مقاومة كوباني والملاحم البطولية، التي سجلت في صفحات التاريخ، جعلت العالم أجمع ينحني أمامها، ويتضامن معها، حيث كانت نقطة الانطلاقة لتحرير مناطق شمال وشرق سوريا، من مرتزقة داعش، فشكل انتصار كوباني، منعطفاً جديداً في تضامن العالم مع المقاومة التاريخية لأبناء كوباني، ووحدات حماية الشعب والمرأة، فلقنوا المرتزقة دروسا في فنون التضحية والقتال.
تركيا قدمت لداعش أشكال الدعم كافة
ومع مرور الذكرى العاشرة لتلك الملحمة، يصاعد المحتل التركي هجماته على إقليم شمال وشرق سوريا، وسط صمت دولي مريب، وكوباني لم تسلم من هجمات جيش الاحتلال التركي، فقامت مطالبات لشعوب المنطقة، بإيقاف هذا العدوان، والتضامن مع كوباني ومناطق إقليم شمال وشرق سوريا، ومعاقبة المسؤولين الأتراك، الذين يرتكبون شتى أنواع الانتهاكات بحق الشعوب الآمنة.
ويعدُّ هجوم داعش المدعوم لوجيستياً وعسكرياً من دولة الاحتلال التركي على مدينة كوباني، وقراها في 15 من أيلول عام 2014، من أكبر الهجمات الشرسة التي تعرضت لها كوباني خلال سنوات الثورة، فهاجم داعش بقوة كبيرة ومن ثلاثة محاور، وكان الهدف احتلال المدينة وقراها.
الهجوم الإرهابي الكبير، جاء بعد أسابيع من الهجوم الوحشي على شعبنا الإيزيدي في شنكال، حيث كان داعش في أوج قوته، ومن خلفه أردوغان وحكومته، يمنيان النفس باحتلال المدينة، مثلما الرقة والموصل وغيرها، ولكنهم اصطدموا بمدافعين أبطال عن المدينة، حيث كان لوحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وشعوب المنطقة كلام آخر، وبعدما تقدم داعش وسيطر على معظم القرى، توجه إلى المدينة وحاصرها وتقدم داخل المدينة، كان الجميع يترقبون قدوم داعش للسيطرة عليها، ظناً منه بأن مصير كوباني سيكون كمصير باقي المدن السورية.
لكن الرد جاء سريعاً من أبناء كوباني، ووحدات حماية المرأة وشعوب المنطقة، وأيضا علينا ألا ننسى قدوم المئات من المقاتلين من باكور، وباشور كردستان، وتدخل المجتمع الدولي، حيث بدأت المقاومة الحقيقية، التي أبهرت العالم، أولئك الأبطال، الذين اتخذوا قرار الصمود والبقاء حتى آخر رمق من حياتهم، ودافعوا عن أرضهم وهويتهم، ورفضوا الاستسلام والخنوع، متخذين “المقاومة حياة” أساساً لتحقيق النصر.
وبدأ العد التنازلي لداعش، حيث تلقى ضربات كبيرة، وبدأ يتراجع بعد تلقيه خسائر في العناصر والعتاد، تحت ضربات المقاومين الأبطال، ولم يتوقع أحد في العالم أن مدينة صغيرة مثل كوباني، أن تبدي هذه المقاومة كلها، وتصبح رمزاً للمقاومة والصمود في العالم، تلك المقاومة، التي تعجز الكلمات عن وصفها، فأبهرت العالم، وخاصة أن الأسلحة، التي استخدمها المحاربون الأبطال كانت أسلحة خفيفة ومعدات بسيطة، لكن نصر كوباني، أحدث منعطفاً كبيراً لمسار القضية الكردية، وغير التوازنات في المنطقة، وحافظ على السلم والأمن العالميين.
وبعد المقاومة العظيمة في كوباني، وتحقيق النصر على داعش، أدركت شعوب العالم التضحيات الجسيمة، التي أبداها المدافعون عن كوباني، وأن تلك المدينة الصغيرة حققت ما لم تحققه جيوش كبيرة ومدربه، فخرج ملايين المتظاهرين في العالم في 30 دولة، و 93 مدينة، بانتماءاتهم وأعراقهم وأديانهم ولغاتهم، رافعين أعلام وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة، مرددين شعارات تندد بهجمات داعش على كوباني، داعين المجتمع الدولي وحكوماتهم إلى التحرك الفوري لنصرة كوباني، ودعم المدافعين البواسل، فأُعلن حينها، الأول من تشرين الثاني اليوم العالمي للتضامن مع مقاومة كوباني.
النفير العام شكل نقطة التحول الأساسية
إلى جانب ذلك؛ شكل النفير العام الذي أعلنه القائد عبد الله أوجلان، في زنزانته في إمرالي، الذي دعا فيه المجتمع الكردستاني إلى الدفاع عن كوباني، بكل الوسائل الممكنة؛ الأمر الذي شكل منعطفاً حاسماً في المعركة، التي عدَّها الكرد “مصيرية”، فتوحد الشعب الكردستاني في أجزائه الأربعة، وكان النصر المؤزر.
وتلبية نداء القائد عبد الله أوجلان للكردستانيين لحماية كوباني من المرتزقة، فتوجه العشرات من الشبان والشابات لحماية كوباني من السقوط والدفاع عنها، والتحق بهم مقاتلون أمميون من مختلف أصقاع العالم، للدفاع عن القيم الإنسانية وحرية الشعوب.
وتحقيقاً لنداء القائد عبد الله أوجلان، لبى الكردستانيون في باكور كردستان، بتشكيل جدار بشري على طول الحدود بين كوباني وباكور كردستان، وبالنتيجة تم فك الحصار عن الجهة الشمالية لكوباني، بعدما تم قطع الإمدادات التركية لداعش عبر الحدود، وأُنشِئت ممرات إنسانية آمنة، لعبور الجرحى إلى باكور كردستان لمعالجتهم.
فوحدات حماية الشعب والمرأة، والمقاتلون القادمون من الأجزاء الأربع من كردستان، وبالتعاون مع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، صمدوا في المعركة، وانتصروا في النهاية.
المقاومة لخصت إرادة الشعوب في المنطقة
وحول ذلك، تحدث لصحيفتنا، الرئيس المشترك لمكتب العلاقات الدبلوماسية، في حزب الاتحاد الديمقراطي، بمقاطعة الفرات، وكان شاهداً على مقاومة كوباني، بكر حج عيسى: “مقاومة كوباني تعجز عن وصفها الكلمات، لخصت إرادة شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، بالتصدي لمرتزقة داعش، التي أرعبت العالم بأكمله، وأفشلت مخططات تركيا الاحتلاليّة، التي راهنت على سقوط مدينة كوباني، فكان لتلك المقاومة العظيمة والتاريخيّة صدىً عالمي”.
وتابع: إن “الاعتداءات المستمرة على كوباني من المرتزقة، أو من الفاشية التركية، كانت بالدرجة الأولى لأهميتها الاستراتيجية، لأنها مهد ثورة 19 تموز، التي كان لها دور متميز في التحولات السياسية بالمنطقة، فالدول الإقليمية وعلى رأسها الفاشية التركية لم تتحمل نتائج ثورة ١٩ تموز، التي بدأت من كوباني، وكانت ثورة مجتمعية بحتة، تدعو إلى الحرية والمساواة والعيش المشترك بين الشعوب المنطقة كافة، وعرفت بثورة المرأة وأسست لنظام جديد أساسه الديمقراطية وأخوة الشعوب”.
موضحاً: إن “المقاومة البطولية، التي أُبديت في مدينة كوباني، كان لها صدى قوي في الأوساط العالمية، لذلك هبت الشعوب في بلدان العالم وأوروبا، لتتضامن مع مدينة المقاومة كوباني، داعين المجتمع الدولي والعالم أجمع، بالتحرك لدعم وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة، في معركتهم الإنسانية ضد الإرهاب وارتزاق داعش”.
مؤكداً: “مدينة كوباني تحولت بنضالها ومقاومتها وانتصارها بوابة لطرح مشروع بديل لسياسية التعسف والإنكار والإبادة، في ثورة 19 تموز، التي تبنت مشروع الأمة الديمقراطية، الذي أساسه العدل والمساواة والمحبة بين الشعوب، ولهذا لا تزال كوباني ومناطق إقليم شمال وشرق سوريا، يتعرضان للهجمات المستمرة من الفاشية التركية، التي تهدف للقضاء على منجزات الثورة، والمشروع الديمقراطي”.
زعزعة استقرار المنطقة وإحياء داعش
واستكمل: إن “تركيا تحاول في هجماتها الغاشمة، زعزعة أمن واستقرار المنطقة، وإفراغ المنطقة من سكانها الأصليين، وخاصة بعد أن فشل داعش في تحقيق أهدافه، لذا تدخلت بشكل مباشر واحتلت عفرين، وسري كانيه، وكري سبي، في محاولة لضرب الإدارة الذاتية، وإعادة إحياء داعش من جديدة لتستخدمه في تحقيق أطماعها العثمانية القديمة الجديدة”.
وحمل، حج عيسى مسؤولية الانتهاكات التركية والهجمات التي تقوم بها، بحق أبناء مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، المجتمع الدولي، ودول التحالف لمحاربة الإرهاب، والدول الضامنة في المنطقة الروس والأمريكان، والمنظمات التي تدعي حماية حقوق الإنسان، وإن صمت المجتمع الدولي يفتح المجال أمام المحتل التركي بارتكاب المزيد من المجازر واحتلال مناطق أخرى من إقليم شمال وشرق سوريا”.
ودعا الرئيس المشترك لمكتب العلاقات الدبلوماسية، في حزب الاتحاد الديمقراطي، بمقاطعة الفرات بكر حج عيسى، في ختام حديثه، المجتمع الدولي، والعالم أجمع، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، والمنظمات الحقوقية والإنسانية، بالتحرك سريعاً لدعم شعوب إقليم شمال وشرق سوريا: “بتلك الروح الداعمة، التي ساندت مقاومة كوباني، وحققت النصر الكبير على مرتزقة داعش، نناشد المجتمع الدولي، وشعوب العالم، بالتحرك الفوري لدعم شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، والقيام بمسؤولياتها الكاملة، لإيقاف العدوان التركي السافر، وعلى شعوب المنطقة والعالم، الخروج للساحات للمطالبة بوضع حد للانتهاكات والهجمات التركية، التي تطال البنى التحتية والمؤسسات الخدمية، والمدنيين والعسكريين على حد سواء”.