في التاسع عشر من حزيران المنصرم اجتمع مجموعة من الكتّاب والمثقفون الكُرد في مدينة قامشلو تلبية لدعوة اللجنة التحضيرية التي انبثقت عن اتحادات للكتاب والمثقفين الكرد لبحث الأوضاع الراهنة والحوار الكُردي- الكُردي.
إلا أن الاجتماع لم يكن بمستوى الخطاب الذي دعت إليه اللجنة التحضيرية، والتي كشفت اللثام في اجتماعها تلك عن تخبطها، وسوء إدارتها للاجتماع، وكذلك عن عدم التنسيق الواضح فيما بين أعضائها، حيث العقلية الشخصانية والاستعلائية في الإدلاء بالآراء من جانب بعض أعضاءها دون أي احترام لحرمة رفاقهم في اللجنة الذين أداروا الاجتماع.
الاجتماع بحد ذاته لم يكن ذو برنامج أو هدف معين، بل كان أشبه بمهرجان خطابي شعاراتي، لا أفكار واضحة أو مقترحات مفيدة، كل يغني على ليلاه، وبالنتيجة انتهى الاجتماع دون أي فكرة واضحة أو قرار، وأصبح الحاضرون ومنهم أعضاء اللجنة يلومون بعضهم على مجريات الاجتماع.
ويبدو أن التخبط الذي جرى كان سببه توصل الأطراف السياسية الكُردية إلى تفاهمات مشتركة قبل وصول المثقفين الكرد إلى أي صيغة مشتركة فيما بينهم لمجاراة السياسيين في مسعى بناء المرجعية الكردية، حتى يكون لهم ممثلون في هذا المرجعية المفترضة.
إذاً أصبح واضحاً ما يسعى إليه مجموعة المثقفين الذي طرحوا فكرة توحيد المثقفين الكُرد ودورهم في بناء الوحدة الكردية. فاللجنة التحضيرية قد تدعوا في أي وقت إلى اجتماع عام للكتّاب والمثقفين الكُرد، وإصدار موقف مشترك لمن يحضر تلك الاجتماع، وترشيح ممثلين عنهم في المرجعية الكُردية المفترضة.
مع العلم أن تلك اللجنة المنبثقة عن تلك النشاط تمثل أقلية في المشهد الثقافي والأدبي الكُردي ككل، فهناك الكثير من الاتحادات والنقابات والمؤسسات الثقافية، إضافة إلى كتاب وفنانين ومثقفين مستقلين كثر غير مشاركين فيها.
وبما أن هذه المرجعية رهينة توافقات الأطراف السياسية الكُردية، فإن توجه المؤسسات الثقافية بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها إلى تشكيل إطار أو مظلة ثقافية مشتركة ينبغي أن يكون مستمراً دون توقف، لأن التحديات والأخطار الراهنة تستدعي الاستعجال بتعزيز وتمتين الصف الداخلي في شمال وشرق سوريا سواء كان سياسياً أو مجتمعياً ثقافياً، فالتهديدات التركية باحتلال بقية مناطق شمال وشرق سوريا جدية، وبالتالي سياسات الإبادة والتهجير بحق الكُرد والعرب والسريان تجري على قدم وساق من قبل الاحتلال التركي، ولهذا لابد من التحصين الداخلي في مواجهة تلك التهديدات وبالسرعة القصوى. وعليه ينبغي الاستعجال بمهمة توحيد الجبهة الثقافية في شمال وشرق سوريا ككل وليس فقط بالنسبة لفئة معينة أو شعب معين، واستغلال الوقت نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية الشاملة.
فتشكيل المظلة الثقافية في شمال شرق سوريا ستكون بمثابة وحدة للصف الثقافي الكُردي، السرياني، العربي، في آن واحد. وتحقيق هذا المسعى سيعتبر إنجازاً ومكسباً عظيماً للكرد والساحة الثقافية الكُردية وكذلك لشعوب شمال وشرق سوريا ككل من السريان والعرب.. الخ. فمن خلال تلك المظلة يمكن للطاقات الثقافية كلها لعب دور ريادي في المجتمع وتحصين الجبهة الثقافية.
إن الاحتلال التركي الذي يستمر بأعمالها العدوانية بحق الشعوب الكُردية والسريانية والعربية على مرأى من العالم، تستهدف التاريخ والثقافة والحضارة الأصيلة في المنطقة، ولذا نحن مضطرون للدفاع عن وجودنا حتى الرمق الأخير. والوحدة السياسية والثقافية المشتركة لشعوب شمال وشرق سوريا هي جزء ومبدأ أساسي في استراتيجية مواجهة التحديات والأخطار في هذه المرحلة الحرجة.