سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تطور الأحكام في الإسلام

 محمد القادري_

نعلم أن الأحكام القطعية في الإسلام غير قابلة للجدال والمناقشة؛ لأن مصدرها القرآن الكريم، وإذا نظرنا بعين التدقيق والدراسة والتمعن في جانب تطور الأحكام حسب الأزمنة والأمكنة والحالة الاجتماعية فسوف نرى أن هناك آيات جاءت بأحكام تفرض على المسلمين والمؤمنين أموراً معينة في العبادات والمعاملات، ثم إنها نسخت بآيات أخرى بدلت الأحكام بتطور الحالة الإسلامية في مكة، ثم في المدينة ثم حسب حالة المسلمين من حيث الأقوام المنتمية إليها، ويؤكد ذلك نص الآية الكريمة “مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، وهناك الكثير من النماذج عن الأحكام التي تطورت مثل أحكام الخمر والمأكولات، حيث إنها كانت مباحة بقوله تعالى في سورة النحل حيث قال: “وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”، وبعدها بفتره قال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى”، وبعدها قال: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا”، أما آخر آية ناسخة لهذه الأحكام كانت قوله تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، إذا نظرنا إلى تواجد المسلمين في المدينة المنورة، ووجود الكفار في مكة، حيث أن الحكم كان بعد الفتح قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”، وهناك أحكام كثيرة في الكتاب والسنة تم تعديلها وتطويرها حسب مبدأ الاستحسان والمصالح المرسلة، وكان من الشخصيات المعروفة بتوقيف الأحكام وتطويرها وتبديلها الخليفة “عمر بن الخطاب”، حيث أنه أوقف حد قطع يد السارق في عام الرمادة، وكذلك منعه متعتين فقال: “متعتان كانتا على عهد رسول الله، وعلى عهد أبي بكر وأنا أمنعهما متعة الحج ومتعة النساء”، وأيضاً علماء المذاهب اجتهدوا في كثير من الفروع الشرعية والأحكام، وأصدر فتاوى تتطابق مع الحالة المجتمعية، فقد كان باب الاجتهاد مفتوحاً على مصراعيه حتى أغلقه اتباع أئمة المذاهب وليس الأئمة أنفسهم، وما نراه الآن من عدم قدرة الأحكام الشرعية لتلائمها مع الحياة الواقعية إنما هو من باب منع الاجتهاد ومنع سير الحديثة للآيات وإيقافها على نصوص قديمة، أكل عليها الدهر وشرب منذ 1000 عام بعد رحيل الأئمة المجتهدين، الذين يحاول علماء التقليد الوقوف عنده، وجعل كتبهم مراجع مقدسة لا يمكن الزيادة عليها، أو التشكيك في صحتها. لذلك؛ يجب على المسلمين السعي في تطوير الأحكام والنظر إلى النص المقدس وتفاسيره بعين الإنسان العصرية والحياة والتطورات، التي حدثت فيها وعدم إبقاء الشريعة بعيدة عن الواقع.