سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تركيا تفقد موقعها الجيوستراتيجي يوماً بعد يوم ـ4ـ

خلال الأزمة السوريّة وخاصةً السنوات العشر الأخيرة، شعرت الدول الغربية وأمريكا بخطورة الإخوان المسلمين. حركة الإخوان التي كانت تتظاهر بأنّها تُمثل الإسلام السياسي المعتدل، لمّا سنحت لها الفرصة سرعان ما اتّحدت مع المجموعات المتطرّفة وباتت تمارس العنف. لذا؛ استُبعدَت حركة الإخوان من الحكم في عدة دول، ابتداءً من مصر ومن ثم الدول الأخرى واحدةً تلو الأخرى.
لقد رأينا كيف أنّ محمد مرسي قد فاز في الجولة الأولى من الانتخابات المصرية عام 2012 وأصبح رئيساً لمصر، لكن بعد ذلك أُقِيل من منصبه وتمّ اعتقاله بين ليلة وضحاها ليفارق الحياة داخل سجنه، وفي تونس قدمت المحكمة دعوى قضائية بحق راشد الغنوشي على إثره تم اعتقاله واستبعاده عن الحكم، كما استُبعِد رئيس حكومة الوفاق فايز السراج حليف أردوغان في ليبيا، وكذلك عمر البشير عن الحكم في السودان.
احتضن أردوغان الذي يحمل نفس الأفكار والمعتقدات حركة إخوان المسلمين في تركيا، وقدّم لهم مختلف أنواع الدعم والمساعدة بعد عام 2011، أردوغان هو الآخر يتعرّض للضغوطات من قبل إسرائيل وأمريكا وبريطانيا، وخاصةً في موضوع دعمه لحركة حماس ووصفها “بحركة المقاومة”. فتداعيات حرب غزة التي شنتها حماس ضد إسرائيل قد أفرزت إلى إعادة تعريف التطرّف، في النقاشات الدائرة بين الوزراء البريطانيين تم التأكيد على سَنِّ قوانين جديدة لمن “يروّج للعنف أو الكراهية أو التعصّب” ففي منتصف شهر آذار قال وزير المجتمعات المحلية (مايكل غوف) إنّ تصاعد التطرّف منذ الحرب بين إسرائيل وغزة يُشكّل “خطراً حقيقياً” على المملكة المتحدة. فالنقاشات التي دارت بين الوزراء البريطانيين حول “العنف والكراهية والتعصّب” ومن يحرّضها ينطبق على حركة الإخوان المسلمين.
فسياسات حركة الإخوان المسلمين ومواقفها خلال السنوات الأخيرة لاسيما في الأزمة السوريّة كانت مشينة وتحريضية إلى درجة ما، خاصةً حيال الكرد، فمنذ بداية الأزمة كان هدف الإخوان المسلمين الأساسي الاستيلاء على السلطة في سوريا بدعم ومساندة أردوغان والمال القطري. هل ستعمل حركة الإخوان المسلمين على دمقرطة سوريا؟ كلّا؛ فذهنيتها طائفية ومذهبية، فهي الأخرى تفكيرها لا يختلف عن تفكير أردوغان الذي يقول “العلمانيون حكموا تركيا مئة عام والآن جاء دورنا” فالإخوان المسلمين أيضاً يقولون إنّ “العلويين وهم أقلية قد حكموا سوريا خمسين عاماً، والآن جاء دورنا نحن السنة”. إذًا لا اختلاف في الذهنية. التاريخ أثبت أنّ مَن يعادي الكرد ويحاربهم سيكون مصيره الفناء، وتجربة داعش لا تزال ماثلة أمام أعيننا؛ فداعش التي سيطرت على العراق وسوريا لم يستطِع أحد إيقافها، وعندما أخطأت وهاجمت الكرد وحاربتهم فقدت جغرافيتها وكيانها وهيبتها واندحرت على يد قسد، وكذلك حركة الإخوان المسلمين التي يستخدمها أردوغان خدمةً لمصالحه عندما تعادي الكرد فإنّها تضرّ نفسها، فالكرد لن ينسوا ما تقوم به حركة الإخوان المسلمين بحقهم. فها هم يتقهقرون من ذاتهم، حيث أحجمتهم قوى الهيمنة العالمية.
وهنا أمام أردوغان خيارين
 الخيار الأول: أن يتحرّك وفق برنامجه الشخصي الذي يهدف إلى تطبيقه في المنطقة دون أن يبالي بأمريكا والغرب، وفي هذه الحالة قد حكم على نفسه بالفناء.
الخيار الثاني: هو أن يتحرّك في إطار الأهداف والخطوط المرسومة له كما كان من قبل، وذلك حسب النموذج الذي أعدّته أمريكا والقوى الغربية له (فيعمل كقوة سياسية إسلامية معتدلة)، ولا يطمح في التوسّع والتدخّل في شؤون دول المنطقة، وتعمل تلك القوة تحت سيطرة أمريكا والغرب، فإذا ما التزم أردوغان بهذه الشروط فسوف يُسمَح له بالبقاء في الحكم، كما سيُكلّف بلعب دور إقليمي كمنافس لإيران.
في الحقيقة أردوغان لم ينجح بأصوات الناخبين في انتخابات 2023 الرسمية، بل نجح بالتزوير، ومن خلال توافقات بينه وبين القوى الغربية وأمريكا، وموافقة أردوغان على انضمام السويد إلى الناتو بعد الانتخابات ببضعة أيام تندرج في إطار هذه التوافقات. حسبما يتبيّن فإنّ هذه فرصة أردوغان الأخيرة، فإذا لم يستغلّ فرصته هذه، فسوف يستبعدونه من السلطة كما فعلوا لقادة الإخوان الآخرين في مصر وتونس وليبيا والسودان، وسيأتون بأُناس يتناغمون مع سياساتهم، (القوى الغربية وأمريكا). وتصريح أردوغان الأخير قبيل الانتخابات “هذه آخر انتخابات بالنسبة لي” يؤكد صحة ما نقوله، قد أدرك أردوغان هذا الأمر ويسعى جاهداً إلى إصلاح علاقاته مع كلٌ من أمريكا وأوروبا ليُمنح له الضوء الأخضر والبقاء في الحكم مدةً أطول. بتصوّرنا؛ فإنّ هذه هي الفرصة الأخيرة الممنوحة لأردوغان.
مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية