تعمل المئات من العوائل في مدينة تل حميس وريفها، على ترميم منازلها الطينية وتجهيزها قبل حلول فصل الشتاء، لمنع تسرب الأمطار إليها، وهي عملية تسمى بلهجة أهل مدينة تل حميس، وقراها “السياع، أو اللياص”.
ويسكن أكثر من 80 % من سكان مدينة تل حميس وقراها في بيوت مبنية من الطين، وذلك لأسباب عدة أهمها المناخ الجوي، حيث أن هذه البيوت تحافظ على درجات حرارة معتدلة صيفاً وشتاءً، لأن الطين مادة عازلة أكثر من الإسمنت، إضافة لقلة تكاليف بنائها، حيث تتطلب كميات كبيرة من التراب والماء والتبن فقط، وهي متوفرة بشكل كبير في الطبيعة الريفية، مقارنة بأسعار الأسمنت والحديد في الأبنية السكنية الحديثة.
كيفية تحضير عجينة السياع
ولمعرفة المزيد عن كيفية تحضير عجينة السياع، التقت صحيفتنا “روناهي” أحد سكان ريف تل حميس، “أحمد الظاهر“، والذي حدثنا: “يبدأ العمل بتحضير الجبلة “عجينة السياع”، على مرحلتين، الأولى وهي “دمج الطين مع دقيق القش أي ما يعرف بالتبن، مع القليل من الماء، ومن ثم تخميرها والتي تحتاج إلى يوم أو أكثر، مع القيام برشها بالماء بين الفينة والأخرى، لئلا تصبح صلبة”.
وتابع: “وفي المرحلة الثانية، يتم جبلها من جديد مع القيام بعجنها، عن طريق الأقدام وتزويدها بالماء والقليل من المازوت، حتى لا يسمح للبذور الموجودة في الطين بالنمو في حال تعرض الأسقف الطينية للأمطار، وتكون مرونة الطين بحسب ما يراد”.
وأضاف: “فإذا كان السياع على القش، الذي يسقف البيوت، يجب أن يكون متماسكاً للتحكم بعملية سماكة الطين، أما إذا كان الطين لسقف تم تطيينه سابقاً، فيكون الطين أكثر مرونة”.
وتبدأ عملية نقل عجينة السياع إلى أسطح المنازل، حيث يتواجد شخص خبير في السياع، كي لا يترك أي فراغات تسمح بتهريب الأمطار داخل المنزل في فصل الشتاء، كما إن عملية السياع تشمل أيضاً الحظائر لحماية المواشي من الأمطار.
ولفت الظاهر، إن هذا العمل من الأعمال التراثية التي تجمع الأحباب والأصدقاء والجيران، لتتحول من عمل إلى رحلة ترفيهية تروى فيها ذكريات الحاضرين، ويسرد خلالها القصص التراثية، وتكون مليئة بالنشاط والحيوية، وتختم هذه الرحلة بالوجبة التي يقوم صاحب البيت الذي يتم سياعه، بطبخ أطيب ما يملك في بيته من الطعام”.
بداية موسم السياع
وأردف الظاهر: “وتبدأ عملية السياع، غالباً في الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول من كل عام، ولا يوجد أي منزل طيني مستثنى من هذه العملية”، مضيفاً: “وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي تحتاجه عملية السياع، إلا أنها تتم بطقوس جميلة وممتعة”.
وفي نهاية حديثه، ذكر العم “أحمد الظاهر”، أن عملية السياع عادة قديمة، بقيت محافظة على نفسها لكون منازل العديد من أهالي القرى طينية بالكامل، دون أن تتحول إلى النمط العمراني القائم في بنائه على الإسمنت والحديد، مؤكداً، بأن “من هذه العادات القديمة، تنبع روح التعاون والمحبة، فيجب المحافظة عليها”.