لطالما حلمت البشرية بالعيش الكريم، ولطالما كانت غاية الإنسان أن يعيش بكرامة. ودفعت العديد من الشعوب أثماناً باهظة في سبيل هذه الغاية النبيلة وللوصول لهذا الحق الطبيعي.
فمن حق اللبنانيين جميعاً أن يحلموا بعيش كريم في ظل نظام ديمقراطي عادل يحظى فيه الجميع بحقوقهم وتتمتع فيه جميع الطوائف والقوميات بالسلام بعيداً عن منطق القتل والحرب والدمار، لكنهم لم يحصلوا على هذا الحق بسبب ترسبات النظام الطائفي والفساد الذي ينخر جسد السلطة. حيث إن لبنان بحاجة، أكثر من أي بلد آخر، إلى نظام حكم تعددي توافقي، لأن الضريبة الباهظة التي دفعها طوال سنوات الحرب الأهلية، كانت نتيجة سياسات الحكومات التي استندت إلى المحاصصة والفساد.
وبسبب الانقسام العامودي في المجتمع اللبناني، نستطيع أن نقول أن حلم بعض اللبنانيين يرتكز اليوم إلى مبدأ عبّر عنه غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة الراعي، وهو مبدأ الحياد، أي العيش بسلام، والتركيز على أهمية شد أواصر وحدة لبنان الوطنية والداخلية من خلال أن ينأى لبنان بنفسه عن الصراعات والحروب الإقليمية التي تعصف بالمنطقة اليوم.
البعض يعلّق على هذا الموقف بالقول أنه على لبنان أن يلتزم بكل قرارات الجامعة العربية، والتي عليها بالمقابل الالتزام بكل ما يحتاجه هذا البلد الصغير والكبير في الآن عينه. ولكن الذي يحدث على أرض الواقع هو خلاف ذلك، لهذا فعلى بلدان جامعة الدول العربية لم شملها ومراجعة حساباتها والاهتمام بشعوب وقوميات المنطقة من حيث الحقوق والمساواة لردع مخططات وسياسات سلطات الدول الرأسمالية في اللعب بمصير ومستقبل الشعوب. إن حلم غبطة البطريرك هو أن يعيش لبنان مثل العديد من البلدان التي اتخذت الحياد أساساً خلال الحرب العالمية الثانية لتتجنب الهجمات والغزو. واليوم إن إمكانية حياد لبنان موجودة بقرار وطني جامع يؤكد على احترام ميثاق وقرارات “الجامعة العربية”، ويطلب من الأحزاب اللبنانية المسلحة الإيمان بقدرة لبنان وطناً وشعباً على الوقوف في وجه تهديدات إسرائيل، ولكن للأسف فإن هذه الجامعة تعيش اليوم حالة احتضار.
إن الصراع الذي تشهده المنطقة، والذي يبدو إقليمياً ولكنه عالمي بامتياز، يعطل البلد اقتصادياً ومالياً ويفقر الشعب، لذا فإنها لحظة تاريخية كي يركز لبنان شعباً وحكومةً على الوحدة الوطنية تحديداً، نظراً للانعكاسات التي ستلحق بالشعب في حال إغفال أهمية رص الصفوف والنأي عن الانقسامات الداخلية. فمن شأن الوحدة الوطنية، واتّباع الخط الثالث بالوقوف على مسافة معينة من جميع الأطراف المتصارعة وفق مصلحة البلد والشعب، أن يجلب الاستقرار السياسي، وهذا ما سينعكس إيجاباً على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية.