ربما كان لتوحد الفكر الاستبدادي والأطماع الاستعمارية المتجذرة في تركيا والعديد من الدول التي ساندتها السبب الأساس لاحتلال عفرين من قِبل مجموعات من المرتزقة والجيش الغاشم التركي هو سليل الانكشاريين والفرق الحميدية والطورانيين مصاصي الدماء وعشاق الحروب. لكن؛ المقاومة والنضال لم ولن تنتهي، فمقاومة العصر دخلت عهداً ومضماراً جديداً. نعم إنه حال لسان أهالي عفرين المقاومين في مقاطعة الشهباء، بعد هجمات 20 كانون الثاني من عام 2018 وإظهار روحهم الثورية وتكاتف شعوب شمال وشرق سوريا كافة على مدار ثمانية وخمسين يومٍ بوجه العدوان التركي ومرتزقته الإرهابيين بكافة الطرق والوسائل.
بعد تنفيذ المؤامرة الدولية التي حيكت على شعوب المنطقة وقتل وتدمير طائرات تركيا البشر والشجر والحجر واستمرار المجتمع الدولي بالصمت وكأنهم يساندون العدوان التركي. ولتفادي المزيد من المجازر والاقتتال اضطرت الإدارة الذاتية الديمقراطية مع الأهالي لأخذ قرار الخروج من عفرين والتوجه صوب مقاطعة الشهباء رفضاً للوجود التركي على أراضيهم.
مما لا شك فيه بأن تاريخ 18 آذار 2018 لم يكن تاريخاً عابراً لدى أهالي عفرين، حيث وصل العدوان التركي ومرتزقته الإرهابيين حينها بالقرب من مركز المقاطعة وازدادت هجماته وقصفه بالطائرات وكافة الأسلحة الثقيلة على المدنيين وارتكبت العديد من المجازر بحقهم، حتى تجمع جميع الأهالي في طريق واحد واتخذوا قرار الخروج معاً وشق طريقٍ آخر لمقاومة العصر عوضاً عن الرضوخ والقبول بالاحتلال التركي.
طريق جبل الأحلام في ناحية شيراوا، كان شاهداً على مأساة الشعب العفريني؛ فأكثر من يومين ولأزمة السير وضيق الطريق مئات من السيارات منتظرة وراء بعضها البعض وسط استمرار القصف الهمجي على الأهالي، كانت أياماً سوداء بالنسبة للأهالي خطوة الخروج من المنطقة ليس بالأمر الهين.
اختار الأهالي مقاطعة الشهباء المحررة نظراً لاقترابها الجغرافي من مقاطعتهم عفرين، ومن هنا شكلوا لوناً آخر من النضال وهي المرحلة الثانية من مقاومة العصر، ومن المعروف بأن الشهباء احتلت على مدار عدة سنوات من قِبل مرتزقة داعش والمجموعات الإرهابية التابعة لجيش الاحتلال التركي وحررت بعد مقاومة بطولية على يد القوات الثورية المشتركة.
مخيمات التهجير تتحول لِقلاع الإصرار والصمود
إثر المعارك الدامية والعنيفة التي اندلعت في مقاطعة الشهباء في عمر الأزمة السورية بين القوى المتصارعة في المنطقة تعرضت كافة قراها ونواحيها لدمار هائل في البنية التحتية وتعتبر منازلها غير قابلة للسكن. لم يسمح أهالي عفرين بأن يكون هذا الدمار عائقاً أمام مقاومتهم وإصراراهم على الصمود وعليه أمنت الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا الآلاف من الخيم وافتتحت ثلاث مخيمات في مقاطعة الشهباء وتعبيراً عن تمسكهم بمقاومة العصر سموا مخيماتهم بأسماء المقاومة، العصر، عفرين، ومع استمرار خروج أهالي عفرين من المنطقة نحو الشهباء إثر استمرار انتهاكات تركيا بحق المدنيين افتتح مخيم العودة في ناحية شيراوا وقطنت بعض العوائل العفرينية في مخيم الشهباء بقرية كشتعار في شيراوا.
مِنْ رحمِ الدمار خلقوا الحياة
ونظراً لازدياد العوائل في المنطقة وعدم توفر الخيم تقطن المئات من العوائل في المنازل الشبه مدمرة تعرضوا خلال فصل الصيف للشمس الحارقة وأصيبوا بالكثير من الأمراض وهم الآن يتحملون الشتاء القارس في المنطقة تحت الأمطار وتسرب المياه لمنازلهم.
أبنية مدمرة ومدارسٍ من الخيم لأطفال عفرين
ورغم التهجير، يتابع أطفال عفرين تعلم لغتهم الأم والتمسك بها استعداداً للعودة إلى عفرين وإعادة الحياة إلى مدارسهم المدمرة، حيث افتتحت لجنة التدريب والتعليم الديمقراطي 75 مدرسة جميعها في أبنية مدمرة وتحت الخيم لطلبة عفرين والشهباء ويتوجه إليها أكثر من اثني عشر ألف طالب وطالبة للمرحلة الابتدائية، الثانوية والعمل على تأمين فرص لالتحاق الطلبة في جامعة عفرين بالجامعات في إقليمي الفرات والجزيرة.
خطوة أولى لرسم خريطة تحرير عفرين
وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الاحتلال الجائر لعفرين، عقدت مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة عفرين وبحضور 250 عضواً من أعضاء المؤسسات والتيارات السياسية ومختلف شرائح المجتمع المدني “كونفرانس تحرير عفرين”، في الفترة بين 18 و 21 من شهر حزيران عام 2018.
وتناول الكونفرانس مجمل النواقص والسلبيات وبناءً على ذلك قدم الإداريون نقدهم الذاتي معاهدين على تجاوز أخطائهم والتخلص من الثغرات والسلبيات، كما وتم تداول الآراء والمقترحات لمعالجة الهيكلية التنظيمية عبر النقاش متمثلاً بروح مقاومة العصر بمسؤولية وشفافية لائقة بقيم الشعب وشهداء المقاومة ليتوصل الكونفرانس إلى رسم خارطة طريق لحملة تحرير عفرين انطلاقاً من شعار “بروح شهداء مقاومة العصر نصعد وتيرة حملة الانتقام لتحرير عفرين”، مؤكدين على رفع وتيرة النضال على الأصعدة السياسية والشعبية والدبلوماسية والعسكرية كافةً، معلنين بذلك نفيراً عاماً للسير على خطى الشهداء وانتصاراً لإرادة الشعب باتخاذ قرارات تجعل الشرائح الاجتماعية كافةً في حالة العمل الدؤوب على الساحة المحلية والإقليمية والدولية إلى حين طرد الاحتلال التركي وتحرير عفرين.
بالحياة الكومونالية والتنظيم يرفعون وتيرة المقاومة
وبعد تمركز الأهالي في الشهباء سارعوا على إعادة هيكلية كوميناتهم ومؤسساتهم المدنية بدأً من الكومين إذ عقدت سلسلة اجتماعات في كافة المخيمات، قرى ونواحي لأهالي عفرين وشكل ما يقارب 133 كومين في ناحية أحداث 21 كومين، بابنس 13، فافين 18، ناحية أحرص 26، ناحية تل رفعت 14 كومين وناحية شيراوا 13، وفي المخيمات الخمسة لكل منهم 14 كومين بالإضافة لمجالس النواحي والمقاطعة.
وشكلت فيها العديد من اللجان الإغاثية، الصحة، التدريب، البلدية وغيرها والتي تلعب دوراً مهماً في تنظيم إدارة شؤون الأهالي بذاتهم وبإرادتهم.
وفي هذا السياق قال الرئيس المشترك لمجلس مقاطعة عفرين محمد نعسو: ” أن ما تحمله أهالي عفرين خلال المؤامرة الدولية التي نفذت على المنطقة ليس بالأمر الهين، حيث أن قوتهم وتكاتفهم أمام المجتمع الدولي لمدة 58 يوماً كان رداً تاريخياً ترك بصمة ستبقى حافظة في أذهان الإنسانية والعالم”.
وتابع نعسو حديثه أنه وإثر استمرار الصمت الدولي ووضع حد للقصف العدوان التركي أجبر الأهالي الخروج من عفرين وتأكيداً من الأهالي ولقوة صمودهم وإصرارهم على إخراج تركيا من أراضيهم اختاروا الشهباء وهم في الوقت الحالي ينظمون حياتهم وتفاصيل يومهم على هذه الأساس.
وأشار نعسو إلى أن الإدارة الذاتية الديمقراطية وحسب ما تملكه من إمكانيات افتتحت مخيمات وقدمت للأهالي القاطنين في منازل معرضة للدمار يد العون بوضع النوافذ والأبواب وتوزيع الإغاثة بشكلٍ منظم متأسف من تجاهل المنظمات الدولية والعالمية لأوضاع أهالي عفرين.
مشاريع اقتصادية تأكيداً على الصمود:
ومن جهة أخرى واجه الأهالي بعد وصولهم إلى الشهباء، مشكلة عدم توفر فرص العمل لتأمين لقمة العيش، ما جعل لجنة الترشيد والاقتصاد تعمل على إيجاد حل لمشكلة البطالة وعليها، بدأت لجنة الترشيد والاقتصاد في منتصف شهر أيار عام 2018 بدعم أهالي عفرين في فتح مشاريع استثمارية صغيرة لسد حاجيات الأهالي من خلال تقديم قروض مادية، فتح خلالها الأهالي بسطات ومحلات لبيع الخضار والمحروقات، مواد الغذائية، محل ألبسة وغيرها، وبهذه الخطوة استطاعت اللجنة الحد من نسبة البطالة.
وتأكيداً من الأهالي بأن تواجدهم وعملهم في الشهباء هو إصرار على تحرير عفرين سمى جميع الأهالي محلاتهم بأسماء مختلفة فحواها العودة إلى عفرين.
نشاطات وفعاليات داعمة للمرحلة الثانية:
وفي السياق يؤكد أهالي عفرين المقاومين في مقاطعة الشهباء وبشكلٍ يومي إصراراهم لتحرير عفرين وذلك عبر نشاطات وفعاليات داعمة للمرحلة الثانية من مقاومة العصر تظاهرات ومسيرات حاشدة، اعتصامات في القرى الحدودية بناحية شيراوا ونشاطات لأطفال ورسم خيالهم مطالبة من المجتمع الدولي الاستيقاظ من صمتهم وإخراج تركيا من أراضيهم ليعودوا إليها مجدداً كما أنه توجهت العشرات من الوفود من أجزاء كردستان الأربعة لبنان وأوروبا مقاطعة الشهباء دعماً معنوياً ومادياً لأهالي عفرين.
مقاتلو وحدات حماية الشعب والمرأة لم يتخلوا عن عفرين يوماً:
وفي سياق الإعلان عن المرحلة الثانية من مقاومة العصر تستمر وبشكل شبه يومي العمليات العسكرية لوحدات حماية الشعب والمرأة منذ اليوم الأول حتى يومنا الراهن داخل مقاطعة عفرين واستطاعت خلالها القوات تكبيد خسائر فادحة في صفوف الاحتلال التركي.
وبحسب إحصائية وحدات حماية الشعب والمرأة نتائج المرحلة الثانية من مقاومة العصر في عفرين والتي بدأت في 18 آذار كانت 147 عملية عسكرية حيث كانت نتائج عمليات القنص، الكمائن، التفجيرات والمباغتة التي قامت بها الوحدات مقتل 350 مرتزق بينهم 65 جندياً تركياً وجرح 171 مرتزق بينهم 18 جندي تركي، تم تدمير 36 سيارة عسكرية، دبابة وثلاث دراجات نارية. كما استولى المقاتلون على 18 سلاح كلاشنكوف ومسدسان وعدد كبير من الوثاق العسكرية.
ولتسليط الضوء على الناحية العسكرية مع استمرار عمليات وحدات حماية الشعب والمرأة تحدث لنا الناطق الرسمي باسم وحدات حماية الشعب في مقاطعة عفرين بروسك حسكة والذي كان مشاركاً في مقاومة العصر إن قرار إخراج أهالي عفرين من المنطقة والتوجه بهم صوب الشهباء جاء لحماية المدنيين من الإبادة التي تسعى لها تركيا وسط صمت المجتمع الدولي أجمع ومشاركتهم في المؤامرة على عفرين.
ونوه حسكة خلال حديثه إلى أن إخراج الأهالي من عفرين لا يعني أننا تخلينا عن عفرين إنما هو العكس تماماً فنحن الآن وقواتنا متواجدة في كل بقعة من عفرين في كل ناحية ومركز المقاطعة وعملياتنا مستمرة حتى هذه اللحظة، وأشار حسكة إلى أن وجودهم حتى الآن في عفرين بكونهم هم أصحاب الحق والأرض.
وجدد الناطق الرسمي لوحدات حماية الشعب في مقاطعة عفرين بروسك حسكة في ختام حديثه العهد لشهداء مقاومة العصر وجميع شهداء الحرية بالسير على خطاهم وأن يكونوا ذوي مكانة للثقة والقوة وتحرير عفرين وإعادتها مرة أخرى لأهلها.