مع اقتراب موعد انتخاب الدورة السادسة لبرلمان إقليم كردستان، لا تلوح في الأفق أي بوادر تغيير، لا على مستوى طريقة إجراء العملية الانتخابية، ولا على مستوى السياسات الداخلية، لتبقى هذه الانتخابات مجرد عرض مسرحي لا يُبنى عليه أي أمل في التغيير.
ويتنافس 1191 مرشحا، من المستقلين والكتل السياسية على 100 مقعد برلماني في إقليم كردستان، في انتخابات ستُجرى في العشرين من شهر تشرين الأول الجاري، وذلك بعد عدة مرات من التأجيل لأسباب لم يتم كشفها للصحافة.
هل من جديد في هذه الانتخابات؟
على مدى السنوات، التي تلت تأسيس الهيكلية الإدارية في إقليم كردستان في أواخر القرن الماضي، جرت خمس عمليات انتخابية لبرلمان الإقليم، إلا أن نتائج هذه العمليات الخمس كانت متشابهة في الجوهر، حتى لو كان هناك بعض الاختلاف في الشكل.
فالأساس في نتائج هذه الانتخابات الخمس هو تفرد سلطات الديمقراطي الكردستاني بمقاليد الحكم في الإقليم، حيث لم يشهد الإقليم أي تغيير حقيقي، سواء في طريقة الحكم، أو في السياسات المتبعة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وذلك كنتيجة طبيعية لبقاء المنظومة ذاتها في طريقة الحكم. فضلا عن ذلك، جرت العديد من عمليات التأجيل، كما حدث مع هذه الانتخابات التي من المقرر إجراؤها بعد عدة أيام، وذلك عندما تحدث خلافات سياسية تكون فيها السلطات الحاكمة غير متأكدة من النتائج، التي تُريد أن تنتج عن الانتخابات. بكلمة أخرى، فإن سلطات الديمقراطي الكردستاني لا تُجري أي انتخابات برلمانية قبل أن تتأكد من أن نتائجها ستكون محسومة لصالح هذه السلطة. وهذا ما يؤكد أن هذه الانتخابات لن تحمل معها أي جديد على الأرض.
نسبة مشاركة متدنية
نتيجة للدوران في حلقة الانتخابات المفرغة دون أي تغيير، فإن العديد من استطلاعات الرأي تُشير إلى أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات ستكون هي الأدنى في تاريخ انتخابات الإقليم، وذلك بسبب فقدان شرائح واسعة من مجتمع الإقليم، لا سيما شريحة الشباب، فقدانهم للثقة بهذه الانتخابات، التي لم تأتِ يوما بأي جديد، ما يدفعهم إلى العزوف عن المشاركة في هذه الانتخابات.
جزء من فقدان الثقة هذا، جاء نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية، التي يعيشها إقليم كردستان، فمعدلات الفقر والبطالة تزداد يوما بعد يوم، كما إن فساد الإدارة أصبح جزءاً رئيسياً من المنظومة الحاكمة دون أي أمل في مكافحته، ضف إلى ذلك مستوى الحريات المتدني في عمل الأحزاب، وكذلك الاعتقالات العشوائية التي تطال معارضي سلطات الديمقراطي الكردستاني.
على المستوى الخارجي، ظلت السياسات المتبعة من سلطات الديمقراطي الكردستاني تنعكس سلباً على شعب الإقليم، وعلى رأس تلك السياسات، تبعية سلطات الديمقراطي الكردستاني لدولة الاحتلال التركي في مختلف المجالات، لا سيما في الحرب ضد حركة التحرر الكردستانية، حيث مهدت لها الطريق لاحتلال أراضي باشور كردستان، في هدف واضح وعلني لجعل باشور كردستان ولاية تركية، ناهيك عن القواعد العسكرية التركية التي تزداد سنة عن الأخرى، إلى جانب فتح المجال لإقامة شركات تجارية وصناعية فيها، حيث أصبح الاقتصاد في باشور كردستان بيد دولة الاحتلال التركي التي تتحكم بالشعب هناك من خلال تلك المنشآت الصناعية والتجارية، وبذلك تسعى سلطات الديمقراطي الكردستاني إلى العمل لصالح عائلة البرزاني من جهة ولصالح دولة الاحتلال التركي من جهة أخرى، لتضع مصالح الشعب في ظرف مختوم موضوع على رف.
وبذلك بقيت النتائج لانتخاب خمس دورات سابقة من برلمان الإقليم متماثلة دون جديد يلوح في الأفق، أي أن هذه الدورات الخمس، لم تكن لنتائج انتخاباتها أي تأثير على الخط العام المتبع في الإقليم، على الرغم من هول الدعايات الانتخابية التي توعد دائما بتغييرات جذرية في السياسات المتبعة في الإقليم.
هذه الأمور وغيرها، نتج عنها اتخاذ شرائح واسعة من المجتمع قرار عدم المشاركة في هذه الانتخابات، وذلك نوع من أنواع الاحتجاج السلمي على سياسات سلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني، والمطالبة بانتخابات حقيقية تفضي إلى تغييرات ملموسة على أرض الواقع، تُثبت أن عمليات الانتخاب لن تكون مجرد استنساخ عن انتخابات سابقة لم تخرج من الإطار الشكلي.
انتخابات نزيهة وشفافة؟
لا يزال الشك يدور حول نزاهة وشفافية انتخابات برلمان إقليم كردستان، فهناك العديد من العوامل، التي تشي بأن هذه الانتخابات، كما سابقاتها، ستفتقد عنصر النزاهة والشفافية، سواء في عملية التصويت أو خلال عملية فرز الأصوات، وذلك بالرغم من اعتماد قانون انتخابات جيد نسبياً على الورق في إقليم كردستان.
من بين عوامل أخرى، يلعب المال السياسي دوراً محورياً في ضرب نزاهة أي عملية انتخابية، حيث أن الأحزاب الأكثر نفوذا في الإقليم، تتمتع بقدرات مالية ضخمة مقارنة ببعض الأحزاب الأخرى، لا سيما الأحزاب الناشئة لتوها، لذلك تُسخر الأحزاب ذات الميزانية المالية العالية مبالغ ضخمة للتأثير على أصوات الناخبين وحثهم على انتخاب مرشحي هذه الأحزاب، الأمر الذي يسد الطريق على الأحزاب ذات الميزانية المالية المنخفضة، وذلك على الرغم من أن قانون الانتخابات المعمول به ينص على ضرورة تأمين فرص متساوية للمرشحين كافة، وعدم اللجوء إلى المال السياسي أثناء الدعاية الانتخابية.
إلى جانب ذلك، تسيطر الأحزاب التقليدية في الإقليم، لا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني على غالبية وسائل الإعلام فيه، الأمر الذي يساعدهم على توجيه الناخب من خلال حملة إعلامية واسعة تؤثر بشكل كبير على قرار الناخب في انتخاب ممثله في البرلمان.
ضف إلى ذلك، استخدام أسلوب الترهيب على العاملين في الوظائف الحكومية في إقليم كردستان، سواء كانت مؤسسات مدنية أو عسكرية أو أمنية، حيث يُجبر العاملون على انتخاب مرشح أو قائمة معينة تحت ضغط التهديد والوعيد بإجراءات عقابية في حال تمت مخالفة التعليمات الصادرة عن الحزب الحاكم.
هذه الأمور كلها، تُثبت أنه لا مكان للبرامج الحقيقية في انتخابات الإقليم، بحيث يُسمح للناخب انتخاب ممثليه في البرلمان بناء على برامجه وخططه التي يعد بتنفيذها، وإنما يبقى المعيار الأساسي للفوز بالانتخابات هو الميزانية المالية لكل كتلة أو مرشح مستقل.
من جهة أخرى، فإن غياب وجود أي جهة دولية للإشراف والمراقبة على هذه الانتخابات، واقتصار هذه المهمة على لجان محلية، يفتح الباب واسعا أمام التلاعب في عمليتي الانتخاب وفرز الأصوات، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى الشكوك حول نزاهة هذه العملية، وبالتالي حسم نتائجها حتى قبل أن تُجرى.
ضرورة المشاركة الواسعة
تتميز هذه الانتخابات نسبياً عن سابقاتها بوجود عدد أكبر من الأحزاب السياسية، للانشقاقات التي شهدتها بعض الأحزاب التقليدية، الأمر الذي سيؤدي حكما إلى تشتت أصوات الناخبين بين الأحزاب المشاركة، وذلك بالرغم من عدم التعويل الكبير على إحداث تغيير يُذكر في هذه الانتخابات.
ولكن بالرغم من ذلك، يتعين على هذه الأحزاب الانخراط في هذه الانتخابات بشكل فعال، بهدف قطع الطريق أمام الأحزاب المهيمنة على الساحة، والتي من خلال ممارستها القمعية تَسلب الناخب حقوقه الديمقراطية.
مشاركة هذه الأحزاب، من خلال برامج حقيقية تلبي تطلعات المواطن، هي مسألة مهمة لمستقبل شعب الإقليم، فطرح برامج حقيقية، حتى لو لم تُثمر في الانتخابات الحالية، فإنها تؤسس لعملية تغيير جذري في بنية الحكم في إقليم كردستان، وستساعد على إعادة إحياء الحياة السياسية في الإقليم بالرغم من محاولات الحزب الحاكم لإبقاء الوضع على ما هو عليه.
بضعة أيام وفي انتظار أن تحسم الأمور، لتُكشف أي من كفتي الميزان ستعلو على الأخرى، سلطة الديمقراطي الكردستاني، أم الإرادة الشعبية.