سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

امرأة من حلب تؤمّن قوت عائلتها من قيادة سيارة الأجرة

منذ عشر سنوات وهي تعمل كسائقة لسيارة أجرة في مدينة حلب. الظروف المعيشية “الصعبة جداً” وفق ما تقول “أم “النور” هي التي دفعتها إلى مزاولة مهنة محتكرة بعض الشيء على الرجال، خاصةً في مدينة ذات طابع محافظ.
تبلغ “ناديا” المعروفة بـ”أم النور” (54) عاماً، وتقيم في حي صلاح الدين بمدينة حلب، وكانت لحادثة مصرع ابنها البكر في ريف حمص أثناء تأديته لخدمته العسكرية في العام 2015، أثر في تحولها إلى مزاولة مهنتها الجديدة، وذلك بعد أن تركت عملها السابق كموزعة موسيقية (دي جي) في حفلات النساء بالأعراس الحلبية.
“أقود التكسي منذُ تسع سنوات”
قبل ذلك فقدت “أم النور” زوجها في العام 2011 إثر نوبة قلبية، تاركاً لها خمسة أطفال، فكان عليها أن تعيل نفسها وعائلتها وتواجه مسؤولية تربية أولادها الخمسة فعملت بمهنة قيادة التكسي منذ أكثر من تسع سنوات بحسب ناديا.
ومنذ بداية عام 2014 ازداد تدني الوضع المعيشي لسكان حلب بسبب تداعيات الحرب السورية وعدم قدرة الحكومة السورية على توفير فرص عمل وزيادة رواتب الموظفين، إلى جانب فقدان أعداد كبيرة من الذكور نتيجة المعارك الدائرة، مما أجبر النساء على امتهان أعمال لم يعتدن عليها من قبل، من أجل تلبية احتياجات عائلاتهن.
الأولى والوحيدة التي تعمل كسائقة في المدينة
ومنذ ذلك الوقت باتت حالة ناديا ظاهرة لافتة بمدينة حلب، بيد أن الكثيرين وجودوا في حالتها أمراً غير مرغوباً به، إذ كيف لامرأة أن تقود سيارة أجرة (تكسي)؟!، لكن رويداً رويداً تمكنت، من فرض رغبتها في العمل واكتساب احترام محيطها، ليتقبلها الشارع الحلبي وتغدو الأولى والوحيدة التي تعمل كسائقة في المدينة.
أحبت عملها رغم الانتقادات التي وجهت إليها من المحيط لكنها فضلت الاستمرار بعملها لتكتسب بعدها احترام الجميع وقبولهم فكرة ممارسة المرأة لهذه المهنة.
وتواظب على الاستيقاظ باكراً كل يوم، وتتفقد سيارتها قبل الانطلاق إلى العمل وسط  شوارع وأحياء مدينة حلب، فتبدأ بنقل ركابها حسب وجهتهم دون تمييز بين الرجال والنساء.
ولا تخفي ناديا أن بعض النساء ممن يركبن معها يعبّرْن عن إعجابهن بشجاعتها ويتمنّيْن أن يكنّ مثلها في قيادة السيارة.
واكتسبت مع طول أمد مزاولتها لمهنتها أصدقاء من سائقي سيارات الأجرة “التكاسي” الذين يتعاملون معها بطريقة لائقة، وما أن يرونها واقفة بسبب عطل، حتى يهرعون إلى تقديم المساعدة من أجل حل مشكلتها.
تقول عن عملها لوكالة نورث بريس: “بات لديّ زبائن خاصين يتصلون بي دائماً، ومن بينهم نسبة كبيرة من النساء، وهذا ما يشعرني بالسعادة”.
مصممة على متابعة عملها
وخلال سنوات الأزمة السورية فقدت كثير من العائلات في مناطق سيطرة الحكومة السورية، معيلها، بسبب الخطف أو الاعتقال أو القتل، حيث بلغت نسبة الذكور من وفيات الحرب السورية نحو 82 %، وفق دراسة لـ “مركز دمشق للأبحاث والدراسات” (مداد) الموالي للحكومة، صدرت العام 2017.
وتحاول “أم النور” أن تكون مثال لغيرها في مواجهة قساوة الحياة وعدم الاستسلام للظروف السيئة التي تمر بها العوائل بسبب التدهور المعيشي والتراجع الاقتصادي الناتج عن انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي.
وبحسب ما أكدته فأنها لم ترغب أن تكون عرضة لاستجلاب الشفقة، بل على العكس حاولت أن تغيّر من نظرة مجتمعها تجاه المرأة العاملة، مختارةً العمل كسائقة سيارة أجرة، حتى أثبت قدرتها على القيام بأعمال ظلت محتكرة على الرجال.
وتقيم “أم النور” حالياً مع ابنتها الصغرى التي تدرس في كلية الهندسة المعمارية بجامعة حلب، بعد أن تزوج أبناءها الثلاثة، وهي لا تزال مصممة على متابعة عملها إلى حين ما يسمح لها جسدها على التحمّل.