سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تداعيات قيصر … الدولرة لا تضبط والوعود الأمريكية حبر على ورق

تحقيق/ صلاح إيبو –

يَخرُج الأستاذ حسن فجر كل يوم ليؤمن رغيف الخبز لعائلته، بهدف توفير ألف ليرة سورية يومياً وهو فارق السعر بين الخبز السياحي المتوفر بكثرة والخبز العادي الذي يعاني الأهالي في الحصول عليه، هذا نوعٌ من التدابير الاقتصادية التي تلجأ أليها بعض العائلات لتخفيف مصاريفها على حساب وقت وقوفها في طوابير لساعات، إذ توحشت الأسعار عامة قبل تطبيق قانون قيصر الأمريكي على سوريا، وتضاعف أسعار صرف الدولار بالنسبة لليرة السورية لخمسة أضعاف، مما أثر سلباً على حياة المواطنين في سوريا عامة. وقد اتخذت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا حزمة تدابير لتقليل الأثر السلبي، لكن رغم هذه الإجراءات تبقى الأسعار مرتفعة بالنسبة لذوي الدخل المحدود، إذن كيف يتأقلم أهالي شمال وشرق سوريا مع الوضع الاقتصادي الجديد في ظل قانون قيصر وجائحة كورونا التي ظهرت حالات منها في إقليم الجزيرة مؤخراً؟!
بالتزامن مع فرض الولايات الأمريكية قانون قيصر على سوريا بهدف دفع النظام السوري لتغيير سلوكه السياسي القائم، وفرض حزمة عقوبات على شخصيات مقربة من النظام السوري منتصف الشهر الماضي، اتخذت الإدارة الذاتية عدداً من الإجراءات لتقليل الأثر السلبي لهذا القانون على المواطنين في شمال وشرق سوريا، من ضمن تلك الإجراءات، رفع أجور العاملين في الإدارة الذاتية، ومنع خروج القَطعِ الأجنبي من السوق المحلية في شمال وشرق سوريا، وإعفاء بعض المواد الأساسية المستوردة والداعمة للاقتصاد من الضرائب الجمركية وإلغاء كافة التعريفات الجمركية بين المعابر مع الداخل السوري.
ومن خلال جولة لنا في أسواق مدينة قامشلو لاحظنا نوعاً من القَبول العام من قبل التجار – وبالأخص تجار الجملة – لقرارات الإدارة الخاصة بإعفاء بعض المواد من الضرائب، لكن مقابل ذلك يعاني بائعو المفرق والمواطنون من مشاكل جمّة، فالأسعار لا تتوافق مع سعر صرف الدولار، فبعض المواد ارتفعت أسعارها بمقدار 20% مع فرض قانون قيصر رغم أن سعر صرف الدولار كان ثابتاً تقريباً. ويقول حسن برزان أحد بائعي المفرق: “نحن نعاني من تذبذب الأسعار، فالبضائع تباع لنا بالليرة السورية، ولكن في حال انخفاض الدولار يخفض أصحاب محلات الجملة أسعار موادهم، وهنا لا نستطيع التخفيض وفق الدولار مما يسبب خسائر لنا”، حسن يُشير إلى خسائر لهم في بعض الأشهر، ويقول أن مدخوله الشهري لا يتعدى أربعمئة ألف ليرة سورية، ولا يفي هذا الدخل في تدبر أمورهم الحياتية.
السلع السورية تباع بالدولار… أسلوب جديد لسحب الدولار من المنطقة
وكانت الإدارة الذاتية قد منعت إخراج الدولار من مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية، بهدف الحفاظ على سعر الصرف، ومنع استفادة النظام منه، وهنا يقول الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية وعضو خلية الأزمة سلمان بارودو: “بالنسبة للسيطرة الكاملة على أسواق الصرف فلا يمكن ذلك لعدم وجود بنك مركزي لدينا، لذلك لا يمكن الحفاظ على المدخرات المحلية، وبالتالي عدم إمكانية تحجيم الدولرة أيضاً، وإن انخفاض الليرة السورية أمام الدولار في ظل جائحة كورونا وقانون قيصر هو أمر متوقع ولكن لا نتوقع أن يؤدي استمرار هذه الحالة إلى أن تتحول إلى ظاهرة”.
والطامّة الأخرى هنا، هو تحكم التجار بأسعار كافة المواد الواردة من الداخل السوري والخارج وتحديد أسعارها بالدولار، رغم منع النظام السوري تداول الدولار في مناطق سيطرته، إلا أن التجار المرتبطين به يبيعون المواد لمناطق الإدارة الذاتية بالدولار لا الليرة السورية، وهذا شكلٌ آخر لسحب الدولار من المنطقة باتجاه مناطق الحكومة السورية، وكانت الإدارة رفضت عروضاً من جهات دولية لاستخدام الدولار في أسواقها بدلاً من الليرة السورية، وعلى أرض الواقع جميع المواد تباع بالدولار.
ويختلف سعر مادة معينة من محل لآخر في نفس الوقت دون تغير في سعر صرف الدولار، هذه الحالة تكررت مع عدد من المواطنين الذين التقيناهم، وبالتحديد في المواد المستخدمة في البناء والألبسة وبعض مواد الزينة، يقول بنكين محمد: “توجهت لشراء خزان ماء، وجلت الأسواق للاستفسار عن الأسعار، والمفارقة أن فرق السعر في نفس اللحظة بين محل وآخر لنفس المادة والنوعية كان 18 ألف ليرة سورية، وهو فرق كبير جداً في السعر”، وتساءل عن دور الرقابة والتموين في هذا؟! 
رفع الأجور ترافق معه ارتفاع إيجار المنازل أيضاً
ويؤكد الأستاذ سلمان أنهم وجهوا لجان الرقابة لوضع حد للتعامل المحلي بالدولار ومنع المضاربة وحصرها في مجال التجارة الخارجية، لكن للأسف بات الدولار يستخدم في بيع كافة المستلزمات باستثناء الخضار والفواكه التي تعتبر أسعارها مقبولة مقارنة بباقي السلع المستهلكة يومياً، فحتى إيجارات المنازل باتت بالدولار، ومع قرار الإدارة رفع أجور العاملين لديها ارتفعت إيجارات المنازل بمقدار 20 – 80% بحسب المنطقة والمؤجر، ويعتبر العديد من المواطنين أن قرار رفع أجور العاملين كان مناسباً، لكن تطبيقه في بعض المؤسسات لم يتوافق مع القرار ذاته، وتسبب في حالة من الغلاء المؤقت ضمن الأسواق نتيجة ثقافة المجتمع التي تنظر إلى دخل الفرد من المنظور السطحي.
تدابير الإدارة الإيجابية يقابلها ضعف رقابة الأسواق
وتبدأ الإدارة الذاتية اليوم بإنشاء بعض الصالات لبيع بعض المستلزمات اليومية والخضار والفواكه بأسعار التكلفة، وينظر المواطنون إلى هذه الخطوة بعين الارتياح، ولكن يبدو أن تطبيق هذا البند سيكون في مناطق بأعداد محددة أيضاً، إضافة لتوزيع “براكيات” لبيع الخبز العادي في الأحياء كافة، بهدف تخفيف معاناة الأهالي. وعن المشاريع الصغيرة التي وعدت الإدارة بتنفيذها يقول بارودو: “الآن نعمل وفق إمكانياتنا المتواضعة، نحاول قدر المستطاع تحريك عجلة الإنتاج المحلي، وضبط الأسعار، والحد من الفساد، وذلك لتحقيق الاستقرار والتوازن في السوق بحيث ينعكس بشكل إيجابي على الحالة المعيشية والوضع الاقتصادي بشكل عام، وفي هذا المجال تم دعم وإنشاء بعض المشاريع الضرورية كإنشاء بيوت بلاستيكية ومحالج أقطان ومجفف للذرة الصفراء وفتح صالات استهلاكية لبيع المواد المدعومة بسعر التكلفة وفتح معمل للزيوت النباتية ومخبر مركزي لتحليل كافة المواد ومعامل كونسروة وألبان وأجبان، كما يتم دعم الإخوة الفلاحين بالمحروقات والأسمدة والبذار بأسعار مقبولة مقارنة بالأسواق المحلية”.
والشيء الإيجابي في حركة الأسواق، تتمثل بانخفاض أسعار بعض المواد بعد قرار الإدارة إعفاء التداول الجمركي في المعابر الرابطة مع الداخل السوري، ويُشير محمد، صاحب محل جملة والمعروف باسم أبو مصطفى، إلى أن هذا القرار أثر إيجاباً على خفض أسعار بعض السلع، وقد استعرض أسعار بعض السلع التي خفضت بمقدار 30% عن أسعارها قبل شهرين، وعامل الانخفاض مرتبط بسعر صرف الدولار وإلغاء الضرائب. وينوه سلمان بارودو إلى أن الإدارة تدرس اليوم إعفاء بعض السلع الأساسية الأخرى من التعرفة الجمركية، ويقول: “المواد الواردة المعفية من رسوم الجمارك إلى مناطقنا من خارج سوريا هي “حليب الأطفال وكافة الأدوية الطبية والزراعية والبيطرية، ولدينا نية في إعفاء مواد أخرى كالمواد الغذائية الأساسية وخاصة في ظل جائحة كورونا وقانون قيصر”، لكن هناك العديد من المواد المصنعة في سوريا والتي أعفيت من الضرائب تباع في أسواق شمال وشرق سوريا بالدولار. ويقول حسن برزان: “كنا نشتري طرد الزيت النباتي بـ 14 ألف ليرة واليوم صار الطرد بـ 16 دولار، الفارق كبير! كيف حدث هذا لا نعلم؟”، ويتوجه التجار والمواطنون للإدارة الذاتية بضرورة إجبار التجار الموردين للبضائع من الداخل السوري على البيع بالليرة السورية لا الدولار كون أن الرواتب والتداول هي بالعملة السورية، لكن في هذا أيضاً مخاطر، كون أن التاجر يحاول حماية نفسه من الخسارة بحساب سعر المادة وفق المستوى الأعلى للدولار خلال شهر، وبهذا في حال الانخفاض سيربح أضعافاً وعلى حساب المستهلك.
قطاعات خدمية باتت عبأً على المواطنين
ويشتكي العم محمد محمد، وهو في العقد السابع من عمره، يعتاش من بيع المنتجات القطنية على عربة صغيرة في سوق الأحد، من ضعف الرقابة على المحال وعدم ضبط الأسعار بالشكل المناسب، ويقول “لا يتعدى دخلي الشهري الـ 90 ألف ليرة سورية، لكني أحاول تدبر أمر عائلتي الصغيرة بهذا المبلغ، لكن يجب على الإدارة الذاتية العمل على عدم رفع أسعار بعض المستلزمات كالكهرباء والخبز والسلع الأساسية لأن ذلك سيؤثر مباشرة على ذوي الدخل المحدود، فأنا لا أتناول اللحم لعدة أشهر!!”.
وتشكلت خلية الأزمة بهدف حل المشكلات الناجمة عن جائحة كورونا وقانون قيصر على مستوى شمال وشرق سوريا، ويقول بارودو حول ذلك: “الخلية الاقتصادية جاءت لمتابعة الأوضاع الاقتصادية الطارئة، واتخاذ القرارات الفورية لتجنيب المواطنين الاستغلال وجشع التجار والسماسرة، وخاصة لدعم القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني ودعم وتشجيع كافة المشاريع الإنتاجية بهدف الاكتفاء الذاتي، ورفع رواتب كافة موظفي الإدارة، وقد وضعت خطة لإيقاف تصدير الخراف والعجول وتأمين الأعلاف، ولا بد من دعم أصحاب المداجن بالأعلاف والصيصان والأدوية وإعفائهم من الرسوم الجمركية”.
أين الوعود الأمريكية بدعم الإدارة والمنطقة ومادياً؟!
وكانت الإدارة الأمريكية صرحت أن شمال وشرق سوريا لن يشملها قانون العقوبات، ولكن الحالة العامة للمواطنين تأثرت بشكلٍ كبير بتداعيات هذا القانون باعتبارها جزءاً من سوريا، وكانت الإدارة الأمريكية قد صرحت عن تخصيص مبلغ مالي كبير لدعم المشاريع الصغيرة في شمال وشرق سوريا. ويؤكد عضو خلية الأزمة عدم تلقيهم أي دعم مادي من أمريكيا حتى اليوم، ويقول بارودو: “بالنسبة لوعود وتصريحات الإدارة الأمريكية بخصوص دعم الإدارة الذاتية فهي حتى الآن لا تتجاوز حدود الوعود والتصريحات، دون أن يكون هناك أمر ملموس على أرض الواقع، على الرغم من طلبنا المستمر بخصوص تقديم الدعم وخاصة بعد تعرض مناطقنا للدمار والتخريب من قبل القوى والفصائل الإرهابية المتمثلة بداعش وأخواتها”.
يجب وضع خطط مستقبلية لتفادي الانهيار الاقتصادي
تداعيات قانون قيصر وما سبقه من ركود اقتصادي نتيجة فرض حظر التجوال بسبب جائحة كورونا سبّبَ أزمة معيشية لدى الطبقة الفقيرة والمتوسطة في شمال وشرق سوريا، والتدابير الاحترازية للإدارة الذاتية ساهمت بشكل بسيط في تخفيف هذه الأزمة إلا أن آثارها السلبية واضحة في حركة الأسواق وضعف القوة الشرائية لغالبية السكان رغم قرار الإدارة رفع الأجور للعاملين لديها، وهذا يتطلب البحث عن برامج اقتصادية للتنمية الشاملة تعتمد على قاعدة بيانات قريبة من الواقع وتتوافق مع الظروف الراهنة لشمال وشرق سوريا والتهديدات الأمنية المستمرة على المنطقة، ويُشير الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد سلمان بارودو إلى وجوب التركيز على الخطة المستقبلية والاستمرار في دعم المشاريع الإنتاجية والتي تعتمد على المواد الأولية المتوفرة لدينا بهدف تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين.