سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الوطن الديمقراطي والوطنية

محمد طه قاسم_

يُعدُّ مفهوم الوطن في العصر الحجري (النيولتيك) بداية تشكّل الزراعة والثقافة، وقبل هذا العصر كان العالم يعيش في مجموعات بشرية تُسمى (الكلانات)، كانت تعيش حياة الترحال والتنقل بحثاً عن مطالب الحياة.
إذاً لا يمكن أن نقول بأن مفهوم الوطن ظهر مع وجود البشرية الأولى، وتعتبر بلاد الرافدين أول مهد لتشكل البشرية الأولى؛ لأن فيها جميع مقومات الحياة “جغرافية وطبيعية” ساعدت على الاستقرار وامتدت تلك الجغرافية إلى جميع مناطق الشرق الأوسط، وهذا يُفسر لنا كيف امتدت يد السلطة العالمية للسيطرة عليها وخلق حروب وأزمات ومشكلات فيها.
وهنا نلاحظ جغرافية كردستان التي تمتلك جميع مقومات الحياة الطبيعية والبشرية وتملك ثروات باطنية هائلة من نفط وغاز ومعادن وغيرها كما أنها تملك أنهاراً غزيرة، لذلك يد العدو تتطاول إليها وهي بين أربع دول استعمارية.
فالوطن هو قطعة أرض جغرافية خُلقت وأسست عليها جميع القيم الأخلاقية والإنسانية وتعاقب عليها الأجداد والآباء والأبناء على مرِّ الحياة، بينما الوطنية هي أن تُحِب وطنك وتدافع عنه بشتى الوسائل الإنسانية وحمايته من الهجمات الخارجية والداخلية وأن تُضحي بنفسك من أجل حماية وطنك.
فالإنسان المُحِب لوطنه لا يستطيع العيش خارج وطنه؛ لأنه متمسك بكل ذرة من ترابه، ويسعى لبناء مجتمع سليم مُعافى من جميع الأمراض، ويكافح ليبقى وطنه طليعة في جميع المجالات السياسة والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
وهنا نبيّن كيف قدَّمت بعض الشعوب المضطهدة التضحيات الجِسام من أجل تحرير أوطانهم، وأكبر مثال “فيتنام” التي قاوم شعبها ببسالة وشجاعة لا نظير لها ووضعوا شعاراً لهم “لا نهاب الجوع ولا قصف الطيران فلتمتزج
 عظامنا مع عظام أجدادنا في هذه الأرض ولن نبرح أوطاننا”، كما أن دولة الجزائر قدَّمت مليون شهيد لنيل حريتها وكرامتها، والشعب الفلسطيني قاوم ومازال يقاول لنيل حريته وكرامته وتحرير أرضه، والهند مرّت بتجربة غنية بالتلاحم والثقافة والتعاضد بقيادة (المهاتما غاندي) الذي كافح من أجل الحرية بالطرق السلمية مستنداً إلى روح المقاومة، ولا ننسى التضحيات الكردستانية من أجل نيل حق الحرية والعدالة والاستقلال؛ فمنذ ما يزيد عن 100عام والشعب الكردي يكافح ويناضل من أجل حقوقه وهو بين أربع دول استعمارية قوموية.
يقول قائد الإنسانية عبد الله أوجلان: “المرأة الحرة تعني الوطن الحر” فالإنسان الحر يعني مجتمع حر ووطن حر، والشعب الكردي قدّم آلاف الشهداء ومازال يُقدم كي يعيش في وطنٍ يسوده الأمن والأمان والاستقرار. فالوطن المشترك (الوطن الديمقراطي) لا يتألف من أمة واحدة ولغة ودين واحد، بل يتألف من شعب متعدد اللغات والقوميات والأديان، فهذا هو الوطن الأكثر واقعية لأنه يُلبي متطلبات التكامل والتآخي والتعايش ويعمل على حماية هذه المتطلبات والانتماء إلى مجتمعٍ واحد تسوده العدالة والمساواة وأكبر مثال يُحتذى به بوطنٍ مشترك (شمال وشرق سوريا).