سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تعدد البنات في العائلة… قيود جاهلية لازالت تخيم بسوادها على مجتمعاتنا

تقرير/ غزال العمر –

روناهي/ جل آغا- بدموع الأسى فوق مهد بناتهن تستقبل بعض النساء مولوداتهن من البنات؛ فالعدد يزداد في العائلة والذكر لم يولد بعد؛ والطفلة منبوذة، إن تقبلها الأبوان رفضها الجدان وإن تقبلها الجدان رفضها المجتمع المحيط بالعائلة؛ أيعقل أن يرفض الإنسان قطعة منه لمجرد أنها أنثى، أي جهل هذا وأي ألم وسواد لا زلنا نعيشه؟
عادات جاهلية واجتماعية سيئة لا تزال تخيم بظلالها على حياتنا، وتعيش معنا ولكن بوجوه مختلفةٍ؛ ففي القديم كانوا يدفنون الفتاة لأنها أنثى، وإلى الآن لازالت الفتاة وأمها يدفعان ثمن أنوثتهن باهظاً؛ رفض من المحيط وشفقة وأجواء أقرب للعزاء، بمفاهيم ذكورية بحتة في مجتمع ذكوري: “اسم العائلة وإرثها ضاع مع ضياع فرص إنجاب الذكر!!!!”.

“مبارك عليك المصيبة السابعة”!!!

 

وبهذا الصدد زارت صحيفتنا عائلات لديها من البنات أعداد تفوق عدد الذكور أو لا ذكور في العائلة لنرى مدى تقبلهم واستيعابهم لهذا الأمر أو رفضه.
حيث التقينا في البداية بالأم “ح- م” لديها سبع بنات، أنجبت مولودتها السابعة قبل فترة قريبة، وبعد أن باركنا لها بطفلتها سألناها فيما إذا كانت سعيدة باستقبال ابنتها السابعة لتجهش بالبكاء قائلةً: “لا يد لي بما وضعت وأحمد الله على نعمته وخلقته التامة، ولكن هذه البنت السابعة ولا ولد لدي”.
وتابعت بالقول: “أنا معرضة للطلاق أو للطرد من بيتي؛ لأني لم أنجح بإنجاب الولد فزوجي قال لي وأنا بغرفتي في المشفى: “مبارك عليك المصيبة السابعة!!!!”، “مما جعلني أشعر بالألم والاكتئاب واكتفيت بالقول: “هي نعمة وليست مصيبة ولا تذم”.
يتنمرون وكأن البنات عار

 أما زوجها “خ- س” الذي كان يراقب حديثنا ولم يمانع بإعطاء رأيه رغم أنه يعيش وضعاً نفسياً صعباً بحسب قول الزوجة؛ إلا إنه أجاب عن سؤالنا فيما إذا كان لا يحب بناته ليقول: “أحبهن جداً لكن أتمنى في كل مرة أن أرزق بولد ليسندني ويسند بناتي فالناس لا ترحم”. ومن حيث انتهى بدأنا معه بسؤال آخر: أتنفر من البنات لترضي البشر؟ فما كان منه إلا أن اغرورقت عيناه، موضحاً بأنه لا ذنب لزوجته فيما أنجبت لكن الأهل والمجتمع يتنمرون عليه حتى عندما يرونه يعمل يحبطون معنوياته بنظرات الشفقة والتهامس فيما بينهم بكلمات “تطعنه بالصميم” بحسب تعبيره؛ مثل: “مسكين يعمل لمن؟ خلفته كلها بنات”.
وأردف بالقول: “عندها أشعر بأن الحياة ضاقت في عيني، وحتى عندما أداعب طفلاً صغيراً عن غير قصد لا أسلم من كلام الناس، فمنهم من يقول متعاطفاً رزقك الله الولد، ومنهم من يزجر ابنه ليدخل إلى البيت خوفاً من الحسد كوني لا أملك ولداً ذكراً”.
أما عن سؤالنا له لم يعتبر ولادة البنت مصيبة؟ فقد أوضح بأنه كان بوضع نفسي سيئ فأمه وأم زوجته يبكيان ويواسيانه بكلمات بحسب قوله: “كأني فقدت زوجتي أو واحدة من بناتي”، “الله يعينك. ربك كريم. هم البنات للممات” وأضاف: “أمام هذه الكلمات ماذا سأقول؟”.
روح بريئة محاطة بالحزن والرفض
أما فيما إذا كانت بناته يساعدنه في عمله كبائع للخضرة حيث يجوب القرى بسيارته الصغيرة قال: “نعم يساعدنني في التحميل والتنزيل وترافقني إحداهن للبيع لتساعدني”.
وعن شعوره كأب عندما يرى من يصفهن المجتمع بالمصائب تعينه وتخفف عنه قال بأنه فخور ببناته، وقال: “فكم من ولد ذكر عاق أتعب أهله بتصرفاته الحمقاء، ومع هذا أتمنى الولد رغم كل شيء لأرتاح من هذا الهم”، حيث حدق بوجه تلك الطفلة البريئة المحاطة بالحزن من كل جانب وقال: “ذنبها أنها المصيبة السابعة في عين مجتمعها”.
أنجبت “الوريث” فعادت لها الثقة!
وبقرية مجاورة من قرى جل آغا تسمى “شبك” كان لنا زيارة لبيت لديهم خمس بنات وولد وحيد لنلتقي بالأم “هـ -ع” لنرى مدى تقبلها لبناتها، والتي بدت أقل توتراً وهماً من الأم التي تحدثنا عنها سابقاً لتقول: “شعرت بالراحة عندما أنجبت الولد بعد خمس بنات، أشعر بأني كدت أفقد ثقتي بنفسي لأني لم أنجب الذكر بعد”.
ثم تابعت: “أنا لا اعترض على البنات ولكن زوجي هددني بالزواج وخفت من هذا الأمر”.
وبعفوية قالت: “أسميت ابنتي الرابعة كفاء، أي أننا اكتفينا والخامسة ختام”. هل كان هذا شرطاً على السماء ورسالة مبطنة تناجي بها بأنها اكتفت. أي خوف كان يسكن قلب تلك المرأة ليدفعها لتلك الأسماء الموحية، فربما كانت تخجل من أن ترفع يديها وتصرح بشكل علني بأنها اكتفت من البنات لأنها ضمنياً تعرف بأنها مخطئة في تفكيرها، ولكنها تخشى ذهنية المجتمع الذكورية.
تزوج الثانية والأولى تخاطر بحياتها ثمناً
أما هذه المرأة كان وضعها أصعب، فهي من قرية في ريف جل آغا حيث تزوج زوجها من امرأة أخرى وتركها وبناتها يدفعن ثمن أنوثتهن؛ لتقول: “أنجب بعمليات قيصرية وفرصي بالإنجاب محدودة؛ فهناك عدد محدد طبياً لا يتجاوز الأربع عمليات واثنان أخريات مخاطرة”، حيث أوضحت بأنها جازفت بحياتها مراهنةً الأطباء على إنجاب مولودين آخرين ليصل عدد عملياتها لستة؛ وذلك على حساب صحتها وحياتها فالحمل المتقارب يرهق جسدها؛ ولكن الحظ لم يحالفها لتكسب “رضا وسعادة” زوجها الذي “كافأها بزوجة ثانية رغم أنها حاولت بكل ما لديها من قوة وتصميم بالرغم من أنها كانت معرضة للموت” على حد تعبيرها.
“بناتي رزقي في هذه الحياة”
 هذا غيض من فيض لكن الأمر لا يخلو من أناس مرحبين بولادة الأنثى كما الذكر، مثل وضحة المحمد الأم لست بنات كنّ أيتاماً، لها من العمر خمس وستين عاماً فهي علمت وكدحت أمامهن دون تذمر ولا سخط، لتؤكد قائلة: “أرى الدنيا بعيون بناتي وخاصةً بعد أن ترك لي زوجي هذا الحمل لوحدي ورحل”.
وأكملت حديثها بأن البنات هن المؤنسات الغاليات وبأنها ربتهن وعلمتهن وهي سعيدة الآن بكونها جدة تعيش لوحدها بعد أن زوجت بناتها لكنها لا تعرف الوحدة أبداً فبيتها لا يخلو من الزائرين من أزواج بناتها وأحفادها وأضافت: “بناتي يستمدن قوتهن مني، وهن رزقي في هذه الحياة”.
داية شعبية تبوح بمعاناتها النفسية
هذا وكان لنا في السياق ذاته لقاء مع “شاهة العناد” ذات الخمسة والسبعين عاماً التي تعمل “داية – قابلة” شعبية منذ أربعين عاماً، حيث تقول معبرةً عن رأيها في هذا الموضوع وما واجهته من خلال مهنتها التي احتكت بها بعدد كبير من العائلات، واستقبلت مواليدهم معهم، وفرحت لفرح البعض وحزنت لحزن الآخر لتحكي لنا عن رأيها بعدم تقبل الناس للبنات وكثرة عددهن في أسرة واحدة قائلةً: “كنت أحمل هماً أكثر من الأم نفسها لأني أنا من سيبشر الأب وأهله بولادة زوجته سواءً ذكراً أم أنثى”.
وبينت: “كنت أخشى من ردة فعل الآباء عندما سأخبرهم بولادة بنت ثالثة أو رابعة أو خامسة، وأتعاطف معهم نظراً للحزن الذي ينعكس على وجوههم فأشعر بالضيق، فكم من مرة خرجت مسرعةً دون أن أتقاضى أجري لأني كنت أخشى أن أخبرهم بما أنجبت زوجاتهم، بسبب الذهنية الذكورية للبعض”.
أما عندما يكون المولود ذكراً تقول بأنها كانت تحصل على أجرة أعلى واهتمام أكبر.
وإلى الآن تستمر الذهنية الذكورية التي أثرت على بعض النساء أيضاً فالعديد من القابلات تحددن سعراً حسب المولود، فإن كان ذكراً يتقاضين مبلغاً مالياً أكثر!!!!.
تفسير الطب النفسي للموضوع
التطور لم ينجح بالتخلص من أعراف بالية، فهذه المشكلة الاجتماعية لا تزال تخيم بهولها وقسوتها على مجتمع كان المفروض منه أن يكون قد ترك تلك الذهنية البالية التي عبث بها الزمان لكنه لم يفسدها بل تظهر بشكل أصعب.
ويبقى للطب النفسي رأي في ذلك، حيث أثبتت دراسة نفسية أن الإنسان يبحث عن الخلود، وبسبب الذهنية الذكورية المسيطرة على المجتمعات منذ القدم يرى هذا الخلود بإنجاب الذكر للحفاظ على العائلة من الضياع.
 وأمام هذه المشاعر المختلطة التي عشناها مع قصص تلك الأمهات لا يسعنا إلا أن نقول بأن هذه الذهنية الذكورية لا تزال مستمرة وعلى النساء تنظيم صفوفهن ورفع صوتهن لكسر هذه القيود البالية التي لا تزال ترى الأنثى عاراً والرجل قوة.