تواصل تركيا مكائدها التقليدية وألاعيبها الكلاسيكية التي دأبت عليها منذ سنوات لزعزعة الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بشكل عام، مع تغير اللاعبين الذين تحركهم كعرائس مسرح الدمى من مرتزقة وأحزاب ومتطرفين وممولين لحركاتها الإرهابية، وهي تظن بأن ما تقوم به هو الأسلوب الذكي في التعامل ضمن نموذجها الجديد المزعوم الذي رسمته لنفسها منذ مئة عام.
انتهاك الأراضي العراقية بحجة إقامة قواعد مؤقتة في المنطقة لمنع استخدام المناطق المطهرة آخر سيناريو للتطاول التركي على البلاد العربية، يثير التساؤل حول طبيعة أطماع نظام رجب طيب أردوغان المتنامية، هذه الأطماع الاستعمارية التي تستهدف العرب بالدرجة الأولى، فلا يكفيه على ما يبدو ما أثاره في ليبيا وتدخله في الشؤون السياسية والعسكرية والاقتصادية لبلد المجاهد البطل عمر المختار، وكل ذلك من أجل الاستثمارات واستغلال الموارد والعنجهية العثمانية القائمة على التوسع الخبيث كالسرطان الذي ينهش في الجسد.
دعونا نعود للوراء قليلاً ونلقي نظرة تمعن على هذه اللعبة وتحديداً عند مرحلة ما كان يسمى بالربيع العربي، حيث أرادت تركيا الدخول من بابها، واستغلتها كفرصة للانتقال لمرحلة أخرى للتدخل في شؤون البلدان العربية، فقررت نشر قواعدها بشكل كبير حول الجزيرة العربية فنخرت في العراق وسوريا بحجة الكرد ومنعهم من الانفصال، وتموضعت في الصومال وقطر التي للأسف خرجت عن اللحمة الخليجية والعربية وجنحت لأردوغان وسياساته الاستعمارية، والآن تحاول بشق الأنفس أن تخلق لها مكاناً في ليبيا.
في كل لعبة لاعبون وإن كانت تظن تركيا أنها تستعيد أمجادها بالتحرك الحر في المنطقة فهي بكل تأكيد لم تستيقظ من غفوتها ومن سباتها، فلنذكرها بالنكسات الكبرى التي تعرضت لها على يد الشعوب العربية الحرة، وأولها طرد الشعب المصري جماعة الإخوان المسلمين من حكم مصر، وخسرت في السودان بعد الإطاحة بحليفه البشير، وفي اليمن كانت خسارة جماعته من الإخوان المسلمين في اليمن. ولم تتوقع تركيا أن لحمة الشعوب العربية القوية ستقف أمامها وستفشل مخططاتها، حيث أن الشعوب تؤمن بالدولة الوطنية، بينما تستغل التعاطف من خلال أيديولوجيا عبثية كشفت تلاعبهم بمنظومة سرية دولية تحاول اختراق أنظمة الدول، المتمثلة بجماعة الإخوان الإرهابية وما فعلوه مشتركين من دعم جماعات تكفيرية في سوريا ولبيبا وللأسف حتى الأطفال تم استخدامهم وهذا وفق تقارير دولية محايدة.
واليوم نرى كيف تنزف تركيا بصورة كبيرة اقتصادياً بسقوط كلي لعملتها اضطرها لسحب 15 مليار دولار من احتياطات قطر التي تدعمها، وسياسياً بدخولها في معضلة كبرى مع أوروبا، وهو ما جاء في تقرير بيان الاتحاد الأوروبي، واقتراب موعد نهاية اتفاقية لوزان الثانية 1922 و 1923 التي أجبرت تركيا على توقيعها، وسيشهد العامان القادمان تحدياً حقيقياً لها، قد يؤدي إلى سقوط مدوي لأردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية.