سميت بلدة الـ 47 بهذا الاسم؛ لأنها تبعد عن مدينة الحسكة 47 كم، حيث يسكن فيها خليط من العشائر، أغلبهم عشيرة البكارة وغيرهم، ممن يشتهرون بالزراعة وتربية الماشية.
بلدة الـ٤٧ السورية، تقع على بعد ٤٧ كيلو متر باتجاه الجنوب عن مدينة الحسكة، وتبعد قرابة ١٠٠ كيلو متر عن مدينة دير الزور، تتبع إدارياً لمدينة الشدادي، وتعد عقدة مواصلات هامة؛ لأنها تقع على الطريق الدولي أو ما يعرف محلياً باسم الطريق الخرافي، الذي يصل بين مدينة الحسكة ودير الزور.
أصل التسمية
وسميت بلدة الـ٤٧، بهذا الاسم، لأنها تبعد عن مركز مدينة الحسكة ٤٧ كم، والذي يعود سببها إلى حادثة تاريخية حصلت على أيام الانتداب الفرنسي، سنقوم بذكرها في هذا المقال.
وكانت تضم بلدة الـ٤٧ مخفراً للشرطة، أُسِّس في تسعينات القرن الماضي، بالإضافة إلى وجود صوامع للحبوب ومحطة ضخ مياه أسست في العام ٢٠٠٩ أثناء العمل على مشروع استجرار الفرات. ويعود تاريخ البلدة إلى الفترة الزمنية الممتدة بين عامي ١٩٣٠ و١٩٤٠، حيث سكنها أفراد من قبائل عربية متنوعة ذكرناها سابقاً.
السكان والقرى التابعة لها
ولا توحد إحصائية رسمية لعدد سكان هذه البلدة، حيث يقدر عدد سكانها قرابة الخمسين ألف نسمة، وتتبع لها مجموعة من القرى المنتشرة حول مركز البلدة الصغيرة.
ويسكن بلدة الـ٤٧ خليط من العشائر العربية وأبرزهم قبيلة البكارة، حيث يشكلون الغالبية الساحقة من عدد السكان، بالإضافة إلى عوائل من عشيرة البونجاد التابعة لقبيلة الجبور، وقلة قليلة من عشيرة الدليم، وقبيلة الكلعيين. أما أبرز أفخاذ قبيلة البكارة التي تسكنها، فخذ المريجب وفخذ السويط، والبومعيش، والبورحمة.
ومن أهم القرى التي تتبع للبلدة، هي قرى النورية، بعاجة، صفيان، الصالحية، السيحة، أم غربة، وقرى ما يعرف باسم خط الغاز، الذي يسكنها خليط من عشائر الجبور، وغيرها من القرى الأخرى التابعة للبلدية.
شخصيات اُشتُهرت بالبلدة
ومن أبرز الشخصيات التي سكنت الـ٤٧، “بشير السيد طه”، المنحدر من قبيلة الدليم، وهو من أول المؤسسين لبلدة الـ٤٧، والمختار “عباس الزعال”، المنحدر من فخذ الخنجر التابع لقبيلة البكارة، بالإضافة إلى “عبد الرزاق الإسماعيل”، المنحدر من فخذ البورحمة التابع لقبيلة البكارة، وسلمان محمد الحسن، المنحدر من فخذ الراشد التابع أيضاً لقبيلة البكارة.
ويعمل سكان بلدة الـ٤٧ بالزراعة وتربية الماشية، حالهم حال غالبية أرياف مدينة الحسكة، وتضم حالياً سوقاً شعبياً كبيراً يعرف محلياً بسوق “البكارة” نسبة إلى أبناء قبيلة البكارة الذين يشكلون عصب السوق، ويضم سوقاً للماشية والحبوب والمواد الغذائية وغيرها من متطلبات الحياة في المنطقة.
أبرز المحطات التاريخية
وتعرضت مناطق جنوب الحسكة للتهميش من السلطات المتعاقبة التي مرت على المنطقة، ولم تذكر كتب التاريخ مقاومة أبنائها للاحتلال العثماني والفرنسي، واعتمد سكان المنطقة في معرفة تاريخ منطقتهم على ذاكرة آبائهم وأجدادهم، وحملت ذاكرة الأجداد صوراً بطولية حفرت بوجدانهم ونقلوها إلى أبنائهم، ومن أبرز هذه المحطات هي معركة الـ٤٧ التي حصلت بين جنود الاحتلال الفرنسي حينها وأبناء القبائل العربية.
تاريخ المعركة
قامت القوات الفرنسية المتمركزة في الحسكة، بإرسال سرية مما يسمى بحرس الحدود في جيش الانتداب الفرنسي إلى الجنوب، لتأديب القبائل في منطقة الشدادي وما حولها، وذلك بعد أن كثرت الهجمات على الدوريات الفرنسية في تلك المنطقة، وكان سلاح تلك السرية البنادق والرشاشات وبعض المدافع الرشاشة. وكانت القوة الفرنسية عندما تقترب من مضارب بعض القبائل تصليها بوابل من الرصاص، فيستشهد بعضهم ويفر الباقون من أمام تلك القوة لعدم قدرتهم على مجابهتها. اجتمع وجهاء قبائل الجبور والعقيدات والبكارة، وقرروا التحالف والتصدي بما لديهم من إمكانات للقوة الفرنسية.
وكانت تلك القوات قد تمركزت على بعد ٤٧ كم جنوب الحسكة على طريق دير الزور، فزحف الثوار الذين يملكون البنادق من هذه القبائل ليلاً إلى معسكر القوات الفرنسية، وطوقوها من جميع الاتجاهات، وانهالوا برصاص بنادقهم عليها، ويقال إن قائد القوة كان يخابر القيادة طالباً النجدة قائلاً: أنه على بعد ٤٧ كم جنوب الحسكة (وسمي هذا الموقع فيما بعد باسم السبعة وأربعين)، وفي الصباح استطاع الثوار من رجال القبائل محاصرة الفرنسيين تماماً، إذ تحصن بعضهم على بعد عدة كيلومترات شمال منطقة الحصار، ومعظمهم من قبيلة الجبور لصد أي نجدة تقدم لفك الحصار.
ونجح الثوار في صد النجدة القادمة من الحسكة، فيما استمر الحصار لعدة أيام، قتل فيها معظم أفراد السرية، ولم يُفَك الحصار إلا بعد وصول نجدة كبيرة قادمة من دير الزور، حيث لاحقت هذه النجدة القبائل التي اتجهت غرباً في الصحراء باتجاه جبل كزوان “عبد العزيز”، ولمخاوف الفرنسيين من التوغل في تلك المناطق قاموا بنصب مدافع بعيدة المدى على بعد ٣٠ كم غربي الشدادي، لقصف القبائل التي تقترب من المكان.
وسمي هذا الموقع فيما بعد باسم (أم مدفع)، يذكر بعضهم أن معركة الـ٤٧ حدثت بين عامي ١٩٣٠ و١٩٣٥، فيما ليس هناك مصادر موثوقة لتحديد التاريخ الدقيق لهذه المعركة.
يذكر، أنه لم تذكر المصادر التاريخية الرسمية الأسماء التي كانت مشاركة في معركة الـ47، أو أسماء الشهداء الذين ارتقوا إلى الشهادة وهم يدافعون عن أرضهم، وهو نوع من التهميش الذي عانته الجزيرة السورية على مر العصور.