سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

انتخاب محافظ كردي لكركوك.. خطوة نحو استعادة التوازن الديمُغرافي التاريخي للمحافظة

كاوه نادر قادر_

بعد انتخابات مجلس محافظة كركوك التي أُجريت في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2023، ظهرت خلافات بين الأحزاب الفائزة والشعوب المتعددة في المحافظة، بشأن توزيع المناصب داخل المجلس، وبدلاً من تخصيصها كاستحقاقات انتخابية للاتحاد الوطني الكردستاني  (PUK) الذي حصل على خمسة مقاعد فقط (أغلبية الأصوات وأغلبية المقاعد)، أصرّت مجموعة من الأعضاء، بما في ذلك ممثلو “الجبهة التركمانية وبعض القوائم العربية السنية وعضوان من الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK”، على ضرورة تدوير منصب المحافظ بين الشعوب المتعددة في المحافظة.
في العاشر من هذا الشهر، اجتمع تسعة أعضاء من المجلس المذكور، بينهم خمسة من الاتحاد الوطني الكردستاني وثلاثة عرب وعضو مسيحي، في فندق الرشيد ببغداد، وخلال هذا الاجتماع، الذي حضره الأغلبية القانونية المطلوبة (50+1)، انتُخِب (ريبوار طه) الكردي من الاتحاد الوطني الكردستاني محافظاً لكركوك، وانتُخِب محمد إبراهيم الحافظ، العربي السني، رئيساً للمجلس. ويمكن القول هنا:
إن انتخاب محافظ كردي لكركوك هو إجراء قانوني يستند إلى نتائج انتخابات مجلس المحافظة التي جرت أواخر العام الماضي، ورغم أن الجبهة التركمانية قاطعت الجلسة ورفعت دعوى أمام المحكمة الاتحادية، إلا أن هذه الدعوى من غير المُرجح أن تؤدي إلى عواقب سلبية، حيث أن القرار يتوافق مع القوانين النافذة، كما يُسلط القرار الضوء على التزام السلطات العراقية الحالية بتطبيق مبدأ التوازن في توزيع المناصب، خاصةً بعد أن تم التصديق على القرار بمرسوم جمهوري في الثالث عشر من شهر آب الجاري، وهو ما يعكس الاستقرار السياسي المطلوب في ظل التوترات المحلية والإقليمية.
وتعكس عودة المنصب لشخصية كرديّة تصحيح الوضع بعد أن أجبرت شخصية عربية شوفينية (راكان سعيد الجبوري) على شغل المنصب لمدة سبع سنوات بعد احتلال القوات العراقية لكركوك في (16 تشرين الأول 2017،) ما أدى إلى تغيير قسري في التركيبة السكانية وتنفيذ قرارات النظام السابق على المناطق الكردية، وفرض سياسات مُجحِفة.
وجاء القرار في العاصمة بغداد بناءً على توصية من السلطات العراقية، ويعكس رفضاً للمحاولات التركيّة للهيمنة على مصير المحافظة وإقصاء الکرد منها. ويُمثّل قرار السلطات العراقية محاولة لضمان عدم تأثر كركوك بالصراعات الإقليمية وتعزيز الاستقرار الداخلي في المحافظة.
كركوك تتمتع بأهمية سياسية واقتصادية خاصة، نظرًا لوجود ثلاثة أحواض نفطية كبيرة، ويُعتبر نفط حوض بابا كركر من بين أفضل أنواع النفط في العالم بعد “باكو وشيكاغو”. تعاني المحافظة من تدخّلات خارجية عديدة (ترکیا وإیران ودول عربیة سنیّة)، غالبها ضد الكرد، مما يُزيد من تعقيد الوضع. ورغم أن الكرد يشكلون أغلبية سكان المحافظة، فإن ولاءهم لحماية واقعهم الديموغرافي والدفاع عن حقوقهم يظل محوريًا في سياق النزاع المستمر، هنا نقول:
إن كركوك هي “قلب ومحمية” كردستان كما يصفها قادة باشور كردستان، وهذا ما يجعلها هدفاً للتدخّلات الإقليمية والدولية والتي غالباً ما تكون ضد الأغلبية الكردية. وإذا لم تتبنَ القيادة الكردية في باشور سياسة حكيمة وتعمل على توحيد صفوفها، فقد تنجح المؤامرات الإقليمية التي تستهدف كردستان، وخاصةً محافظة كركوك. ومن الضروري أن تُركِز قيادة باشور على بناء تحالفات قوية وتطوير استراتيجيات فعالة للمواجهة ومن خلال هذه التحديات؛ فإن الفترة المُقبِلة يجب أن تكون فرصة للعمل بشكلٍ عادل ومُنصِف مع واقع المحافظة وتعزيز التعاون بين كافة الأطراف لضمان مستقبل أفضل، وهذا يتطلب تعزيز الوحدة بين الكرد وتجنب الانقسامات الحزبية الضيقة، ووضع استراتيجيات واضحة لمواجهة التدخّلات الخارجية، والتزام كافة الأطراف بتحقيق الأهداف المشتركة التي من شأنها أن تُساهِم في استدامة الاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة في كركوك. لقد شهدت كركوك تاريخياً محاولات متعمدة لتغيير تركيبتها السكانية، وخاصةً في ظل النظام السابق لصدام حسين، الذي نفذ سياسات التعريب التي أدت إلى تهجير العديد من العائلات الكردية الأصلية وجلب المستوطنين العرب من وسط وجنوب العراق، وكانت هذه الجهود تهدف إلى تغيير الهوية وتعزيز الهيمنة العربية على المدينة ومواردها. وبعد سقوط نظام صدام حسين الإجرامي ضد الكرد والأحرار في العراق. سعى الكرد، الذين يعتبرون كركوك جزءاً لا يتجزأ من إقليم كردستان، إلى استعادة نفوذهم على المحافظة، ويمكن النظر إلى التعيين الأخير لمحافظ كردي، وهو تطور مهم ومثير للجدل في الصراع على هوية المدينة والسيطرة السياسية عليها، كجزء من جهد كردي أوسع نطاقاً لعكس سياسات التعريب السابقة وإعادة تأكيد الوجود والنفوذ الكردي في كركوك. استعادة المنصب انتصار كبير للكرد، ولكن الحفاظ عليه يتطلب العمل بروح من التعاون والعدالة لتحقيق الاستقرار والازدهار في كركوك.