عامان على انتفاضة “Jin, Jiyan, Azadî” في روجهلات كردستان وإيران، رفضاً لانتهاك حقوق النساء والتمييز ضدهن، ورغم الرد العنيف للسلطات الإيرانية على هذه الانتفاضة، إلا أنها ما زالت مستمرة، ولم يتمكن النظام الإيراني من قمعها حتى هذه اللحظة.
استشهدت فأصبحت صورتها حاضرة في عيون كل امرأة ويصبح جسدها دليلاً جديداً يدين قوانين النظام الإيراني، إثر استشهاد الفتاة الكردية “جينا أميني” التي قلبت موازين العالم، فقامت خلفها الانتفاضات ويصرخ العالم في الشوارع بصوتها الذي قمع.
تحول القضية إلى انتفاضة
مع قضية لم تنجح إيران في إخفاء خيوطها، فانتشرت قصتها مع كل نسمة ريح داعبت خصلات شعرها، ولتتحول القضية إلى سخط شعبي وعالمي. اندلعت الانتفاضة في روجهلات كردستان وإيران عقب استشهاد الشابة الكردية جينا أميني (22 عاماً)، على يد السلطات الإيرانية في طهران (الجمعة 16 أيلول عام 2022) بعد تعرضها للتعذيب أثناء الاعتقال على يد ما تسمى “شرطة الأخلاق” الإيرانية وذلك بذريعة عدم التزامها بشروط الحجاب الصحيح.
وألقت دورية الإرشاد القبض على جينا أميني في 13 من أيلول، وكان وقع قتل العشرينية الإيرانية بحجم زلزال ضرب الأنظمة الحاكمة في إيران، فإن اعتقال جينا أميني واستشهادها المثير للجدل أيقظ شرارات الثورة التي كانت تنبض بصمت.
ومع انتشار قصة جينا تزايد الحراك الثوري وأصبح المحتجون ناقوس خطر مدوياً في بلد يواجه عقوبات دولية قاسية ومستقبلاً اقتصادياً غير واضح، والمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كلها رسمت معالم واضحة لهذه الانتفاضة، فالقضية لم تكن في أعداد من نزلوا إلى الساحات، بل في نوعية الحراك الذي امتدّ في مناطق مختلفة واخترق طبقات المجتمع والقوميات، كما لم يحدث سوى في أعقاب انتخابات عام 2009 الرئاسية، والتي شكلت يومها الهزة الأولى الحقيقية بين النظام الإيراني وشرائح مجتمعية من البيئة الحاضنة للثورة.
ومظاهرات عام 2022 كان الهزة الثانية بالنظر إلى التأثير البنيوي الذي تحمله على الأفراد والمجتمع والدولة، فهي بُنِيَت على خط زلازل متصاعد على مدى السنوات الثلاثة عشرة الماضية، فبالرغم من أن المظاهرات على مستوى البلاد اجتاحت إيران من قبل “مرة في عام 2017 واستمرت حتى أوائل عام 2018، ومرة أخرى في تشرين الثاني 2019″، فإن الاحتجاجات المستمرة ضمت أشخاصاً من أنحاء المجتمع كله، وتؤدي النساء دوراً قيادياً فيها تحت شعار “Jin, Jiyan, Azadî”.
كما تحقق نجاح الانتفاضة التي قادتها النساء في روجهلات كردستان وإيران، بدلالة استمرارها واتساع رقعتها، وتعبيرها عن معظم المجتمع، وكذلك قوتها الشعبية السلمية، حيث بدأت احتجاجات وانتفاضات صغيرة ومحصورة ضمن إثنيات بعينها، لكنها اليوم وبعد مضي عامين على انطلاقها، تبين أنها تتحول إلى ثورة شعبية كبرى وعارمة، تزلزل أركان وبنية الدولة الأمنية الإيرانية ذات الطابع الأوليغارشي، الذي حكم إيران وكل القوميات داخلها بالحديد والنار والهيمنة وكم الأفواه، منذ ما ينيف عن أربعين عاماً.
تصاعد حاد في استخدام عقوبة الإعدام
ويواصل طالبو الحرية نضالهم بشتى الطرق؛ ما أثار غضب الحكومة فاستخدمت أسلحة كيمياوية، على المحتجين، ولاسيما طالبات المدارس، وقد قامت باعتقال وإعدام العديد من المحتجين والمتظاهرين، وبذلك تكون قد خرقت القوانين الدولية.
ووفق تقرير “منظمة حقوق الإنسان الإيرانية” و”معاً ضد عقوبة الإعدام” السنوي والمتعلق بإعدامات عام 2022 في إيران، تم إعدام ما لا يقل عن 582 شخصاً في إيران، بزيادة بنسبة 75% مقارنة بإحصاءات عام 2020 البالغة 333 شخصاً، وإن سلطات إيران تستخدم عقوبة الإعدام كـ “وسيلة لبث الرعب الاجتماعي من أجل الحفاظ على السلطة”.
ونفّذت السلطات في إيران حكم الإعدام بحق 853 شخصاً خلال عام 2023، حسب تقرير منظمة “حقوق الإنسان في إيران”، والتحالف العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام.
وحسب منظمة العفو الدولية؛ فإن عدد عمليات الإعدام في 2023 هو الأعلى المسجل منذ 2015 ويمثل زيادة بنسبة 48% عن 2022 وزيادة بنسبة 172% عن 2021. وتستمر موجة القتل في إيران في عام 2024، مع تسجيل ما لا يقل عن 95 عملية إعدام حتى 20 آذار، وأعداد الإعدامات التي سجلتها منظمة العفو الدولية، هي أرقام الحد الأدنى، وتعتقد المنظمة أنَّ العدد الحقيقي هو أعلى من ذلك.
أفادت منظمة العفو الدولية، أن السلطات الإيرانية أعدمت ما لا يقل عن 345 شخصاً بينهم 15 امرأة من 2024، حُكم على 147 منهم بالإعدام بتهم تتعلق بالمخدرات، وبينت المنظمة أن إيران كانت مسؤولة عن 74% من الإعدامات المسجلة في أنحاء العالم عام 2023، واستهدفت الإعدامات بشكل غير متناسب الأقلية العرقية البلوشية في إيران، والتي تشكل نحو خمسة بالمائة فقط من السكان، لكنها تمثل 20% من الإعدامات المسجلة، بالإضافة إلى ذلك، من بين الذين أعدِموا ما لا يقل عن 24 امرأة، وخمسة أطفال.
القمع في مواجهة حرية التعبير
وكما ذكرنا سابقاً، استخدمت الحكومة الإيرانية منذ فترة طويلة عقوبة الإعدام على نطاق واسع، رداً على الاحتجاجات، التي مارس فيها من أعدموا واعتقلوا حقوقهم الأساسية في حرية التعبير والتجمع السلمي.
ولا تزال عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق العمال ونشطاء المجتمع المدني في الاحتجاز، بمن فيهم نرجس محمدي، وبهاره هدايت، وسبيدة قليان، وعالية مطلب زاده، وهستي أميري، ونوشين جعفري، ورها أصغري زاده، وشريفة محمدي، وواصلت السلطات مضايقة واعتقال ومحاكمة، الذين يسعون إلى المساءلة والعدالة، فمن المخزي أن تكون الحاصلة على جائزة نوبل للسلام لعام 2023 “نرجس محمدي” تقبع في السجون الإيرانية حتى هذه اللحظة.
كما عمدت السلطات الإيرانية على إطلاق الذخيرة الحية، والحبيبات المعدنية بشكل غير قانوني، بما في ذلك الخراطيش، على المتظاهرين والمارة، ومنهم أطفال. وقد استشهد العديد من المتظاهرين والمارة، وتم اعتقال واحتجاز أكثر من ألف متظاهر ومتظاهرة، وصحفيين، وناشطين في مجال حقوق النساء والنسويات ونشطاء المجتمع المدني، وطلاب جامعات ومدارس تعسفاً، ووُجهت إلى بعضهم تهمة “العمل ضدّ الأمن القومي”، فقد أصبحت حلقة القمع القاتل هذه في سياق الاحتجاجات مألوفة بشكل مقلق في السنوات الأخيرة.
عامان والانتفاضة مستمرة
وبالرغم من كل ما أنف ذكره تميزت الانتفاضة بقدرتها على بناء تحالف متنوع يتجاوز الانقسامات العرقية والطبقية والمناطقية في معارضة السلطات الإيرانية، فما بدأ كاحتجاج للنساء على استشهاد جينا أميني سرعان ما توسع فشمل مطالب أخرى، مثل العدالة الاقتصادية والحرية السياسية والتغيير، وعلى الرغم من قمع الحكومة للانتفاضة، إلا أن الدوافع الأساسية لا تزال قائمة، وتستمر الفجوة بين الدولة وأجزاء كبيرة من المجتمع في الاتساع.
فإنّ احتجاج النساء في إيران، وحرق الحجاب وقصّ الشعر يمثّل ردود فعل انفعاليّة فوريّة للتعبير عن درجة الغضب النسائي وللتعبير عن الجرأة والشجاعة وتجاوز حدود الخوف من السلطة القمعية. وإذا استشهدت جينا أميني بسبب ما يسمى بقانون الشرف، فهل سيقتل النظام الإيراني كلّ النساء المتظاهرات؟ وهل سيسجنهنّ جميعا؟
مازالت الحركات الاحتجاجيّة متواصلة، وخروج الآلاف إلى الشوارع بعد مرور عامين على الانتفاضة التي حملت شعار “Jin, Jiyan, Azadî” ليتحول إلى أيقونة يوحد المرأة.