إبراهيم عبود
في عصر الإعلام والتكنولوجيا حيث الطفرة المعلوماتية وصلت إلى أعلى مستوياتها كمّاً ونوعاً، وإغراقاً للشعوب بالمعلومات بشتى أنواعها، حيث أصبح من السهل جداً البحث والحصول على أي معلومة كانت في شتى مجالات الحياة الواسعة واكتشاف صحة أي منها، وما مدى مصداقيتها، لكن النقطة السوداء في هذه الثورة بأنها تُمثل خطورة على المعرفة الإنسانية رغم كل هذا التقدّم المعرفي لأن هذه الوسائل من شاشات فضائية ومراكز بحثية كلها موجهة ومرتبطة بالغرب الصانع لها، فالإعلام أصبح صناعة بحد ذاتها، ولم يَعُد مهنة لاكتشاف وإظهار الحقائق، ومتحكم بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومن هنا أي مصطلح يتم تداوله فإنه يتم بعد دراسة من هذه الجهات وبعدها يتم استنفار كل هذه المراكز والشاشات والإيعاز لها بتداول ما يتم نشره بطريقة “رهيبة”، بدون إدراك لتأثير أبعاد هذه المصطلحات والمسميات في مراحل قادمة، ومهمة هذه الشعوب هي استهلاك وتلقي هذه المعلومات وتخزينها وجعلها حقيقة ثابتة مع الزمن، وأي نبش في هذه الحقيقة هو مضيعة للوقت وبدون فائدة كون الشعوب أصبحت مُشبعة بها، ولم يعد بالإمكان تغييرها أو حتى اكتشاف لما تهدف، إلا بمختصين باللغة والدين، ومع الأسف يتم تداولها حتى من كبار علماء الدين وهذا بسبب اتباع العلماء للعامة في كل شيء وإعطائهم فتاوي تناسب أهوائهم وهذه صفة العالم الجاهل.
ومن هذه المصطلحات: مصطلح الإرهاب الذي يطلق على كل من يقوم بأعمال عنف غير قانونية منها التخريب للممتلكات العامة والخاصة وتدمير البنية التحتية وقتل وتهجير وإيذاء البشر والتهديد النفسي والمعنوي والتهديد بالحرب هو حرب بحد ذاته والأمثلة عليها كثيرة كلها لا خلاف بذلك، إنما الخلاف على المصطلح بحد ذاته فحتى الآن لم يتم تعريفه بشكلٍ صحيح من الدول بإجماع كامل منها، ومصادقة عليه، من المنظمات الدولية جميعها، إنما كل دولة لديها تعريف خاص بها يناسب مصالحها وسياستها الخارجية، وتحالفها مع الدول الأخرى، فنجد إحدى الدول تُصنف جماعة ما إرهابية تكون على توافق وتحالف مع دولة أخرى، لا تعتبر هذا التنظيم إرهابياً، إنما تكون على تنسيق ودعم لهذا التنظيم أو تبنّي أفكاره من قِبل المجتمع، والأمثلة كثيرة وأحياناً دولتان تضعان نفس التنظيم بهذه الخانة، لكن في الواقع تقوم هاتان الدولتان بالتواصل والتنسيق حتى بالتبادل التجاري أو استثمار هذا التنظيم سياسياً وعسكرياً، للتخطيط باستهداف إحدى الدول الأخرى وبدون علم أحد، وهذا يوضح إن السياسة لا تحكمها قواعد ثابتة والقوانين يفرضها القوي ومجتمع الغاب، وهذا الأمر كذلك لا خلاف عليه، حتى إذا تعمقنا بالطرح سنجد كثيراً من هذه الدول سيُطلق عليها “دولة إرهابية” لما تقوم به من أفعال بحق دولة ثانية ولا يخفى على أحد مصطلح “إرهاب دولة” وهذا لو كان هناك قانون يحُتكم إليه، لكانت دولة الكيان هي الإرهابي الأول في العالم بعد سبعين عام من معاناة الشعب الفلسطيني التي يشاهدها العالم بأسره، ولا ننسى الشركات أي تعامل وتنسيق مع هذه التنظيمات يجب أن نُسميها بهذا الاسم وكمثال عليها “شركة لافارج الفرنسية” التي تعاونت مع “داعش” في سوريا وهنا لا ننظر إلى المُسميات بقدر ما نحتاج لنكون واعين لهذه الأفعال والوعي بمدى الحقائق التي تحدث سواءً في مجتمعاتنا العربية وحتى العالمية فأغلب الدول تطرح أفكار ثوريّة وديمقراطية وهي بذاتها تمارس الإرهاب بحق شعوبها، ومنع حرية التعبير وفي هذا المثال نجد الحزبان الديمقراطي والجمهوري لا أحد سواهم يسيطر على القرار السياسي في أمريكا، حيث يتم تبادل الأدوار بينهم كل دورة رئاسية بعيداً عن شعارات حرية التعبير والرأي والديمقراطية، وشعارات المساواة في الحقوق التي تنادي بها، وقامت بحروب من أجلها سواء بالعراق وأفغانستان وكانت الغاية إسقاط نظام ارهابي دكتاتوري “على حد قولها” وتحويل البلد إلى مثال للحرية والديمقراطية، فنراها أنتجت تنظيمات متشددة من ما يسمى بـ “تنظيم دولة العراق” الذي أصبح لاحقاً دولة الإسلام في العراق والشام (داعش)، ويجب أن لا ننسى أحد إخوته الذي يوازيه في المنهج جبهة النصرة الذي لبس البذلة المدنية، ومحاولة جعله مقبولاً من مشغليه، ولا يعلم بأن مرحلة حرقه واستثماره لم تنتهِ بعد، لإعطاء شكل جديد المدني “المتحضر”.
هذه المجموعات المرتزقة كلها أفرع تنظيم القاعدة باعتراف مؤسسيهم ومشغليهم، ويجب أن نذكر التصريح الشهير لوزيرة الخارجية الأمريكية بأن هؤلاء صناعة أمريكية، حيث تم الاستفادة منهم بمحاربة السوفييت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي حيث كان الاسم المناسب لتلك المرحلة هو الجهاد الإسلامي ضد الإلحاد والشيوعية السوفييتية والأفلام الأمريكية في تلك الفترة شاهدة عن الذي نتحدث عنه، من ضمنها سلسلة الأفلام الشهيرة “رامبو”، وهذه يعلمها جيداً محبي هذا النوع من الأفلام فكانت الترجمة التي تعرّفهم بأنهم جهاديين، وكل ذلك بتوجيه من أكثر علماء المسلمين تشدداً، وكان بتنسيق وتسهيل من “دولة عربية” لها مكانتها الدينية، وبهذه الحالة يجب إطلاق مسمى الإرهاب الديني أو إرهاب العلماء، لما نتج عنه تضييع للشباب المسلم وزجهم بمعركة غير معركتهم الأساسية، وهذا مثال يُبيّن دخول علماء المسلمين في لعبة كبار الدول، وهؤلاء نفسهم أصبحوا إرهابيين عندما قاتلوا أمريكا بعد احتلال أفغانستان، وهذا يبيّن ازدواجية المعايير التي تتبعها هذه الدول، فبمقارنتها مع الحرب على غزة المستعرة منذ أحد عشر شهراً، وستنهي عامها الأول بدون أي أفق للحل، وهنا يسأل المتابع البسيط للأحداث، أين هؤلاء العلماء عما يجري في غزة وفلسطين؟ لماذا في مرحلة زمنية معينة كان الضخ والضغط الإعلامي لهم وكنا نشاهد برامج ليلاً نهاراً تحض على الجهاد ومحاربة أعداء الدين لخدمة أعداء آخرين، أما في غزة نجدهم يعطون مبررات وتنصّل من المسؤولية الشرعية، وكلّاً منهم يضع الحمل على عاتق الآخر، أليس الأجدر بأن تكون فتاوي الجهاد لتحرير المسجد الأقصى وقبلة المسلمين الأولى كما يقول هؤلاء وقالوا من قبل؟
أي تجديد في الدين يمنع هؤلاء العلماء من إطلاق صرخة الجهاد، التي كانت في سوريا فرض عين على كل مسلم وتم تبنيها من ١٠٧عالم دين يسمون أنفسهم من كبار علماء المسلمين، وبعدها تم استثمار هذه التنظيمات من كل الأطراف ولا تزال هذه التنظيمات على الأرض السوريّة بعد تأديتها مهامها على أكمل وجه ما أدى لاختلاط الحابل بالنابل، والنتيجة واضحة لما وصلت إليه الأحداث.
أنا لا أميل كثيراً إلى نظرية المؤامرة فهناك دائماً بيئة خصبة وأرضية تسمح لمثل هكذا أفعال أن تؤثر على المجتمع، لكن كلها أسئلة يجب طرحها، فعندما يتعلق الأمر بفلسطين نجد لا أحد يستطيع نطق بأي كلمة تُدين هذا الفعل وإظهار الحق.
وفي هذا الصدد أرى على مستوى الأفراد قلائل يقفون وقفة حق بدون أي خوف ويسمون الأشياء بأسمائها الحقيقية ويضعون على عاتقهم قول الحق مهما كلّف الأمر، يأتي بعدهم مشيخة الأزهر لكن بأخف شدة لأنها لم تُعلِن بشكلٍ صريح موقفها، إنما هو موقف بدون أي تطبيق فعلي مؤثر.
ومما سبق نستطيع القول بأن الإرهاب بمعناه وشكله لا يقتصر على نمط معين ولا حيثيات ثابتة، بل لو كان هناك محاسبة حقيقة فهؤلاء العلماء بغض النظر عن نيتهم فهم إرهابيون بالوكالة ومحرض أساسي على الفتنة وجعل شعوب المنطقة وقود حرب لصراعات وحروب داخلية وأهلية لا تخدم ولا تنصر لا دين ولا وطن.
أي اتباع أعمى لسياسة الغرب من أشخاص يعرفون كلام الله وما أنزل على نبيه أكثر من البشر العاديين، فإذا سقط العالم الحق بهذه الحفرة، فكيف يقوى الإنسان العادي الخوض في أي من هذه القضايا شديدة التعقيد، أليس من الواجب إطلاق مصطلح “إرهاب كتم الحقيقة” على هذه الشخصيات أم إنها لا تخدم سياسة الغرب؟
الإرهاب بمسماه واسع جداً ولا يقتصر بفعل عن غيره، ويشمل إرهاب الأفراد بالقول والفعل والتهديد وكم الأفواه والأقلام.
الذي يعود للقرآن الكريم ويحاول تفسيره سيجد أن هناك كلمات كثيرة قريبة من هذه التسمية، ومصطلح الإرهاب بمعناه المجرد من السياسة والغرف السوداء يحمل الوجهين، الخير والشر، وحتى يتعدى إلى أكثر من معنى ليس له علاقة لا بالخوف ولا التدمير، وهناك رهبة مقبولة ومطلوبة وهناك كلمات كثيرة توضح هذا الأمر، لكن نحن كشعوب تعلمت على الاستهلاك بعد انحرافنا عن مهمتنا الإنسانية الأساسية، أصبحنا لا نأخذ إلا الجانب الأسود من كل شيء يقدمه لنا الغرب.
من هذا الكلمات قوله تعالى: (ترهبون به عدو الله) الأنفال /٦٠/ وهنا تكون الرهبة ليست اختيارية بل هي فرض، وامتحان للمسلم يجب أن ترهب عدوك، والقيام بما يلزم للوقوف في وجه عدو الله ونصرة أخوك المسلم. وقوله تعالى (وإياي فارهبون) البقرة/٤٠/، وهنا تعني الخوف والحذر من غضب الله تعالى وليس أرحم من أن يخاف المؤمن عقاب ربه، ولا يقوم بالمعاصي رهبةً وخوفاً من ربه، وهذا الذي يدفعه للقيام بصالح الأعمال.
وهناك معاني كثيرة وأمثلة توضح معنى الرهبة، وأين محلها الحقيقي وإن الرهبة ليست أمر مذموم دائماً، فهناك رهبة محمودة هي رهبة العبد من ربه، وهناك رهبة الأعداء من المسلمين، وهذه مطلوبة وبفعل “أمر” بدأها الله تعالى بقوله (وأعِدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) إلى آخر الآية.
وبعد كل هذا الشرح والتوضيح وإدخال التاريخ في البحث وإعطاء أمثلة نجد أن أي مصطلح يتم تداوله يجب أن نعود لجذوره ومن الذي بدأ في إطلاقه، وأن نعرف حيثياته وتفاصيله وإلى ماذا يُشير، وما الغاية من نشر مثل هذه المسميات، وجعل الشعوب تتداولها باستمرار، والغاية الأساسية من كل هذا العمل هو تخريب المفاهيم الأساسية للدين الإسلامي وجعل كل الشعوب تبتعد عن هذا أي شيء يمت للإسلام بصلة، ولكل من يحمل صفة مسلم وإلصاق صفة “الإرهاب الإسلامي” على كل من يقوم بعملية تخريب بعد أن كانت التنظيمات المتشددة الإرهابية تقوم بهذه العملية، على أكمل وجه، بحجة نصرة الدين والإسلام، وقد نجحت في تخريب جزء من التراث الإسلامي.
إذا تواجهت القوة مع نظيرتها وحدث نوع من التوازن في الأفعال فهنا يكمن العدل الحقيقي، ومن هنا تُسترد الحقوق بعيداً عن كل الشرائع والقوانين.