No Result
View All Result
المشاهدات 1
وفاء الشيخ –
روناهي/ قامشلو ـ تعرَّضت المرأة الكردية عبر التاريخ للكثير من المعاناة والعبودية بسبب العقلية الذكورية, وحرمت لسنين عديدة من حق التعلُّم وكسبِ المعرفة, وبقيت مكبوتةً في كلِّ مجالات الحياة بعيدة عن الثقافة والتطوُّر, وبخاصةٍ في المجتمع الكردي العشائري والزراعي الريفيِ, وعلى الرغم من أنها كانت تقوم في الحقيقة بأعمال الرجل في الريف, وتعمل جاهدة في شؤون الزراعة والحصاد والرعي وتربية الماشية، إلى جانب تربية الأطفال والتدبير المنزلي, واستقبال الضيوف.
هذا الدور الذي لعبته في الحياة الاجتماعية والمنزلية كواجب قسريٍّ فرض عليها بحكم العادات والتقاليد الاجتماعية وبعض المفاهيم الدينية الخاطئة، لكن؛ كان هذا في الماضي، فبعد تطور المجتمعات الإنسانية والتقنيات العصرية وتقدُّم الإعلام وتطوُّره, دخلت المرأة الكردية معترك العلم والثقافة والسياسة، وبدأت تكسر حاجز الخوف في المجتمع الذكوري, لتشقَّ طريقها نحو الإسهام الجاد والفعلي في تطوير مجتمعها, ولتكون فعَّالة في بناء المجتمع، كما شرعت بتغيير نِظْرة المجتمع الذكوري تجاهها, وأثبتت تفوقها في مختلف مجالات الحياة، فأصبحت تنافس الرجل في أكثر من ميدان وبخاصة في شؤون العمل والسياسة ومجالات المجتمع المدني، وفي مجال التدريس وتربية وتوعية الأجيال، لتصبح مهندسة مبدعة وعاملة نشيطة في المعامل والمصانع, وتبرهن على قدرتها على قيادة المجتمعات الإنسانية نحو الأفضل، وتساهم في تحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمهنية، وتكون كياناً فاعلاً ونشيطاً بين العملين الاقتصادي المعيشي والنضال المهني، فكانت المرأة الكردية هي الأم والأخت والزوجة والمناضلة الثائرة في وجه أسباب الجهل والتخلُّف ونبذ التقاليد البالية من ذهنية المجتمع التقليدية، ولم تعد ترضى أن تكون قعيدة المنزل وربة الأسرة ومصنعاً للإنجاب فحسب, بل ذهبت إلى أبعد من ذلك لتمتلك روح التضحية وأخذ زمام المبادرة لتسيير الأمور الحضارية بشكل أكثر فاعلية وتحقيق طموحها الإنساني في بناء المجتمعات الإنسانية وتهذيبها إلى جانب الرجل وقيادة المجتمع والحركة السياسية والاجتماعية والاقتصاديَّة والثقافية، ولأن المرأة الكردية بطبيعتها قادرة على إثبات وجودها في هذي المجالات بالرغم من شراسة المجتمع الذكوري، ولأنها تمتلك صفات نوعية فريدة لا يمتلكها الرجل، فالرجل يمتلك صفات القسوة واستخدام العنف وإشعال الحروب، ولكن المرأة هي الوجه الآخر تماماً والبعيد عن هذه الطباع, لأنها تمتلك شعوراً للحفاظ على التماسك الأسري والانسجام المجتمعي السلمي والالتزام بالهدوء النسبي والتأنِّي في اتخاذ القرارات، وفي العلاقات المصيرية والحميمية والتقدُّم إلى الأمام بكل ثقة وأريحية, ورغم كل هذه التطلعات والطموحات بقيت المرأة الكردية بعيدة عن المشاركة الفعلية في صنع القرار، ولم تتمكن حتى من الوصول إلى مركز القرار الاجتماعي والسياسي ولا حتى إلى تفعيل دورها الحقيقي في المجتمع وذلك يعود إلى عدم وجود تكافؤ الفرص مع الرجل، ولكن ثورة روج آفا وشمال سورية الآن أتاحت لها المجال في ميدان العمل لكي تظهر إبداعاتها سواء في المجالات الاجتماعية أم من خلال الحركات السياسية, رغم أن الرجل كان دائماً ينظر إليها على أنَّها الضلع القاصر وآلة للإرضاء الجنسي فقط, وبالمختصر المفيد فهي في مخيلته جنس أنثوي خلق لإنجاب الأولاد والتدبير المنزلي, وليست روحاً وفكراً وكائناً نشيطاً وفعالاً وتمتلك القدرة على فعل المستحيل, وبأنها لا تستطيع اتخاذ القرارات الصائبة إلا بمشورة الرجل وموافقته, ولعل الرجل نسي أنَّ المرأة هي ذاتها التي أنجبته وربَّته وأعدَّته لخوض معارك الحياة، فكيف لا تستطيع هي ذاتها أن تقود المجتمع عامة, أليست هذه المرأة من جنس نفرتيتي وكيبانو, وليلى قاسم وروشن بدرخان وزيلان وليلى بدرخان وروناهي وبيريفان وشرمين جميل أوغلو اللواتي صنعن التاريخ الكردي مع الرجل, فكانت المعجزة التي أضافت إلى التاريخ الإنساني أنصع الصفحات في البطولة والتضحية والفداء! هي المرأة الكردية المناضلة التي دافعت عن حق شعبها وروت بدمائها الطاهرة تراب الوطن ولم تبخل يوماً بتقديم التضحية تلو التضحية ووقفت إلى جانب الرجل وِقْفةَ عزٍّ وشموخ وإباء، وحملت معه السلاح في ميدان القتال لتدافع عن وجودها وحرية شعبها وتحقيق استقلالها ولتنال حقوقها المشروعة والعادلة، وتنتزع حقوق شعبها من براثن أعداء البشرية وأشرسهم وأكثرهم دموية وعنصرية في الشرق الأوسط. هذا هو الوجه الحقيقي للمرأة الكردية ماضياً وحاضراً، وعلى المجتمع أن يفتخر بنضالها عبر التاريخ ويعيد حساباته تجاه هذه الإنسانة الخلاقة، ويساهم في تحقيق طموحاتها كاملة وإزالة العقبات التي تعترض طريق حريتها لتنال حقوقها المشروعة مساواةً مع الرجل الذي استغلَّها عقوداً من الزمن، تارة بحجة جنسها الأنثوي وتارة أخرى باسم الدين والشرف، وحان الوقت لتطهير عقلية الرجل من الأنا الذكورية وبعض العادات والتقاليد البالية، والتي كانت من مصلحة الرجل الجاهل والمتخلف أن يحافظ عليها ويدافع عن عقليته بكل ما يملك من قوة حباً بالسيطرة ولفرض إرادته على المرأة وجعلها وعاءً لرغباته.
لقد حان الوقت لأن تُشرّعَ أبواب العقول المتجمدة تجاه هذه الإنسانة المناضلة التي ساهمت دوماً في صنع التاريخ الكردي، والعمل على فك القيود الظالمة التي كبَّلت المرأة والمجتمع معاً، فالمرأة تُقدِّم المزيد من التضحيات والإنجازات في مختلف الميادين لأجل بناء هذا الوطن وتساهم في ترميم ما دمرته اليد البشرية الحاقدة والآثمة بحق شعوب المنطقة، وبخاصةٍ بحق الشعب الكردي، وعلى المجتمع بكل مكوناته المساهمة في تمكين المرأة في كل مناحي الحياة انطلاقاً من المشاريع البسيطة والصغيرة إلى حيث المشاريع الاقتصادية والتجارية الكبيرة وعمليات البناء, وأن يقدم للنساء الدعم المادي والمعنوي لبناء مستقبل البلاد بأفضل النظم العلمية والاقتصادية والمجتمعيَّة، وليعلن الجميع صراحةً أنَّ المرأة الكردية كانت مثالاً يُحتذى به في كلِّ المجتمعات، فالنساء الكرديات صنعن التاريخ، وأضفن إلى التاريخ الكردي صفحات خالدة في النضال والعزيمة والقوة.
No Result
View All Result