سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تداعيات قانون قيصر على الواقع المعيشي في شمال وشرق سوريا

بات أكثر من خمسة مليون سوري يقطنون شمال وشرق البلاد مقبلين على كارثة إنسانية وشيكة, جراء الأوضاع المعيشية الصعبة بفعل تطبيق قانون قيصر للعقوبات الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على البلاد, واستمرار إغلاق معبر تل كوجر/ اليعربية الحدودي في وجه المساعدات الإنسانية بعد الفيتو الروسي.
بدأت تداعيات قانون قيصر للعقوبات الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على سوريا، تطفو على السطح, وأثّرت بشكل سلبي في حياة المواطنين في عموم البلاد, ولم تسلم مناطق الإدارة الذاتية من هذه التداعيات بعد إغلاق معبر المساعدات الوحيد الواصل للمنطقة عقب الفيتو الروسي في مجلس الأمن.
ورغم التصريحات الأمريكية أن القانون يستهدف الحكومة السورية, والمسؤولين فيها إلى جانب أسرة الأسد، إلا أن مناطق الإدارة الذاتية أيضاً تأثرت بالعقوبات، وهذا ما انعكس على الواقع المعيشي للسكان، وفي سياق هذا الموضوع كانت لوكالة أنباء هاوار استطلاعاً لآراء الأهالي من خلال التقرير التالي:
“غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية”
وفي هذا السياق، أشار الخبير الاقتصادي علاء الدين فرحان إلى أن التصريحات الأمريكية غير متطابقة مع ما يدور على أرض الواقع, وقال: “بحسب التصريحات الأمريكية فإن مناطق الإدارة الذاتية مستثناة من قانون قيصر للعقوبات، وأن أمريكا سوف تقدم الدعم للمنطقة, ولكن ما نراه من واقع معيشي صعب في الفترة الراهنة لا يدل على ذلك, فالعديد من السكان غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية”، لافتًا إلى أن هذا الأمر سيؤثر سلبًا في الأمن والاستقرار في المنطقة.
أما المُهجّر قسراً من مدينة سريه كانيه/ رأس العين التي تحتلها تركيا حاليّاً والذي يقطن ناحية الدرباسية، فريد ملا درويش , فقد أشار بأن قانون قيصر أثّر بشكل كبير في أوضاعهم المعيشية، وتابع: “نحن نعاني من ارتفاع أجور المنازل، وغلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الخضروات والمواد الرئيسة مثل الخبز وحليب الأطفال والأدوية، نحن لا نعلم ماذا نفعل مع هذا الغلاء, تضررنا كثيراً، وليس باليد حيلة”.
عزيز علي من أهالي مدينة الحسكة وصاحب محل تجاري، أشار إلى أن قانون قيصر عاد بآثار سلبية على المنطقة أيضاً, نتيجة انهيار قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية, ونتيجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية التي تأتي إلى المنطقة من مناطق الحكومة أو من الخارج.
لم تُستثنَ مناطق الإدارة الذاتية من تداعيات العقوبات
فيما يرى الباحث الاقتصادي جلنك عمر أنه لن تُستثنى مناطق الإدارة الذاتية من تداعيات العقوبات المفروضة على سوريا, وقال: “أي تداعيات وما سيخلّفه القانون على دمشق سيؤثر وبشكل مباشر في مناطق الإدارة الذاتية أيضًا, فعلى سبيل المثال، فقدان بعض الأدوية وغلاء أسعارها, باعتبار المواد الأولية المخصصة لصناعة الأدوية لا تدخل البلاد إلا عبر دمشق”.
وتشهد معظم مناطق شمال وشرق سوريا منذ منتصف حزيران المنصرم فقدان العديد من الأدوية من المستودعات والصيدليات, وغلاء أسعارها, كما أكد أهالي ناحية كركي لكي لوكالة هاوار.
ويأتي قانون قيصر للعقوبات في وقت يشهد المعبر الوحيد -تل كوجر/ اليعربية- الذي تعبر من خلاله المساعدات الإنسانية إلى مناطق شمال وشرق سوريا، إغلاقًا تامّاً أمام المنظمات والمساعدات الإنسانية الأممية, بعد أن أُغلق في الـ 10 من كانون الثاني المنصرم عقب فيتو روسي في مجلس الأمن.
وفي هذا السياق يقول نائب الرئيس المشترك لمديرية العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فنر كعيط: “حالياً لا يزال المعبر مغلقاً تماماً, الوعود بإعادة فتحه مستمرة من قبل الخارج”.
أربعة إلى خمسة مليون نسمة محرومون من المساعدات
وأضاف كعيط قائلاً: “في مناطق شمال وشرق سوريا يقطن ما يقارب الأربعة إلى الخمسة مليون نسمة, إلى جانب النازحين واللاجئين، وجميعهم محرومون من المساعدات الممنوحة لسورية, لوقوع جميع المعابر بيد الحكومة السورية من جهة, وفي يد الاحتلال التركي ومرتزقته من جهة أخرى, الأمر الذي يمنع وصول المساعدات إلى قاطني المنطقة”.
وطالب الرئيس المشترك لمديرية العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فنر كعيط روسيا الاتحادية بعدم استخدام حق النقض (الفيتو) حيال قرار إعادة فتح المعبر, وقال: “موضوع المعبر  موضوع إنساني بحت, وبعيد عن السياسة، ونتمنى من روسيا عدم تسيسه, لأن الأعداد الهائلة من أهالي شمال وشرق سوريا لديهم ضرورة ملحة بالحصول على هذه المساعدات المقدمة”.
وكان مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، قد قال في الـ 18 من حزيران الماضي أمام مجلس الأمن: “إن تسييس الوضع الإنساني في سوريا ساهم إلى حد كبير في زيادة عدد اللاجئين في العام الماضي، حيث بلغ عدد اللاجئين والنازحين وطالبي اللجوء 13.2 مليون سوري، وإن سوريا دخلت عامها العاشر من النزاع، وعلى الرغم أن الحرب قد خفّت حدتها، إلا أن الصراع  السياسي والعسكري لا يزال ظاهرًا في بعض المناطق”.
وجاء إغلاق معبر تل كوجر تحت ضغوط مارستها كل من روسيا والصين على الأمم المتحدة، مهددتين باستخدام حق النقض الفيتو, في جلسة الأمم المتحدة في 10 كانون الثاني من العام الجاري, وشملت إلى جانبه إيقاف عمل معبر الرمثة على الحدود السورية الأردنية, والإبقاء فقط على المعابر الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والاحتلال التركي.
فتح المعبر سيؤثر بشكل إيجابي في معيشتهم
المواطن أحمد الجاسم من أهالي ناحية تل حميس في الريف الشرقي لمدينة قامشلو بيّن أن فتح المعبر سيؤثر بشكل إيجابي في معيشتهم, وقال: “في حال فتح المعبر فإنه سيساهم في توفير السلع, وأيضاً وصول المساعدات إلى الأهالي، مما سيخفف من المعاناة في المنطقة”.
وحول الحلول أكد الباحث الاقتصادي جلنك عمر, والخبير الاقتصادي علاء الدين فرحان أن الحل يكمن في بحث الإدارة الذاتية عن بدائل للوعود الأمريكية, ومعبر تل كوجر, والاعتماد على دعم الجمعيات المحلية, والمشاريع الزراعية والصناعية المحلية, لتخفيف الأعباء على المواطنين.
وبيّنا أن إجراءات الإدارة الذاتية لتفادي المرحلة حتى اللحظة هي إيجابية, من حيث افتتاح جمعيات استهلاكية, ودعم بعض المواد الغذائية الرئيسة, ورفع أجور الموظفين, إلا أنها تبقى محدودة, ومن الضرورة تقديم المزيد, والضغط بشكل أكبر من أجل افتتاح معبر تل كوجر أمام المساعدات الإنسانية, لأن استمرار إغلاقه سيشكل كارثة كبيرة تواجه السوريين في هذه المنطقة.