سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تركيا تخرقُ القوانين الدولية وترتكب جرائم إِبادة

تطرق رئيس لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا دانيال سعود، خلال فعاليات منتدى “التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في عفرين”، إلى جملة ممارسات جنود جيش الاحتلال التركي والتي من بينها، صور اضطهاد عرقي. وبما أنه لم يستطع الحضور؛ أرسل تقريره للمنتدى الدولي حول التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في عفرين الذي عُقِد في مدينة عامودا، وقُرِئ من قبل ممثله على المنتدى معصوم إبراهيم.
وجاء في نص التقرير المقدم والذي تضمن عدة توصيات؛ إطلالة على الانتهاكات الجسيمة والجرائم المرتكبة في عفرين وقراها من قبل قوات العدوان التركي والمسلحين السوريين المعارضين المتعاونين معهم والموالون لهم.
تواطؤ دول العالم
تلكأت الأمم المتحدة وتواطأت معظم دول العالم عبر التزامها الصمت إزاء الاعتداءات التركية على الأراضي السورية منذ عام 2011 وحتى غزو عفرين واحتلالها منذ 20 كانون الثاني 2018، ووقفت معظم حكومات العالم صامتة ودون اكتراث يُذكر حيال ما قام به جيش الاحتلال التركي مع مسلحين سوريين ينتمون إلى فصائل معارضة، وبتواطؤ مريب من معظم الدوائر السياسية الدولية واصل العدوان التركي كل عمليات اعتداءاته على الأراضي السورية مستخدمةً أحدث صنوف الأسلحة البرية والجوية، في خروقات فاضحة لكل المبادئ والقواعد التي تحكم القانون الدولي الإنساني. ففي مدينة عفرين القوى المجتمعية نفسها التي حاربت قوى الإرهاب وتنظيماته، هي التي قاومت وتصدت للعدوان التركي والمسلحين الذين يقاتلون معه والذين قاموا بارتكاب العديد من الانتهاكات الفردية والجماعية بحق أهالي قرى ومدينة عفرين، علاوة على الحجم الهائل من التخريب والدمار وسقوط المئات من الضحايا المدنيين وغير المدنيين بين قتيل وجريح. مع ذلك يمكن أن ينقلب الغزو إلى احتلال كما حدث في عفرين التي احتلتها قوات الاحتلال التركية مع القوات المسلحة المرتزقة المتعاونة معها من المعارضين السوريين عام2018، وذلك عندما لا تقتصر قوات العــدو على عبور الإقليم وإنما تســتقر فيه وتباشر سلطاتها في إطاره.
الانتهاكات الجسيمة في القانونين الدولي والإنساني
وهذا يعني أن القانون الدولي الإنساني يعتبر أن الدولة الموقعة أو غير الموقعة على الاتفاقيات الدولية ذات الطابع الإنساني ملزمة باحترام قواعد القانون الدولي العرفي التي تتضمنها. وهي تتحمل مسؤولية عدم الالتزام، ولكن من المفترض أن تصادق كل الدول على الاتفاقيات المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني للخروج من دائرة الشك ومن أجل البشرية جمعاء، كما أنه على حركات التحرر الوطني التي تقاوم الاستعمار والاحتلال والتمييز العنصري أن تلتزم قواعد القانون الدولي الإنساني كي لا يتحول نضالها المسلح إلى أعمال إرهابية. غير أن هذه الانتهاكات المحددة بالانتهاكات الجسيمة لا تشمل جميع الانتهاكات، وهذا يعني أن هناك انتهاكات قد ترتكب بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام، وقانون حقوق الإنسان، كالاعتداء على الاماكن ذات الطابع الديني كالمقابر، وعلى أماكن العبادة، والأماكن الثقافية والمستشفيات على سبيل المثال، كما يجري في مدينة عفرين وقراها. ولذلك؛ أرى بألا نغفل في هذه المناسبة عن تلك الانتهاكات التي تنضوي تحت مبادئ وأحكام قانون حقوق الإنسان والقوانين الأخرى إلى جانب ما ترتكبه قوات الاحتلال التركية من انتهاكات بموجب القانون الدولي الإنساني. والمهم هنا فقد اجتاحت قوات الاحتلال التركية القسم الحدودي لأراضي سوريا متحدية الرأي العام الدولي ومنظماتها الإنسانية، وجاء نشر تركيا لقواتها في إدلب بناءً على اتفاق مع روسيا وإيران؛ بهدف جعل إدلب منطقة (خفض توتر)، والهدف من نشر قوات تركية هناك هو محاربة وحدات حماية الشعب، وأقامت هناك ثلاث قواعد عسكرية تشرف على منطقة عفرين، وسميت الحرب التركية على عفرين بـ (غصن الزيتون) الذي هو رمز السلام العالمي والذي قلبَّ المنطقة إلى حمامَات دم وأشلاء ممزقة بفعل استعماله لأسلحة محرمة دولياً، وترقى حربه ضد الكرد إلى الإبادة الجماعية.
احتلال عفرين والانتهاكات التي اُرتكِبت
بمجرد وصول النزاع في سوريا إلى درجة النزاع المسلح غير الدولي؛ فإن أوضاعاً قانونية كثيرة نشأت على مناطق ذلك النزاع وانتهت كلها إلى وضع قواعد القانون الدولي الإنساني قيد التنفيذ وهي قواعد ترتب التزامات ومسؤوليات وواجبات على أطراف النزاع كافة، ونتج عنها في نهاية الأمر تحديد المسؤوليات فيما يتعلق بانتهاك قواعد ذلك القانون والكيفية التي يمكن تقديمهم إلى محاكمة جنائية دولية وإنزال العقاب المناسب عليهم. النزاعات التي تدور الآن في الأراضي السورية هي نزاعات مسلحة غير دولية، بحسب المعايير الدولية وتطبق عليها أحكام القانون الدولي الإنساني، ويجب اعتماد تقييم الوضع في الأراضي السورية على اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949م والقانون العرفي للحروب للتعرف من خلالها على مدى وجود انتهاكات للقانون الدولي الإنساني في ذلك النزاع.
ويمكننا الإشارة هنا إلى بعض ممارسات مسلحي جيش الاحتلال التركي والمتعاونين معه من المرتزقة:
الاضطهاد العرقي، ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، الانتهاكات التي ترتكب بحق المرأة، القتل والتمثيل بجثث المقاتلين والأسرى، المحاكمات التي تجرى خارج القانون، مصادرة أملاك الناس، حرق الكتب والوثائق والآثار والأوابد التاريخية، تخريب وتفجير أماكن العبادة، الاختطاف والإخفاء القسري وعمليات التعذيب والاغتيالات المستمرة، اختطاف الأطفال واحتجازهم كرهائن لديهم، الاختطاف والابتزاز كمصدر مهم لجني المال من ورائه، القصف العشوائي والتفجيرات.
إن تلك النماذج من الأفعال هي جرائم حرب وجرائم دولية ضد الإنسانية، فهي من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة من قِبل جيش الاحتلال والمجموعات المتعاونة معه ضد المدنيين، جيش الاحتلال التركي والجماعات المسلحة المعارضة التابعة له، ارتكبوا جرائم حرب بحق المدنيين بعفرين بشكل يومي في حربه العمياء ضد المدنيين، مما شكل خرقاً صريحاً للأعراف الدولية وقوانين الحرب. إن هذه الأفعال الإجرامية هو انتهاك جسيم لاتفاقية جنيف /12/8/1949/ بحيث ترتقي هذه الجرائم إلى مصاف الجرائم الجنائية الدولية.
الخلاصة
 وفقا للمعايير الدولية، وبشكل خاص أحكام القانون الدولي الإنساني، ومبادئ القانون الدولي العام المتعلقة بالعلاقات الودية بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة، ومقاصد الأمم المتحدة وأحكام ميثاقها، وإعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وإعلان الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله الصادر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1904 (دورة 18) بتاريخ 20/11/1963 يمكن تكييف الانتهاكات التركية في عفرين كمدينة من ناحية، وتجاه سكانها من الكرد والعرب, وفقا لما ورد أعلاه، منذ احتلالها عسكرياً, من ناحية أخرى، على أنها أعمال تتعارض كليا مع أحكام اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، والمعقودة في 18 تشرين الأول 1907، وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب لعام 1949،  والبروتوكول الملحق الأول باتفاقيات جنيف الأربعة،  كما تتعارض كلياً مع مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة، كما تتعارض مع أحكام العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، وكذلك تتعارض مع الإعلان العالمي الحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول 1948 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما تتعارض مع أهداف الأمم المتحدة ومقاصدها وتنتهك أحكام الميثاق الذي بُنيَّ عليه.
التوصيات
ولأننا نعتبر احتلال عفرين عملاً غير مشروع ويتناقض مع مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة والقانون الدولي، ونُدين جميع ممارسات قوى الاحتلال التركية، فإننا ندعو إلى:
ـ مطالبة القوات المحتلة التركية والمتعاونين والموالين لهم، بالانسحاب الفوري وغير المشروط من عفرين وجميع الأراضي السورية التي احتلتها.
ـ فضح مخاطر الاحتلال التركي لعفرين وما نجم عن العمليات العسكرية التركية في عفرين بشمال سوريا من انتهاكات بحق المدنيين السوريين وتعريضهم لعمليات نزوح واسعة ومخاطر إنسانية جسيمة.
ـ العمل السريع من أجل الكشف عن مصير المخطوفين وإطلاق سراحهم جميعاً، من النساء والأطفال والذكور، لدى قوات الاحتلال التركية ولدى الفصائل المسلحة المرتزقة المتعاونة مع الأتراك، ودون قيد أو شرط. وإلزام قوى الاحتلال بتوفير تعويض مناسب وسريع جبراً للضرر اللاحق بضحايا الاختطاف والإخفاء القسري.
ـ العمل السريع من أجل الكشف الفوري عن مصير المفقودين، والإعلان عن من بقي حياً أو من تم قتله وتصفيته لأسباب سياسية، أو غير سياسية.
ـ تشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة ومحايدة ونزيهة وشفافة بمشاركة ممثلين عن الفيدرالية السورية لحقوق الإنسان والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة في سورية، تقوم بالكشف عن جميع الانتهاكات التي تم ارتكابها في عفرين وقراها منذ بدء العدوان التركي في أواخر كانون الثاني 2018 وحتى الآن، وعن المسئولين من قوى الاحتلال الذين تسببوا بوقوع ضحايا قتلى وجرحى من أجل أحالتهم إلى القضاء المحلي والإقليمي والدولي ومحاسبتهم.
ـ دعوة المنظمات الحقوقية والمدنية السورية، للتعاون من أجل تدقيق وتوثيق مختلف الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها القوات المحتلة التركية المرتزقة في عفرين وقراها منذ بدء العدوان التركي في أواخر كانون الثاني 2018 وحتى الآن، من أجل بناء ملف قانوني يسمح بمتابعة وملاحقة جميع مرتكبي الانتهاكات، سواء أكانوا أتراك أم سوريين متعاونين معهم، كون بعض هذه الانتهاكات ترقى لمستوى الجرائم ضد الإنسانية وتستدعي إحالة ملف المرتكبين للمحاكم الجنائية الدولية والعدل الدولية.
ـ عودة المدنيين النازحين والفارين من أهالي عفرين وقراهم، وإزالة كافة العراقيل أمام عودتهم إلى قراهم ومنازلهم وضرورة تأمين تلك الطرق، وضمان عدم الاعتداء عليهم وعلى أملاكهم، وإزالة الألغام. وبالتالي تمكين أهالي عفرين اقتصادياً واجتماعياً بما يسمح لهم بإدارة أمورهم.
ـ دعوة الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية بتلبية الاحتياجات الحياتية والاقتصادية والإنسانية لمدينة عفرين وقراها المنكوبة ولأهالي عفرين المهجرين، وإغاثتهم بالمستلزمات الضرورية كافة.
ـ العمل الشعبي والحقوقي من كافة المكونات الأصلية من أهالي عفرين من أجل مواجهة وإيقاف المخاطر المتزايدة جراء ممارسات قوات الاحتلال العنصرية التي اعتمدت التهجير القسري والعنيف والتطهير العرقي، والوقوف بشكل حازم في وجه جميع الممارسات التي تعتمد على تغيير البنى الديمغرافية تحقيقاً لأهداف ومصالح عرقية وعنصرية وتفتيتيه تضرب كل أسس السلم الأهلي والتعايش المشترك.

وكالة فرات للأنباء