No Result
View All Result
المشاهدات 1
رياض درار –
صعود داعش كان مؤشراً على بدء مرحلة جديدة في مفهوم الجهاد، تميز بإعلان الخلافة، واختيار خليفة، وهذا عنصر تأجيج للمواجهة الجهادية، وتجييش تحت العنوان الذي هو بنظر الكثيرين مطلب مُلِح للعودة إلى منهاج النبوة، وتكريس الشريعة عبر إمام يجمع الكلمة، لا أمير ينافسه أمراء.
لقد ساهم ظهور داعش في تقوية موقف النظام السوري، بتأكيد نظريته في أنه يحارب الإرهاب؛ وهو ما حيّد السمة السلمية للمعارضة، ودفعها إلى ملعبه الذي ينتصر فيه وقد نجح. فنجدها راحت تستعرض الصفات المشتركة مع الفصائل التي تقاتل الأسد، وتمتدح مناهضتها للنظام، وتجعل منها شريكاً تقف إلى جانبها وتستقوي بها، وبغباء منها دعمت تنظيم النصرة الذي كان موسوماً بالإرهاب، وحاججت عنه، وما زالت ترتكب إثم الدفاع عنه. وكان ظهور داعش عاملاً مساعدا للنظام، حين واجه بقية الفصائل الإسلامية، حيث قضى على نفوذها أو عليها، كما قضى على الجيش الحر الذي ظهر فساده في الأرض، وعاث فيها تخريباً جعل الجمهور يرتضي داعش. لكنها؛ استبدلت إرهاب الفصائل بإرهاب إقامة الشريعة، وبسطها بقوة ونفوذ الجاهلين وممن التحق بركبها. ومارس التنكيل والإرهاب باسمها.
لقد تعايش النظام مع داعش وتراجع أمامه مرات، وأفسح له في مناطق خدمه فيها بضرب عناصر من خصومه، وخلق بؤر صراع وانتقام بينه وبين من صنف نفسه معارضة. لقد كان واضحاً للنظام وجود تنافس منهجي سينعكس على المواقف ويذهب إلى قتال عنيف بين الفصائل وبين داعش. لكنه؛ كان ينتظر لحظة تفرّد داعش ليطلب مؤازرة المجتمع الدولي ومساندته، وغض النظر عن كل ما ارتكبه تجاه الشعب وثورته السلمية التي تحولت بقدرة قادر إلى إرهاب إسلامي.
إن بروز داعش لقي تأييداً محلياً من كثيرين يحملون صفاته، ويؤمنون بمنهجه، بل وجدوه تعبيراً عن أحلامهم وأوهامهم بإقامة خلافة على منهج النبوة، ومحاربة الكفر والإلحاد المتمثل بالعلمانية والديمقراطية، وهي شعارات الجميع من زهران علوش الذي تبجح بقوله الديمقراطية تحت قدمي، إلى الجبهة الإسلامية الموحدة في إدلب التي دعت إلى تنظيف البلاد من الديمقراطيين، وتيار أهل الأثر في ريف دير الزور الذي دعا إلى إقامة الخلافة ومحاربة الديمقراطية وذلك قبل ظهور داعش في بلاد الشام. وكثيرون التحقوا بداعش طلباً لمصلحة اقتصادية بعد أن سيطر على مناطق غنية بالموارد الزراعية والنفط والماء، وكثيرون وجدوا فيه السلطة التي تمنحهم التحكم بحياة الناس رعباً وتخويفاً واستغلالاً بعد ذلك، وإشباعاً للنزوات باسم السبي والتعدد في الزوجات، حيث لا مشروع بنائي ولا هدف إلا القتال العنيف، وتكرار المواعظ والدعاء للخليفة، وبث الرعب عبر أنواع ابتدعها من القتل استخدمها ببراعة إعلامية تثير العجب والريبة من القدرات التي تظهر بها، مما ينشره بشكل منتظم من صور مظهرًا مدى عنفه، كشكل من أشكال الحرب النفسية، هادفاً إلى غرس الخوف في صفوف أعدائه وجمهوره على حدِ سواء..
بعد الخسارة العسكرية في الباغوز والتحول إلى الولاية الأمنية، علينا أن نتوقع تغييراً في خطط داعش هذا، الذي لا يتبع مرجعية أيديولوجية محددة، ولا مدرسة عسكرية ملزمة. فهو كما لا يعترف بالمذاهب، ويفسر الشريعة بطرق تبرر أفعاله القبيحة؛ فإنه لا يُلزم نفسه بطريقة في القتال. فهو لا يُقيم اعتباراً لقتلاه ولا لضحاياه ولا لجنوده، المهم استمرار الموت، وتخويف الأعداء، وإدخال الرعب في نفوسهم، وخلق حالة من الترقب المتعب لخصومه، دون يأس منه، وجعلهم يتوهمون ظهوره في كل لحظة، وهذا ما يجعل عناصره أكثر خطراً كذئاب منفردة، أو ثعابين مندسة، أو ضباع مستفزة. فداعش وهو يعدل عملياته لا يهتم بعدد القتلى الذين يضحي بهم، ليُثبت أنه حاضر أبداً، متشبث غير قابل للفناء، بل لديه القدرة على تجنيد الأعضاء باستمرار، وهنا تبرز الإشارة إلى براغماتية داعش وتساهله في التعامل مع الأعداء بغاية التمكين، مما يدفعه لتقديم خدمات لهم بمقابل، وهنا يمكن لخصوم الإدارة الذاتية وخصوم قسد أن يستغلوا ذلك بتقديم الدعم المالي واللوجستي لتهديد الإدارة، والضغط عليها وإضعافها، وقد يغيّر هيكله واسمه وامتداداته ليصل مبتغاه. وهذا ما يجب التنبه له، فبعض من داعش أخطر من داعش الكيان الموحد المتماسك، ولا يؤمن غدره وانتقامه ما دام بعض منه ينبض بالحياة.
No Result
View All Result