسد الحسين ومعارك عين الوردة وحروراء وقٌتل سبعة آلاف رجل في الكوفة سلموا أنفسهم لمصعب بن الزبير، ثم صُلب ابن الزبير في مكة وغيرها.
وبذلك استمرّتِ الحكوماتُ الإسلاميّةُ في العهدِ الأمويّ والعباسيّ والدويلاتُ الصغيرةُ التي توسّعت وجاء الاحتلال العثمانيّ فابتدع أساليب أشنع للقتل، وبذلك شهِد هذا الشرقُ قيامَ الدولِ وتثبيتَ الحكوماتِ وتحصين بقائها عبر الحروب وممارسةِ القتلِ والاغتيالِ السياسيّ، وأما التوسّعُ الذي يصرُّ البعض على تسميته بالفتحِ، فلم يكن رحيماً رؤوماً بالشعوب إلا في السرديّةِ التاريخيّةِ بعدما طالها التجميل وكثير من الحذف والإضافة، ولا يمكن وضع التنافس الإخوانيّ العثمانيّ والوهابيّ السعوديّ إلا في سياق الميراث التاريخيّ، ولعلنا نجد الكثير من إسقاطات التنافس السلطويّ الدينيّ في الأزمة السوريّة، حيث اُرتكبت آلاف الجرائم من كلّ الأنواع وجاء الإيغال في البشاعة دليلاً على عدم انطفاء جذوة الحقد عبر قرونٍ من الزمن، ومشهدُ الثورجيّ الذي شقَّ عن صدرِ جندي في بدايةِ الأزمة ولاك قلبه بين أسنانه كان مروّعاً، وكان عنواناً كافياً لنفهم أي نوعٍ من الثورة تدعمها أنقرة ودول الخليج.
No Result
View All Result