في الوقت، الذي تجاوزت فيه سلطات الاحتلال التركيّ حالة القصف اليوميّ قرى في باشور كردستان، إلى الاحتلال المباشر من خلال عشرات القواعد العسكريّة، وإنشاء المزيد من الحواجز ومنع الأهالي من العبور، تداولت مواقع إعلاميّة تفيد بنقل مرتزقة سوريين للقتال في باشور كردستان. وفيما عدا بيان رفض من الحكومة الاتحاديّة بمراعاة علاقات حسن الجوار، لا توجد مواقف حازمة من بغداد وهولير تتناسب مع حجم الانتهاك للسيادة الوطنيّة.
مرتزقة سوريون للقتال في باشور كردستان
قال مدير المرصد السوريّ لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، الثلاثاء 23/7/2024 “إنّ نحو 400 مقاتل من مرتزقة الحمزات وسليمان شاه” العمشات الموالين لتركيا”، يقاتلون كقوةٍ مشتركة في جبال باشور كردستان، إلى جانب جيش الاحتلال التركيّ”. وذكر أنّ المرتزقة السوريين، بدؤوا فعلياً المشاركة بالمعارك، وجرى زجهم في القتال مقابل رواتب ماليّة مرتفعة تتراوح بين 2500 – 3000 آلاف دولار أمريكيّ.
مدير المرصد، أشار إلى وقوع عدد من هؤلاء المرتزقة أسرى بيد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، في باشور كردستان. واتهم المرصد السوري لحقوق الإنسان، السلطات التركيّة بإرسال مرتزقة سوريين من مرتزقة “الجيش الوطني” التابع لما يسمى بالائتلاف السوري المعارض الموالي لأنقرة، للقتال في ليبيا وأذربيجان ومؤخراً في النيجر.
في 25/7/2024 ذكرت شبكة عفرين بوست: “أنّ الجهات الأمنية في مرتزقة السلطان مراد” تقوم بتسجيل أسماء من يرغب من المسلّحين للالتحاق بدفعة جديدة من المرتزقة، ومقرّها مبنى المالية سابقاً في حي عفرين القديمة بمدينة عفرين، لأجل إرسالهم للقتال إلى جانب الجيش التركيّ ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني بجبال قنديل، وغيرها في باشور كردستان، على غرار تلك التي أرسلت إلى ليبيا، وأذربيجان، والنيجر”.
وذكر مركز توثيق الانتهاكات نقلاً عن مصادر موثوقة قيام الاحتلال التركيّ منذ أشهر بتجنيد سوريين، ونقلهم للقتال في باشور كردستان مقابل مبالغ مالية، مستغلاً تفشي البطالة والفقر وسوء الأحوال الاقتصادية، ويتم تدريب المرتزقة وتجهيزهم في معسكرات داخل الأراضي السوريّة، وتزويدهم بالأسلحة والمعدّات العسكريّة، ونقلهم إلى باشور كردستان. وأشار المركز إلى أن أغلب المرتزقة، الذين نُقلوا إلى باشور كردستان، هم من مرتزقة “الحمزة وسليمان شاه”. وذكر المركز أيضاً أنّ أكثر من 300 مرتزق من داعش استقروا في منطقة “برواري بالا” بمحافظة دهوك في باشور كردستان، حيث يتخذون من القواعد العسكرية التركيّة مقرات لهم.
تجنيد الكرد في عفرين المحتلة
كشفت شبكة دار نيوز الإعلامية الجمعة 26/7/2024، خفايا موضوع طرد عبد الرحمن آبو من صفوف الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ، وقالت: إنّ الحزب طلب منه العودة إلى مدينة عفرين للإشراف على عمليات تجنيد الشباب الكُرد، لا سيما الفقراء ضمن صفوف مرتزقة “الحمزات وسليمان شاه “العمشات” لأن عبد الرحمن آبو يحظى إلى حدٍ ما بثقة قواعد الحزب هناك. وقد قبل بالمهمة في البداية معتقداً أن ذلك سيؤمّن حماية الكُرد في عفرين. ولكنه تراجع بعدما عَلِمَ أنّ هدف التجنيد إرسالُ الشباب الكُرد للقتال ضد حزب العمال الكردستاني، ولن يبقوا في عفرين. وبفشل “عبد الرحمن آبو” بتنفيذ المهمة أُسندت مهمة تجنيد الشباب الكُرد إلى “مؤسسة بارزاني الخيرية”. والتي بدأت بمساهمة فعليّة بتجنيد المرتزقة التركمان في مدينة عفرين المحتلة تركيا لإرسالهم إلى باشور كُردستان مقابل رواتب شهريّة مقدراها 2500 دولار أمريكيّ.
وذكرت المصادر، أنَّ مؤسسة بارزانيّ بدأت عملية تجنيد المرتزقة منذ يومين فقط. بعد عشرة أيام من حضور رئيس مؤسسة بارزاني الخيريّة المدعو «موسى أحمد» اجتماعاً قبل نحو عشرة أيام برفقة قائد مرتزقة الحمزة “سيف بولاد/ أبو بكر”، ومتزعم مرتزقة سليمان شاه المدعو “محمد الجاسم أبو عمشة” مع زعيم حزب الحركة القومية المتطرف «دولت بهجلي» الذي يقود منظمة “الذئاب الرمادية” منذ عام 1997. وخلال الاجتماع طلب “دولت بهجلي” تجنيد وتجهيز عناصر من التركمان في الشمال السوريّ وخاصةً من مدينة عفرين، وتجنيد الشباب الكُرد.
قصف القرى
ذكرت وكالة روج نيوز السبت 27/7/2024، أنّ قرية جيفركي بناحية جمانكي في محافظة دهوك بباشور كردستان تعرضت لقصفٍ مكثفٍ من جيش الاحتلال التركيّ، واستهدفت الغارات الجويّة التركيّة سلسلة جبال أسوس، ومناطق بالكايتي وقصري وماوت وبرادوست في باشور كردستان.
وشهدت مناطق في محافظة هولير بباشور كردستان، الجمعة 26/7/2024، قصفاً عنيفاً من جيش الاحتلال التركي، ما أسفر عن اندلاع حرائق كبيرة في القرى المحيطة. وأضرار جسيمة للمنازل والممتلكات الزراعية، وأجبر بعض الأهالي إلى إخلاء منازلهم واللجوء إلى مناطق أكثر أماناً. وانتشرت الحرائق بسرعة كبيرة بسبب الرياح. وقصفت الطائرات التركيّة مواقع في خاكورك؛ ما أسفر عن أضرار مادية كبيرة بممتلكات القرويين. من جهة أخرى أُسقطت يوم الجمعة طائرة مسيّرة تابعة للاحتلال التركيّ على جبل متينا في محافظة دهوك بباشور كردستان.
وشنت الطائرات الحربية التركيّة، الجمعة 25 تموز الجاري، سلسلة غارات مدة ساعتين مستهدفة مناطق بربزين، وبانكشوك، وسنين، وتارسا، وجبل روبى، وليتان، وبن قراتي ضمن حدود برادوست التابعة لمحافظة هولير. ما تسبب باندلاع حرائق واسعة النطاق في الغابات والأراضي الزراعية، وألحق أضراراً جسيمة بالبيئة والزراعة المحلية.
في 25/07/2024 شهدت قرى جبل آمدية بمحافظة دهوك قصفًا مكثفًا من جيش الاحتلال التركي. وسبب القصف أضراراً مادية جسيمة لعدد من المنازل، ما أجبر بعض الأهالي للفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان. ومساءً قصفت طائرات دولة الاحتلال التركي قرية بوكريسكان التابعة لبنارى قنديل بشكل مكثف.
ويوم الخميس 24 تموز الجاري، نصبت قوات أمنية تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني سيطرة مستحدثة في كلي قنتارا في منطقة باكيرا، على الطريق الرابط بين مركز محافظة دهوك وقضاء آميدية. وهذه السيطرة تابعة ظاهرياً لقوى الآسايش، لكن في الحقيقة هي تتبع لغرفة العمليات الأمنية المشتركة بين جهاز الباراستن والاستخبارات التركيّة. ووفقًا للمصدر، فإن الإجراءات الأمنية المتبعة في نقطة التفتيش هذه تشبه تلك المتبعة على الحدود بين دولتين، وليس بين قضائين داخل حدود المحافظة نفسها.
وأوضح أن حاسوب البيانات الأمنية في هذه السيطرة لا يحتوي على أسماء الإرهابيين والقتلة والمجرمين، بل يتضمن بيانات الثوار والنشطاء والوطنيين الكرد المطلوبين من الاستخبارات التركيّة. وأشار المصدر إلى أن نقطة التفتيش تتعمد مصادرة المواد الغذائية من المواطنين العزل لمنع وصول الإمدادات إلى قوات الكريلا.
وفي تأكيد جديد على التدخل العسكريّ التركيّ والسلوك الاحتلاليّ في إقليم كردستان، أظهرت لقطات جديدة قيام الجيش التركي المحتل بالتدقيق في الهويات الشخصية لأهالي محافظة دهوك وإقامة نقاط تفتيش في منطقة برواري بالا قرب قضاء الآمدية.
موقف لا يرتقى لمستوى التهديد
منذ الخامس عشر من حزيران، بدأت تركيا عملية احتلالية جديدة في باشور كردستان بمشاركة نحو ألف جندي و300 دبابة ومركبة مدرعة. وقد احتل الجيش التركي حتى الآن 75% من أراضي محافظة دهوك، إلا أنّ السلطات الاتحادية في بغداد والمحليّة في إقليم كردستان تواصلان التزام الصمت حيال تحركات جيش الاحتلال التركيّ الواسعة في بلدات ومناطق واسعة من الإقليم خصوصاً في محافظة دهوك. ولم تتخذ حكومتا بغداد وهولير أيّ موقف رسميّ حازم ضد هذه الهجمات، وباستثناء إعلان مجلس الأمن الوطنيّ الاتحاديّ في 10/7/2024، رفضه عملية التوغّل العسكريّ التركيّ داخل الأراضي العراقية، ومطالبته أنقرة مراعاة مبادئ حسن الجوار، ولم يصدر عن بغداد أو هولير أيّ موقف رسميّ بشأن العملية الجديدة، الأمر الذي يفسره مراقبون بالقبول الضمنيّ من بغداد وعجز هولير عن إمكانية وقف التحركات التركيّة بحسب صحيفة الشرق الأوسط.
الخميس 25/7/2024 أعلن المرجع الديني الشيعي في النجف الأشرف، سماحة الشيخ بشير النجفي، رفضه القاطع السياسة التركيّة في تعاملها مع العراق، وخاصة فيما يتعلق بموضوعي المياه والتدخل العسكري.
جاء ذلك خلال لقاء جمع سماحة الشيخ بشير النجفي مع السفير التركيّ، حيث أعرب عن استيائه الشديد من السياسة التركيّة: “نرفض بشكل قاطع السياسة التركيّة في تعاملها مع العراق في موضوعي المياه، والتدخل العسكري الذي طال مواقع عراقية على مر السنوات الماضية”.
شعبيّاً تصدر يوم الأحد 30/6/2024، هاشتاغ “#تركيا_تحتل_دهوك” الترند العراقي على منصةX بعد توغل الجيش التركيّ في محافظة دهوك بإقليم كردستان. وذلك بالتزامن مع قصف مكثف أدى إلى نزوح الأهالي من القرى واندلاع حرائق كبيرة في المنطقة.
وفي خطوةٍ استفزازيّة علّقت لافتات مكتوب عليها بالعربيّة “ممنوع الدخول إلى الأراضي التركية” في قرى منطقة برواري بالا، ما أثار استياء وغضب السكان المحليين. وكان المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، سعدي أحمد بيره، قد كشف في تصريح رسميّ في 2/7/2024، وجود أكثر من 300 إرهابيّ من داعش في منطقة برواري بالا.
قواعد الاحتلال التركيّ في باشور كردستان
على مدى أسابيع، تواصل دولة الاحتلال التركيّ إرسال آلاف الجنود ومئات المدرعات والدبابات إلى محافظة دهوك في باشور كردستان. ونصبت مؤخراً حواجز أمنية في العديد من المناطق بالتزامن مع القصف العنيف على المنطقة، ما أدى لنزوح السكان من تلك المناطق.
وأعلنت منظمة “سي بي تي” الأمريكيّة الحقوقيّة الناشطة في باشور كردستان، السبت 20/7/2024، قيام تركيا نشر قواتها العسكريّة في مناطق عدة ضمن سلسلة جبل متينا الموازية لجبل كاره الذي يتمتع بأهمية استراتيجية في محافظة دهوك.
ونقلت وسائل إعلام كرديّة، عن مسؤول قسم حقوق الإنسان في المنظمة، كاميران عثمان، أنّ الجيش التركيّ أنشأ سبعة مواقع عسكريّة جديدة في قضاء باتيفا، التابع لإدارة منطقة زاخو المستقلة، كما أنشأ نقطتين عسكريتين في منطقة نهيلي على سفح جبل متينا.
وسبق أن قدمت المنظمة العام الماضي، إحصاءات حول عدد القوات والمقار التركيّة الموجودة في مدن باشور كردستان العراق ومناطق أخرى غير خاضعة لحكومة الإقليم، وقالت إنّها تتوزع في مناطق متفرقة؛ إذ يوجد في محافظة هولير 14 مقراً عسكريّاً، و12 مقراً في سيدكان، واثنان في ميركسور.
وفي دهوك يوجد 41 مقراً عسكريّاً، 23 منها في مناطق شيلادزي، وكاني ماسي، وبامرني، وديرلوك، في حين تثبت 18 مقراً في قضاء زاخو.
تعاني تركيا من أزمات اقتصاديّة وسياسيّة كبيرة، وحزب العدالة والتنمية AKP مأزوم سياسيّاً بعد الانتخابات البلديّة التي كشفت عن تراجعٍ حادٍ في شعبيته، كما تكشف استطلاعات الرأي الأخيرة مواصلة الانحدار في خطه البيانيّ لشعبيته، ولذلك يلجأ للمشاغلة، ويحاول الإيحاء للأتراك بأنّه بصدد إنجازات كبيرة يصرف عوائدها في الداخل تحت العناوين المعهودة المتمثلة بالأمن القوميّ ليرمم شعبيته، وعملياً هي محاولة تصدير المشكلة خارج الحدود واستعادة نتائج العمل العسكريّ على أنّها انتصارات، إلا أنّ الخطة لم تنجح، فالعملية العسكريّة تواجه يوميّاً مقاومة كبيرة ويتكبد الجيش التركيّ خسائر كبيرة وخاصة فيما يتصل بالكمائن وإسقاط الطائرات المسيّرة والحوامات، وستزيد هذه الخسائر أعباء النظام التركيّ، وستكون لها ارتدادات عكسيّة، ولذلك لجأ إلى الارتزاق وتجنيد سوريين.
يمكن للعراق طرد جيش الاحتلال التركيّ الغازي، والهجمات التركيّة تفرض تهديداً كبيراً للسيادة الوطنيّة العراقيّة، على اعتبار أنّ باشور كردستان جزءٌ من الجولة الوطنيّة والعدوان على الجزء يعني انتهاك سيادة الكل، الأمر الذي يفترض تجاوز القضايا الخلافيّة وتوحيد الموقف إزاء العدوان اليوميّ. وكرديّاً يجب ترتيب البيت الداخليّ الكرديّ، ولا يمكن تصور أنّ عداء أنقرة يقتصر على طرف كرديّ بعينه، بل ما يحدث هو استثمار الخلاف الكرديّ وتأجيجه في سياق عداء الكرد على اختلاف الجغرافيا.
بالمجمل تهدف الهجمات العسكريّة التركيّة إلى تقويض سيادة العراق والإقليم، ويجب على الحكومة الفيدرالية العراقيّة والحكومة الاتحاديّة أن تتخذ كلّ الإجراءات وفق القانون الدوليّ في صيانة سيادته الوطنيّة وحماية حدوده، وعليها التعاون مع حكومة إقليم كردستان لاتخاذ موقف حازم، ويفترض على جميع القوى السياسيّة العراقيّة اتخاذ موقف واضح ضد هذه الهجمات، وفق مقتضيات مشروع وطنيّ مشترك يحمي الحدود من الهجمات التركيّة المتكررة.