تحت عنوان (هل الاحتفال بالمولد النبوي بِدعة؟) نشر الأستاذ الشيخ محمد القادري في مقاله في صحيفة “روناهي” الغرّاء في زاوية (الدين والحياة) مقاله القيّم، ورأينا الكتابة من حيث انتهى الأستاذ محمد القادري، حيث ظل المسلمون على اختلاف مذاهبهم يحتفلون ويقدسون الاحتفال بمولد الرسول محمد، لا يشذ إلا القليل النادر، مثل ابن تيمية.
ولكن مع الامتداد الوهابي التكفيري الداعشي، تم إنفاق مليارات الدولارات على الفكر الوهابي التكفيري، وصار لهم دُعاة ووكلاء للوهابية في شتى أنحاء الأرض، ومن ضِمن فتاويهم التي استجاب لها الملايين فتاوى تحريم زيارة قبر النبي وتحريم الاحتفال بالمولد الشريف.
ولكن ومنذ عدة سنوات بدأت الدولة السعودية تتغير لدولة شبه مدنيّة، وبدأت فتاوى تحريم الاحتفال بالمولد الشريف تتوارى في بلاد الوهابيين، وعندنا إحصائية شبه رسمية تدل على تضاؤل الفكر الوهابي.
إحصائية: تضاؤل الفكر الوهابي الذي يُحرِّم الاحتفال بالمولد النبوي
خلال احتفال المسلمين بُعيد المولد النبوي الشريف، يوم الثلاثاء الموافق 12 ربيع الأول 1440هـ، الموافق 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، أصدر “المؤشر العالمي للفتوى” التابع “لدار الإفتاء المصرية” و”الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم” بياناً كشف فيه عن عيّنات من فتاوى الاحتفال بـ “المولد النبوي الشريف” في دول العالم، فقد رصد عيّنة من الفتاوى عددها خمسمائة فتوى متنوعة، وهي صادرة من جهات أو مؤسسات رسمية، أو فتاوى منفردة، أو تيارات ومنظمات متطرفة، سواء أكانت فتاوى حديثة أم مُعاد نشرها.
على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وجد المؤشر إن 65% من إجمالي الفتاوى على مستوى العالم تُجيز الاحتفال في مقابل 35% تُحرِّمه، وإن70% من الفتاوى المصرية أباحت الاحتفال بالمولد النبوي و30% حرّمت الاحتفال.
وعلى المستوى الإقليمي جاءت النسبة 75% تحريم و25% إباحة، وارتفاع النسبة كما جاء في البيان كانت في دول مثل الجزائر وقطر وليبيا والإمارات ولبنان وتونس والأردن.
أما الفتاوى الدولية، في البلاد التي يعيش فيها المسلمون كأقليات، كانت النسبة 50% إباحة و50% تحريم، أما تنظيمات الإرهاب مثل داعش وبوكو حرام والقاعدة وجبهة النصرة بالإضافة إلى كل جماعات الإسلام السياسي، فقد جاءت النسبة 100% تحريم.
وهو أمر حميد، وبادِرة طيّبة، أن تقوم جهة رسمية باتخاذ المنهج الإحصائي في العمل الديني، وعدد خمسمائة فتوى متنوعة من دول متعددة، تُعطي قيمة للمؤشر، الذي يرصد الاتجاه العام الروحي للمسلمين، من خلال حبهم الوجداني للنبي محمد صلى الله عليه وآله.
أظهر “المؤشر” بأن نسبة 100% من جماعات التطرف والإرهاب تُحرّم المولد النبوي، ذلك أن الاتجاه السلفي عموماً يستقي كل فتاويه من رجال الدين الوهابيين.
وفي مصر كنموذج، نجد أنه وعند قُرب الاحتفال بمولد النبي كل عام، تبدأ حرب الفتاوى حول تحليل أو تحريم الاحتفال بالمولد النبوي، الوهابيون ومعهم السلفيون، يُصرّون كل عام على تحريم الاحتفال بمولد الرسول، وباقي كل الشعب المصري يحتفل به، والسلفيون في مصر يأخذون فتاوى التحريم من الوهابيين.
نأخذ مثلاً واحد، وهو الشيخ أبو إسحاق الحويني، أشهر من حرّم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، مؤكداً أنه لا يجوز الاحتفال بهذه المناسبة؛ لأن الرسول لم يفعلها، ولا خلفاؤه الراشدون من بعده، ولا غيرهم من الصحابة، أو التابعين، رغم أنهم الأعلم بأمر السنّة، والأكثر حباً للنبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال: “من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد”، وبالتالي فكل مسلم يحتفل بالمولد النبوي، فهو مبتدع على أقل تقدير، إن لم يكن مُشرِكاً أو كافراً، وهي نفس الفتوى بنفس الأسلوب عن الشيوخ ابن باز والعثيمين وابن جبرين، وباقي شيوخهم، والشيح أحمد بن تيمية، هو أول من قال إن من يقصد زيارة قبر النبي، يُعتبر مشركاً، وهي الفتوى الأم، التي يتناقلها المتطرفون ويأخذها السلفيون جيلاً بعد جيل، وهو تحريم غريب مدهش.
فتاوى الحزن الوهابي الداعشي
يقودنا إلى تفسير منطق التحريم بالاحتفال بمولد الرسول، بأن الأمر مُرتبط بمنطق لدى السلفيين، يقوم على تحريم الفرح بكل أشكاله، لأن ما يذهب إليه السلفيون في تحريم الاحتفاء بمثل هذا اليوم، يدخل في إطار منطقهم الدائم في تحريم كل فرح وكل العادات والأعراف، التي اعتاد الناس أن يفرحوا فيها،
والمشكلة تكمن في تعامل التيار الوهابي تحديداً مع ظاهرة الفرح والسرور؛ لأن التحريم الذي يغلب على العقل السلفي ومنطق الخصومة مع الحياة الذي يغلب عليهم، هو الذي يجعلهم، يقفون هذه المواقف الصادمة لعادات الناس وأعرافهم وما تعودوا عليه من أمور جميلة يستحسن تشجيعها وتأييدها لا الوقوف ضدها، فهم يحرمون الاحتفال بأي مولد، ويحرِّمون الموسيقى والغناء المباح والإبداع في أي فن، هم يحرمون كل شيء جميل في الحياة.
لكل ذلك، نرى أن نسبة فتاوى المولد النبوي في مصر 70% إباحة و30% تحريم، تُعتبر نسبة معقولة، نسبة التحريم أمست 15 % على أكثر تقدير اليوم بعد ستة أعوام أي في عام 2024، لأنه وقبل عشر سنوات، كاد الاحتفال بالمولد النبوي يقتصر على شيوخ وأئمة أهل التصوف فقط، فالسلفيون انتشروا في كل ركن وفي كل زاوية وتحت كل شجرة، فحرّموا كل شيء، واليوم يطلقون نفس فتاوى التحريم، ولكن ذلك ليس في الصحف أو من فوق المنابر أو في الفضائيات المصرية، فقد تم منعهم من ذلك، ولكنهم يطلقون الفتاوى في شبكة “الإنترنت”، والفتوى الفردية من “شيخ”، وربما هي أخطر الفتاوى.
وفي كل الأحوال نعتقد النسبة في مصر والجزائر والمغرب والأردن وغيرها معقولة، وتثبت تضاؤل نسبة الدواعش والوهابيين، صحيح لم تقضِ عليهم، ولكن في المقابل خفّت كثيراً التأييد الشعبي لهم.
كل والمسلمون بخير، يحتفلون بالمولد النبوي بدون داعش وبوكو حرام والوهابية.