هناك مقولة خاصة بأن الحياة تبدأ بعمر الأربعين، ولكن يختلف الأمر تمامًا عند النظر إلى الرياضة ففي ذلك السن يعتزل الرياضيون أو هكذا كان الوضع في السابق.
لم تكن مسيرة الرياضيين في السابق طويلة كما هو الحال في الوقت الراهن، واعتادت الجماهير على اعتزال أبرز النجوم في عمر مبكر حتى أصبح الاعتزال المبكر هو السمة المعتادة للرياضيين.
ويكفي النظر إلى نجم كرة القدم الهولندية ماركو فان باستن الذي يُنظر إليه كواحد من أفضل اللاعبين خلال تتويجه بالكرة الذهبية ثلاث مرات من قبل، ولكنه خاض آخر مباراة له في عام 1993 بعمر 28 عامًا، واعتزل بسبب تكرر الإصابات.
والأمر لم يقتصر على كرة القدم وحسب، بل كان يفضل الرياضيون لأسباب مختلفة الاعتزال في عمر مبكر منهم نجم التنس بيت سامبراس الذي قرر إنهاء مسيرته بعمر 31 عامًا عقب تتويجه مباشرة ببطولة أمريكا المفتوحة عام 2002، وحينها كان يُنظر إليه باعتباره اللاعب الأفضل على مر العصور بفضل تتويجه بـ14 لقبًا في الغراند سلام كرقم قياسي حينها.
تغيّر النظر
اختلف الأمر في الوقت الحالي عند النظر إلى عمر اعتزال الرياضيين بالمقارنة في السابق، فنجد أن هناك نجم مثل البرتغالي كريستيانو رونالدو لا يزال يصول ويجول في ملاعب كرة القدم على الرغم من بلوغه عامه الـ39، ونجح منذ أيام في الوصول إلى 900 هدفاً في مسيرته في رقم أسطوري.
وكذلك الأمر يتعلق بأسطورة كرة القدم الكرواتية لوكا مودريتش الذي يبلغ من العمر 39 عامًا هو الآخر، ولا يزال يلعب في أعلى المستويات، ومن قبله كان هناك السويدي زلاتان إبراهيموفيتش الذي تألق بشدة بعد تخطيه عامه الـ30 برفقة أندية باريس سان جيرمان ولوس أنجلوس غالاكسي وخاصةً ميلان في نهاية مسيرته قبل الاعتزال بعمر 41 عامًا.
والأمر لا يقتصر على كرة القدم وحسب، بل امتد للرياضات الأخرى ففي التنس يبلغ الصربي نوفاك ديوكوفيتش 37 عامًا ولا يزال ينافس بكل قوة أمام الجيل الصاعد، بل وتوّج بـ24 لقبًا في الجراند سلام كرقم قياسي نصفهم بالضبط أتوا بعد بلوغه عامه الـ30.
ومن قبله كان هناك السويسري روغر فيدرر الذي نجح في مواصلة التواجد في أعلى المستويات بملاعب الكرة الصفراء حتى بلوغه عامه الـ40، وكذلك رافائيل نادال البالغ من العمر 38 عاماً.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل امتد للرياضات التي تطلب مرونة كبيرة في الجسد ويكفي النظر إلى سيمون بايلز، التي أصبحت أكبر امرأة أمريكية سنًا تنضم إلى فريق الجمباز الأولمبي منذ الخمسينيات بعمر 27 عامًا ونجحت في التتويج بثلاث ميداليات ذهبية في أولمبياد باريس.
تطور
يبقى السبب الأساسي وراء طول مسيرة الرياضيين في الوقت الراهن بالمقارنة مع السابق هو التطور العلمي في كل شيء.
وأصبح الرياضيون يهتمون بصورة أكبر بالوجبات الغذائية من خلال الحرص على تناول البروتين بكميات أكبر والابتعاد عن الدهون والسكريات إضافةً إلى الحرص على شرب الكثير من الماء مع وضع برامج خاصة للغذاء وعدد الوجبات التي يحتاج إليها جسدهم خلال اليوم.
كما تطورت العديد من الأجهزة والتقنيات التي يمكن ارتداءها أثناء خوض المباريات والتدريبات لتحليل البيانات المتعلقة بكل شيء في جسد الرياضي وما قام به ليقف الرياضي على ما يحتاج إلى تطويره.
كما أدرك الرياضيون جيدًا أهمية التعافي لتجنب الإصابات والاستمرار في اللعب بأعلى المستويات لسنوات طويلة، وذلك من خلال أجهزة الاستشفاء الخاصة كأجهزة التبريد أو الحرص على النوم لساعات كافية. كما اهتم الرياضيون أيضًا بالتدريبات الذهنية مثل الحرص على تمرينات التأمل من أجل تصفية الذهن، وأدركوا أيضًا أهمية قضاء الوقت مع الأسرة من أجل الاسترخاء وتقليل الضغوطات.
وساهم أيضًا التقدّم العلمي في تقصير مدى التعافي من الإصابات الصعبة، مثل تقليل مدى التعافي من إصابة القطع في الرباط الصليبي التي كانت تبعد اللاعبين في السابق لمدة تقترب من العام، والآن يمكن التعافي منها في غضون ستة أشهر، وهو ما يساعد في إطالة مسيرة اللاعبين.
الطموح
من أبرز الأمور التي تساعد الرياضي أيضًا على الاستمرار في الملاعب لفترة طويلة هي تجديد الأهداف وعدم التشبع من النجاحات، ويبقى رونالدو أبرز مثال على ذلك، فعلى الرغم من تتويجه بكل الألقاب الفردية الممكنة ومعظم الألقاب الجماعية، إلا أنه يجد الحافز في كل مباراة يشارك بها ولا يزال يتعطش للفوز بالمباريات والبطولات.
ويُساهم تجديد الطموح في الانضباط ومواصلة التدريبات ويكفي النظر إلى المهاجم الإنجليزي واين روني الذي يصغر رونالدو بعام واحد، ومع ذلك اعتزل مبكرًا ولم يهتم بجسده كما فعل البرتغالي وبالتالي انتهت مسيرته مبكرًا في الوقت الذي يحافظ فيه كريستيانو على توهجه منذ ظهوره للمرة الأولى.