يُسمون بملائكة الرحمة والجنود المجهولون حيث يعملون في الخفاء بكل وفاء مهني وإخلاص وظيفي لا تغيب الإنسانية عن أخلاقهم، يرسمون للمرضى خطوط النجاة ويتابعون برنامج علاجهم بدقة واهتمام، لكن أن يدخل الغناء إلى غياهب الحجر الصحي بصوت ممرض شاب يساعد بصوته الشجي أن يُلامس شغاف القلوب الذين بدأ اليأس يُحطم آمالهم بالنجاة فهذا أمر مثير للدهشة.
محمد كريم شاب عراقي يبلغ من العمر ثلاثين عاماً؛ من مدينة البصرة العراقية يعمل مساعداً مخبرياً في مشفى “الموانئ” أب لطفلين أصيب بوباء “كورونا” استطاع بإرادة قوية التغلب عليه ليقرر مع خروجه من المشفى أن يدخل الحجر الصحي مرة أخرى لكن هذه المرة كممرض وليس مريض رغم نصيحة الأطباء له بعدم المجازفة، وذلك حفاظاً على حياته.
يُغني للمرضى لأنه عاش تجربتهم
تربع الممرض محمد كريم عرش وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة عبر مقاطع الفيديو التي انتشرت له، وهو يغني بلباسه الميداني الوقائي داخل غرف المرضى لكل مريض يدخل ليعطيه علاجه، ويطمئن على حالته كنوع من رسم الابتسامة على وجوه متعبة، حيث يقول محمد كريم: “عشت التجربة وشعرت بمرارة المعاناة والوحدة والتشاؤم، والخوف من المرض، والحنين لأهلي وعائلتي”. وتابع: “مع خروجي من الحجر قررت أن أساعد هؤلاء المرضى وأمنحهم فرصة بالتفكير بالعودة للحياة من جديد وأغني لهم رغم حزنهم”، فهو ذات يوم كان بمكانهم، وأضاف كريم قائلاً: “صدق المثل حين قال أسأل مجرب ولا تسأل حكيم”.
فكلمات الإطراء والحب التي يسمعها من المرضى حسب تعبيره تجعله أكثر تصميماً على مواصلة رسالته.
ابتسامات المرضى له دافع لمواصلة العطاء
أما عن نوع الأغاني التي يغنيها للمرضى فقد قال: “أغني حسب حالة المريض ومدى تقبله، وأحياناً حسب طلبه سواءً شعراً أم نكتة يضحكون عند سماعها”. أما فيما إذا كان المرضى لا يتقبلون غناءه بسبب تعبهم أو حالتهم النفسية فقد أوضح بأنهم يبتسمون له بمجرد سماع شدوه رغم مرارة الواقع والترقب، والانتظار الذي يعيشونه مما يساهم في تحسن حالتهم فعند سماعه لكلامهم، ويضيف في اليوم الثاني عند سؤالي لهم عن وضعهم الصحي يقولون: “بخير سعداء بسماع صوتك ورؤيتك”؛ فهذا وسام شرف أفتخر به ويبعث فيني طاقة ونشاطاً وحيويةً وقدرة على الاستمرار وكلي أمل بغدٍ أفضل”.
“يا أمي” تُغنى في الحجر الصحي
أما عن الأغاني التي تأثر بها المصابين، فتحدث عن سيدة عجوز تدعى أم هيثم صدح بصوته لها بألحان عذبة بأغنية للكبير سعدون جابر “يا أمي يا أم الوفا”، لتدمع عينا العجوز داعيةً له؛ هذا وقد أوضح بخصوص هذه الأم الفاضلة بأنه يعتبر كل الأمهات في الحجر الصحي بمقام والدته التي فارقت الحياة، وبأنه سعيد لأنه يساعدهن على تجاوز هذه المحنة.
سلامات يبعثها للأهل على لسان مرضاه
يجلس كريم مواسياً لأحد المرضى أثناء تلقيه العلاج ويغني أغنية للمرموق “حميد منصور” بصوت شجي يسقط على المسامع بعذوبة ورقة “سلامات أبعثلك سلامات” من داخل الحجر يبعث هذا الممرض بسلامات المرضى للأهل والخلان لتعانق أرواحاً تنتظر صدى صوته بالخارج.
إشادة جماهيرية بنبله وإنسانيته
هذا وقد أشاد الشعب العراقي ومتابعي التواصل الاجتماعي بشجاعة وإنسانية هذا الممرض الشاب الذي كرّس نفسه لإعادة البسمة والفرح بروح مرحة معطاءة رغم أن هذا اللباس الاحترازي الذي يلبسونه وحسب أحد المغردين على التويتر ويعمل ممرضاً هو الآخر ويدعى “منير الصالح” من الأردن الذي استغرب كيف استطاع زميله بالعمل التمريضي محمد كريم الغناء رغم سماكة اللباس والكمامة ذات الطبقتين التي يرتدونها، حيث أنهم بالكاد يتنفسون، وتمنى من جميع العاملين بالكوادر الطبية أن يجعلوا من الممرض العراقي محمد كريم مثالاً يُحتذى به ونبراساً ينير عتمة دروب اليأس الطويلة.
يُكرَّم من الجهات الرسمية
هذا وقد تم تكريم محمد كريم من قبل الجهات المعنية في العراق، حيث كُرِّم من محافظ مدينته البصرة “أسعد العيدان” ثاني أكبر مدينة في العراق بعد بغداد، ومن وزير الصحة العراقية ونال شهادة تقدير يحق له من خلالها أن يفخر بسمو أخلاقه وقداسة رسالته وطيبته وسماحة نفسه أنه شاب يتاجر بالأمل فطوبى له.