No Result
View All Result
المشاهدات 0
إعداد/ قاسم ابراهيم –
ولد بيرم التونسي في الرابع من آذار عام ١٨٩٣م لأب تونسي يعمل في تجارة الحرير وحمل اللقب عن والده، ورث عن أبيه مهنته، إلا أنه أخفق فيها ولم يكمل تعليمه، كان له قدرة خارقة على الخلق والإبداع الشعري، يتحدث على السجية ويقول الشعر على السليقة.
أصدر صحيفة -الشباب -في القاهرة سنة ١٩١٩م، وتوقفت فيما بعد ليعود إلى إصدراها في تونس سنة ١٩٣٦م، حيث كان يقضي منفاه في فرنسا ثم تنقل بينها وبين كل من تونس ولبنان وسوريا حوالي عقدين من الزمن بسبب دفاعه عن حقوق الشعب المصري في الحرية والحياة الحرة الكريمة.
في منفاه قاسى بيرم الغربة وشظف العيش والتشرد والجوع والبرد يقول في مذكراته في مقطع يشرح الكثير من حياته وثقافته الفريدة: “ما هي التسلية التي يجدها من يجوع ثلاثة أيام؟ للجوع ثلاثة أدوار: الأول يشتهي فيه الجائع كل شيء حتى الحشائش وأوراق الشجر، والثاني مغص والتواء في الأمعاء، والثالث غيبوبة وأحلام وهذيان، عدت إلى الحجرة وقلبت الكنبة بحركة عنيفة كالمجنون، فلاحت لي بصلة تلمع قشرتها الذهبية تحت النور، والبصل لذيذ إذا شوي في النار ولكن لا أملك الوقود والثقاب، ولسنا في مدينة شرقية حتى نجد بسهولة الأوراق والأخشاب، أعددت الوقود من المواد الأولية الآتية: قاموس عربي وفرنسي- ديوان أبي العتاهية – عدة خطابات من الأصدقاء والعائلة، ارتكزت البصلة العزيزة بين قصائد أبي العتاهية؛ وخطابات سيد درويش وعباس العقاد، وصعد اللهيب إلى أن احترقت جميع الأوراق، وبحثت عن البصلة فوجدتها قد سقطت من بدء اشتعال النار في أسفل الموقد، ولم ينضج منها غير ثوبها الخارجي ولكن الدفء وحده في بلد مثل ليون يعد لقمة كبرى لاسيما مع النوم”.
كان بيرم شاعر العامية الأول بحق، وضمير رجل الشارع، تفوق بكلماته وإبداعاته على أكثر شعراء عصره، وهذا ما دفع أمير الشعراء أحمد شوقي إلى القول: “إنني لا أخشى على الفصحى إلا من بيرم”، كما أشار الدكتور مصطفى مشرفة إلى المكانة الأدبية الرفيعة لبيرم إذ يقول: “لو أن بيرم قيس بمقاييس الفن الأدبي، لوجب أن يكون في مقدمة شعراء العالم وكبارهم؛ فهو يشبه إلى حد كبير شكسبير”.
كذلك لم يتأخر كل من الدكتور طه حسين ومحمود عباس العقاد والشاعر أحمد فؤاد نجم وغيرهم عن إبداء إعجابهم الشديد بالشاعر بيرم التونسي وأدبه.
بيرم ودرويش توأما الشعر والفن المصري
ولسيد درويش تجربة غنية وطويلة معه، حيث استطاعا معاً أن يحركا الشارع العام في مصر عبر أعمالهما العظيمة، ليصل حد الغليان؛ بيرم بأشعاره ودرويش بفنه وصوته، ويقول بيرم عن تجربتهما: “لو كنت موسيقياً لما أصبحت غير سيد درويش، ولوكان درويش شاعراً لما كان غير بيرم التونسي”.
ولكن تبقى الشهادة الأكثر أهمية شهادة الشارع المصري وغير المصري، هذا الشارع العريض الذي التصق بأشعار بيرم إلى درجة الالتحام، فكانت ترافقه في كل تنقلاته في العمل، في الأزقة في المظاهرات في السجون في الأفراح والمناسبات.
كان بيرم التونسي يعشق اللهجات الدارجة ونهج هذا النهج ولم يكن عن قصور منه في التعبير بالفصحى شعراً ونثراً، فقد كان واسع المعرفة باللغة الفصحى ومتمكناً من نظم الشعر بالفصحى أيضاً.
عاد التونسي إلى مصر بعد صدور عفو عام، واستمر في الكتابة للشارع المصري، لم ييأس ولم يُقعِده تعب المنفى عن أهدافه ومسعاه، بقي مُصرّاً على سلامة طريقه وفكره، داعياً إلى حياة حرة ولائقة للجميع ولكل فرد أينما كان، وإلى تحرر الإنسان من كل القيود، والوقوف في وجه الإذلال والاضطهاد حتى توفي عام ١٩٣٨م بالإسكندرية في اليوم نفسه الذي كانت فيه أم كلثوم تغني له -هو صحيح الهوى غلاب -وهو الذي كتب أكثر من ثلاثين أغنية لأم كلثوم.
بيرم… نبض قلوب المصريين
كان له حضور جماهيري في الشارع المصري، لأنه كان يأخذ عجينة قصائده الوطنية والعاطفية وظلالها وامتداداتها وألوانها ونبضها من الشارع المصري، والتي رفعت النضال للقمة وأدهشت والطغاة.
لقد ترك التونسي تراثاً ضخماً يصل إلى حوالي -٤٧٨-عملاً متنوعاً وبذلك أغنى بيرم الأغنية العربية فالشعر سواء كُتِب بالعامية أو بالفصحى صناعة إنسانية موجهة من الإنسان إلى الإنسان ويحتضن الروح الجمعية للبشر.
كان الشاعر بيرم التونسي بحق من فحول الشعر العامي، طويل النفس، جزل العبارة، قوي السبك، طَرقَ في شعره كافة الموضوعات الشعرية من وطنية واجتماعية، كان مبدأه فيها استقلال وطنه وحريته، ووحدة صفه، كما كان الراصد الحقيقي لحركة حقوق الإنسان في العالم العربي، بشكل عام، والشعب المصري بشكل خاص، لأنه كان مُلتحماً وملتصقاً بالشعب فطرياً. لذا؛ نجد مؤسسات الثقافة في مصر والعالم العربي تحتفي سنوياً بذكرى ميلاده، وكانت الذكرى المئوية لميلاده عام 1993م مميزة احتفت بها كل الأوساط الثقافية وعلى امتداد الخارطة العربية وبشكل خاص في مصر والتي كانت تحت عنوان: “النبع الخالد بيرم التونسي الأصالة والتجديد”.
No Result
View All Result