قامشلو/ آرين زاغروس ـ قتل وإعدام، قوانين تنتهك الحقوق، حرق وطعن، تفنن النظام الإيراني بإيذاء المرأة وانتهاك حقوقها، وتغليفها في مجتمع يسوده السواد في كل ما يتعلق بها، وتبقى المقاومة نافذة الأمل التي تطل منها المرأة الإيرانية للمستقبل.
في القرن الواحد والعشرين، والذي سمي قرن حرية المرأة، تسعى النساء لكسر قيود العنف والاضطهاد. ولكنها؛ تبقى عالقة في زوبعة الأنظمة الاستبدادية وشماعة الفكر الذكوري السائد في مناطق الشرق الأوسط وفي خضم الثورات، التي اندلعت للمطالبة بجزء من حقوقها ومكانتها واجهت القتل والقوانين الجائرة التي تنتهك حقوقها، وفي الكثير من الدول وعلى رأسها إيران، فكانت المرأة ضحية للعادات والتقاليد والسلطة.
العنف وشماعة الشرف
فلم تعد حالات القتل والانتحار مستغربة في الشارع الإيراني، إذ لا يمر أسبوع دون ظهور جريمة عنف جسدي أو جنسي أو نفسي ضد المرأة على وسائل التواصل الافتراضي والإعلامي، ويتزايد العنف الممنهج ضد المرأة وبأشكال مختلفة، فتمكين الأشخاص ذوي النظرة التقليدية من خلال تمهيد المسارات القانونية لقتل النساء باسم “الشرف” هو أحد طرق قمع المرأة بضوء أخضر من السلطات.
هذا وذكرت صحيفة “شرق” الإيرانية في تقرير لها أن 27 امرأة قتلت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي بذريعة الشرف، ورصدت هذا العدد من حالات القتل المعلن عنها عبر وسائل الإعلام، لكن العدد الواقعي لقتل النساء أو حالات الانتحار أكبر بكثير من هذا العدد، ولم تصدر أي تقارير عنه بشكل متعمد.
وبالرغم من ذلك ليس لدى إيران قانون بشأن العنف الأسري لمنع الانتهاكات وحماية الضحايا، وأفادت الصحيفة، استنادا إلى إحصائيات رسمية، أن 165 امرأة على الأقل قُتلت في إيران على يد أفراد الأسرة الذكور من عام 2021 حتى 2023، بمعدل جريمة قتل واحدة من هذا النوع كل أربعة أيام.
واختلفت أسباب القتل ومنها: “خلافات عائلية في 87 حالة من مجموع 165، ودواعي الشرف في 38 حالة، وأمور مالية في عشرة منها”، وغالبية هذه الجرائم ارتكبها أزواج الضحايا، إذ “قتلت 108 منهن على يد أزواجهن، و17 بواسطة أشقائهن، وتسع أخريات بواسطة أولادهن، و13 امرأة على أيدي آبائهن، و19 قتلن بواسطة باقي أعضاء العائلة ومنهم والد الزوج وشقيق الزوج والزوج السابق أو ابن الخالة”.
كما ارتكب الجناة هذه الجرائم بطرق مختلفة، فقتلت 43 منهن رمياً بالرصاص، أما 40 منهن فقتلن طعناً بالسكين و35 خنقاً باليد أو غطاء الحجاب، كما تعرضت ست منهن للحرق مثل رش البنزين عليهن أو حرق السيارة أو المنزل أثناء وجود الضحايا، وقتلت أربع من النساء بواسطة الضرب بالمطرقة، كما قتلت اثنتان منهن من خلال رميهن من أماكن عالية، ولم ترد تفاصيل عن طرق قتل خمسة منهن، علاوة على إنهاء حياة 30 منهن بطرق مختلفة منها بتر الأعضاء والضرب بالحجارة، وأخيراً 11 حالة أقدم فيها الجناة على الانتحار بعد ارتكاب الجريمة.
القوانين تساعد على زيادة العنف ضد المرأة
وإلى جانب القتل والانتحار الذي أصبح حديثاً عادياً في الشارع الإيراني؛ تعاني النساء من التمييز في مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال والسفر وغيرها.
فبموجب قانون الجوازات لا يسمح للمرأة بالحصول على جواز سفر دون موافقه خطية من زوجها، ويحق له سحبه في أي وقت يشاء، أما بموجب القانون المدني في المادة 1117 يحق للزوج منع زوجته من ممارسة مهن معينة إذا اعتبرها ضد “القيم الأسرية”، ويسمح هذا القانون أيضاً بزواج الفتيات في سن 13، والفِتية في سن 15، وفي سن أصغر إذا أذن القاضي بذلك.
تميز أيضاً أنظمة الضمان الاجتماعي في إيران ضد المرأة العاملة، بحيث تشترط على المرأة إثبات أن زوجها عاطل عن العمل، أو لديه إعاقة، أو أنها الوصية الوحيدة على أطفالهما قبل أن تستطيع الحصول على فوائد متساوية أو عائلية.
فيما يحظر القانون الإيراني التمييز ضد المرأة في مكان العمل، لكنه لا ينطبق على التوظيف أو الترقية. العديد من إعلانات الوظائف الشاغرة تحدد الجنس المفضل للموظف المحتمل على أساس معايير تعسفية وتمييزية، خاصة للوظائف الفنية والإدارية.
وحسب المادة 1123و 1124 “بإمكان المرء أن يطلق الزوجة بأسباب كثيرة منها الأمراض المختلفة، والعمي من العينين، رغم وجود هذه الأمراض عند عقد النكاح”، بينما هناك عراقيل، وتعقيدات كثيرة أمام النساء بالذات عند الطلاق حسب القانون المدني نفسه.
إن ممارسة العنف ضد النساء ظاهرة طبيعية، كما وفي المادة 1130 منصوص بأن مرتكبها لا يعاقب قانونياً، وحسب المادة 301 في قانون الجزاء تبيح عملياً للأب والأجداد من الأب قتل المرأة.
وإن قُتلت امرأة مسلمة، وكان القاتل رجلاً مسلماً، على عائلة المقتول دفع نصف الدية الكاملة له، وفي حال قتل امرأة حامل والجنين ولد، تكون دية الجنين ضعف دية الأم، حسب المادة 550 بأن تكون دية المرأة نصف دية الرجل.
وحسب قوانين النظام الإيراني لا تصلح النساء لتسلم منصب رئاسة الجمهورية أو القضاء، حيث ينص الدستور في الفقرة 115 بأن منصب “الرئاسة الجمهورية” يخص رجال دينيين والسياسيين فقط.
اعتقال وإعدام
تنص المادة السادسة من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” – صدقت عليه إيران – على امتناع الدول عن فرض عقوبة الإعدام إلا في حال “أشد الجرائم خطورة”. قالت “لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان”، المسؤولة عن تفسير العهد، إن جرائم المخدرات لا تمثل “أشد الجرائم خطورة” وإن استخدام الإعدام في هذه الجرائم يخالف القانون الدولي.
وتستخدم إيران هذه الحجة لإعدام العديد من الأشخاص وخاصة النساء، وقد زادت عمليات الاعتقال والإعدام بعد اندلاع ثورة المرأة في روجهلات كردستان وإيران التي بدأت باستشهاد الشابة جينا أميني، واعتقلت العديد من الناشطات ومنهن بهاره هدايت، وسبيدة قليان، وعالية مطلب زاده، وهستي أميري، ونوشين جعفري، ورها أصغري زاده، كما صدر حكم الإعدام بحق العديد منهن مثل بخشان عزيزي وشريفة محمدي، وقد حصلت الناشطة نرجس محمدي على جائزة نوبل للسلام لعام 2023 من داخل معتقلها.
ووفق تقرير “منظمة حقوق الإنسان الإيرانية” و”معاً ضد عقوبة الإعدام” السنوي والمتعلق بإعدامات عام 2022 في إيران، تم إعدام ما لا يقل عن 582 شخصاً في إيران، بزيادة بنسبة 75% مقارنةً بإحصاءات عام 2020 البالغة 333 شخصاً، وإن سلطات إيران تستخدم عقوبة الإعدام كـ “وسيلة لبث الرعب الاجتماعي من أجل الحفاظ على السلطة”.
ونفّذت السلطات في إيران حكم الإعدام بحق 853 شخصاً خلال عام 2023، حسب تقرير منظمة “حقوق الإنسان في إيران”، والتحالف العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام.
وحسب منظمة العفو الدولية؛ فإن عدد عمليات الإعدام في 2023 هو الأعلى المسجل منذ 2015 ويمثل زيادة بنسبة 48% عن 2022 وزيادة بنسبة 172% عن 2021. وتستمر موجة القتل في إيران في عام 2024، مع تسجيل ما لا يقل عن 95 عملية إعدام حتى 20 آذار المنصرم، وأعداد الإعدامات التي سجلتها منظمة العفو الدولية، هي أرقام الحد الأدنى، وتعتقد المنظمة أنَّ العدد الحقيقي هو أعلى من ذلك.
وقد بينت المنظمة أن إيران كانت مسؤولة عن 74% من الإعدامات المسجلة في أنحاء العالم عام 2023، واستهدفت الإعدامات بشكل غير متناسب مع الشعب البلوشي في إيران، والتي تشكل نحو خمسة بالمائة فقط من السكان، لكنها تمثل 20% من الإعدامات المسجلة، بالإضافة إلى ذلك، من بين الذين أعدِموا ما لا يقل عن 24 امرأة، وخمسة أطفال.
قالت “هيومن رايتس ووتش” إن السلطات الإيرانية أعدمت بحسب تقارير 87 شخصاً على الأقل في أواخر حزيران 2024، ووفقًا لمنظمة حقوق الإنسان الإيرانية، فقد بلغ عدد الإعدامات في إيران خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 نحو 651 حالة، ومن بين هؤلاء الأشخاص، أُعدم أربعة علناً، وتم تحديد هويات 23 امرأة منهم.
بصيص أمل
ومع كل ما أنف ذكره جابهت النساء هذا النظام الاستبدادي ساعية لكسر القوانين والأعراف التي تنتهك حقوقها، بالرغم من عمليات القمع التي تقوم بها إيران، تعمقت وبرزت قضية المرأة خلال السنوات الأخيرة، كقضية رئيسية بصورةٍ لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإيراني كله.