سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الوجهُ الآخرُ للعدوانِ على عفرين -1ـ

تحقيق/ رامان آزاد –

لم تدخل تركيا الحربَ على عفرين فقط على مستوى القواتِ المسلّحة، بل أرادتها حكومةُ أنقرة حربَ الدولةِ القوميّةِ التركيّةِ الحالية والعثمانيّة على الكرد، وليزيدَ بذلك من تعقيدِ المشهدِ السياسيّ والميدانيّ في سوريا وتُعطّلَ فرصُ الحلّ.
عناوين كثيرة تنطبقُ على العدوانِ الهمجيّ التركيّ على عفرين الذي يوشك أنّ يكملّ عاماً، ولعلنا ندركُ المقاومةَ البطوليّة الاستثنائيّة التي بذلها أبناء عفرين بالمستوى العسكريّ والمجتمعيّ. ولكن؛ من المهم فهمُ حالةِ الاضطرابِ والارتباكِ السياسيّ داخلَ تركيا، مع التهديدُ بعدوان آخر اليوم. ورغمَ قساوةِ النتيجةِ، إلا أنّ قوى العدوان لم تنتصر، فالانتصارُ بحاجةٍ لمقومٍ أخلاقيّ، وما حققه هو غلبةٌ بالقوةِ والهمجيّةِ.
قمعُ المظاهراتِ الرافضةِ للعدوان
مع بدء العدوان على عفرين؛ اتخذتِ السلطاتُ الأمنيّة التركيّة إجراءاتٍ مشدّدةٍ لمنعِ التجمعِ فاعتقلت في  22/1/2018 متظاهرين محتجين على العدوان على عفرين بمنطقة كاديكوي بمدينة إسطنبول، واتخذت تدابير أمنيّة بالمنطقة ومحيطها، كما اعتقلت سيدة حامل لمدة شهر. وقال أردوغان مهدّداً حزب الشعوب الديمقراطيّ الذي دعا للتظاهر: “لتعلموا أنّه أينما ذهبتم في الشوارع ستكونُ قواتُ الأمنِ في أعقابكم”. وهدّدهم بدفع الثمن غالياً، وكذلك اُعتقل صحفيون وحزبيون بسبب تعبيرهم عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ عن آرائهم الرافضةِ للعدوان. وأُجريت تحقيقاتٌ مع عشرات النشطاءِ ووجّهت لهم تهمُ (الترويج للإرهاب، تحريضِ الشعبِ على الكراهيةِ والعداء، إهانة رئيس الجمهورية، ازدراء الشعب التركيّ والجمهورية التركيّة ومؤسساتها العسكريّة علانيّة والترويج لتنظيم إرهابيّ) ومن المعتقلين رئيس شعبة حزب الشعوب الديمقراطيّ بمقاطعة بيسميل بآمد رفاعي باران.
في 22/1/2018 حظرت ولاية أزمير مظاهرةً لجمعيةِ “القوى العاملة والديمقراطيّة” تعبيراً عن رفض العدوان على عفرين بحجّة الطوارئ ودواعٍ أمنيّة. وقبل يوم منعت السلطات التركيّة تظاهرةً حضّرها حزب الشعوب الديمقراطيّ بمدينة أزمير أيضاً. وأعلنت ولاية أنقرة حظر أيّة مظاهرة بالمدينة تندّدُ بالعدوان.
في 22/1/2018 اعتقلت قوات الأمن بمدينة آمد ثمانية أشخاص من بين 17 شخصاً صدرت بحقهم قراراتُ اعتقالٍ بسبب منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ. واعتبرت السلطات أنّ الموقوفين يحرضّون الكرد ومؤيديهم على الخروج للشوارع بنشر صور “غير صحيحة واستفزازية” للعملية العسكريّة. فيما تواصل البحث عن آخرين، كما منعت الشرطة مؤتمراً صحفيّاً لرئيس شعبة حزب الشعوب الديمقراطيّ بمدينة آمد محمد أرسلان.
وفي مدينة كوتاهيا اعتقلت الشرطة طبيباً يعمل بمشفىً حكوميّ واقتادته من منزله إلى مديرية الأمن استناداً لبلاغٍ ضده يُتهم فيه بنشرِ مشاركات على التويتر معادية لتركيا.
اعتداءٌ على مقرِّ صحيفة في قبرص
في 22/1/2018 اعتدى مؤيدو أردوغان على مقر صحيفة أفريقيا بقبرص الشماليّة فتسلق بعضهم مبنى الصحيفة وأزالوا لافتتها وعلّقوا العلم التركيّ مكانها، فيما اقتحم آخرون مكتبَ الصحيفة وألحقوا أضراراً بمحتوياته لنشرها خبراً عن العدوان على عفرين بعنوان “احتلالٌ تركيّ آخر”. وانتقد الرئيس التركيّ أردوغان الصحيفة ووصفها بأنّها “دنيئة” ووصف العنوان بغير الأخلاقيّ وطالب أتراك قبرص الشماليّة باتخاذ موقف قائلاً: “ما هذه الوقاحة! يتوجبُ على أشقائي بقبرص الشماليّة تقديم الردِّ المناسب على هذا الأمر”.
وفي 25/1/ 2018 انتقد نائب رئيس الكتلة البرلمانيّة لحزب الشعب الجمهوريّ التركيّ المعارض أنجين ألتاي عملية “غصن الزيتون” وأوضح أنّ “الجيش السوريّ الحرّ” يضمُّ مجموعاتٍ وعناصر تعتبر امتداداتٍ لتنظيمِ القاعدة، مشدداً على ضرورة توخّي تركيا الحذر بهذا الصدد.
اتهامٌ بالخيانة
في 29/1/2018 انتقد الرئيس التركيّ أردوغان انتقادات نحو 170 أكاديميّاً ومثقفاً بينهم أساتذة جامعات، قائلاً: “أيها الخونة وعديمي الضمير! هل كونكم أطباء ومعيدين وفنانين يضيف إليكم قيمة؟” لإعدادهم خطاباً بعنوان “أوقفوا الحرب” إلى نوابِ البرلمانِ طالبوهم خلاله بإيقاف العملية العسكريّة بعفرين، وأنّها ستسفرُ عن مزيدٍ من العقباتِ، ويتوجبُ حلُّ المشكلات بالحوار. وأوضحوا رغبتهم بالعيش داخل وطنهم ومنطقتهم بسلامٍ وسكينةٍ وليس في ظلِّ حروب، ووصف أردوغان عملهم بالنفاقِ والابتذالِ الفكريّ والدرع البشريّ للإرهابيين.
استمرّت بالأسبوع الثاني للعدوان حملة الاعتقالات ضد “معارضي” الحرب في عفرين، على نحوٍ متزايد ووصف أردوغان أعضاء اتحاد الأطباء الأتراك بأنّهم “خونة الوطن”، وفُتح تحقيق بشأن 11عضواً من المجلس المركزيّ للاتحاد، واعتُقل أربعة من أعضائه.
خطأ المذيعةِ القاتل
في اليوم التاسع للعدوان، قالت مذيعة قناة TRT الإخباريّة التركيّة الرسميّة توغبا دالكيليتش مرتين خلال البثِّ المباشر: “من هذه النقطة الاستراتيجيّة يقوم الجيش التركيّ بمهاجمةِ المدنيين بعفرين”. فتمَّ فصلها عن العمل وفتح تحقيقٍ معها.
عقوبات انتقاميّة بحقِّ برلمانياتٍ كرديات
بتاريخ 7/2/2018 فرضت الحكومة التركية عقوبات تأديبيّة (انتقاميّة) تتراوح من شهر إلى ثلاثة أشهر على برلمانيّات كرديات أضربْن عن الطعام لمدة ثلاثة أيام احتجاجاً على العدوان على عفرين. والنائبات هن سلمى إرماق وشاغلار دميرال وجولسر يلدرم وبورجو أوزكان شاليك ونائب رئيس حزب الشعوب الديمقراطيّ آيسل توغلوك ضمن 22 امرأة كرديّة.
اعتقالُ رجالِ دين وطلاب وإغلاقُ حساباتٍ إلكترونيّة
في 10/2/2018 قضت محكمةٌ بمدينةِ أضنة جنوب البلاد بحبس رئيس وَقفِ الفرقانِ الإسلاميّ الشيخ ألب أرسلان كويتول بتهمة “خداع أتباعه” واستغلال مشاعرهم الدينيّة والإنسانيّة. وذكرت النيابة أنّ كويتول انتقد عملية “غصن الزيتون” علانيّة خلال خطبه ونشر تعليقات سلبيّة بشأنها عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعيّ. كما اُعتقل 20 شخصاً من أعضاء الوقف من بينهم كويتول خلال حملة أمنيّة الأسبوع الماضي. وكان كويتول قد قال في خطبة مسجلة: “إنّه يتوجبُ تغييرُ اسم حزب العدالة والتنمية الحاكم برئاسة أردوغان إلى حزب الظلم والتنمية”.
وفي 26/3/2018 اعتقلت الشرطة التركية سبعة طلاب من جامعة إسطنبول بسبب اعتراضهم على التدخل العسكريّ التركيّ في سوريا، ووصفهم أردوغان بأنّهم “إرهابيون”. وأعلن أردوغان فتح تحقيق لمعرفة الطلاب المعارضين للتدخل وقال: “في حين كان هؤلاء الشبان يوزعون الحلوى، تجرأ هؤلاء الخونة على مهاجمة ما يعرضونه”.
 وواصلت وزارة الداخليّة التركيّة الحملات الأمنيّة التي تستهدف رواد مواقع التواصل الاجتماعيّ المنتقدين للعملية والإعلان عن مزيد من المعتقلين ليصبح عددهم بالآلاف، كما أغلقت آلاف الحسابات الإلكترونيّة. 
سخط إزاء صورِ مسؤولين أتراك بالمطاعم
في 10/2/2018 أثار ظهور مسؤولين أتراك يستمتعون بوقتهم بأحد المطاعم سخط واستياء رواد مواقع التواصل الاجتماعيّ الشديد، في ظلِّ تصاعد الأحداث بمنطقة عفرين، وارتفاع حصيلة الجنود الأتراك القتلى، وتوقف المعلّقون على ارتفاع عدد الجنود القتلى، وكانتِ الصور قد نُشرت من قبل المدير العام لمديريّة حماية التراث الطبيعيّ كمال الدين جنكيز تكينسوي لعدد من المسؤولين، بينهم وزير البيئة والتخطيط العمرانيّ محمد أوزحسكي الذي يظهر بإحدى الصور وهو يضحك وفوق رأسه شاشة تلفزيون تعرضُ أنباء المواجهات القائمة بعفرين. وانتقد النشطاء الأتراك نشر الصور التي تظهر مدى سعادة المسؤولين في ظل الأوضاع الصعبة التي تمرُّ بها تركيا.
التضليل الإعلاميّ
بتاريخ 24/1/2018 نشرت قناة (خبر ترك) والموقع الإلكترونيّ لصحيفة مقطع فيديو على أنّها لقطات التقطت بكاميرا حراريّة أثناء “عمليّة غصن الزيتون”. وفور مقارنة اللقطات بلقطات للعبة الكمبيوتر Medal of Honor (وسام الشرف) التي طُرحت بالأسواق عام 2010على موقع يوتيوب تبيّن أنَّ الشريط المسجل مأخوذ من اللعبة. وبالإمكان رؤية عبارة W M82 أعلى الجانب الأيمن من الشاشة وعبارة 005 L أعلى الجانب الأيسر من الشاشة في الشرط المسجل، وهي من رموز اللعبة، كما بثّت قناة “Haber” المقرّبة من الحكومة التركيّة مشاهد لاشتباكات عنيفة، وتبين أنّ المشاهد تخصُّ الحرب الأرمينيّة الأذربيجانيّة في 2014.
في 27/1/2018 من أجل إيحاء الرأي العام بأنّ العملية العسكريّة تحوز قبول الشعب التركيّ، أجرت شركة “ORC” المقربة من الحكومة استطلاعاً للرأي حول تأييد عملية “غصن الزيتون” وتم التلاعب بنتائج الاستطلاع لتعطى نسبة 80.7%  لتأييد العملية، و77.4% اعتبرتِ العقوبات المطبقة على أعضاء “التنظيمات الإرهابيّة والداعمين لها” غير كافية.
وفي 14/3/2018 نشرت وكالة (الأناضول) التركيّة الحكوميّة للأنباء وصحيفة يني شفق خبر مقتل ضابط الصف أورهان سورمين بانفجار عبوة ناسفة بدائيّة الصنع مخبأة بمصحف. وقالت في خبرها إنّهم يضربون بالقيم الإسلاميّة عرض الحائط، ويعدّون فخاخًا بهذا الشكل، وانتشرت الصورة على مواقع التواصل الاجتماعيّ وحظيت بمشاركة واسعة.
إلا أنّ موقع “teyit.org” الذي يدقّق صحّة الأخبار، كشف أنَّ الصورة نُشرتها لأول مرة قناة العربيّة في 9/2/2018 عن واقعة حدثت بمسجد بمدينة بنغازي الليبيّة أثناء صلاة الجمعة، وأنّ الصورة المستخدمة تعودُ للعسكريّ فاتح أويصال الذي قتل في 13/3/2018 بمدينة آمد، ولا تخص ضابط الصف أورهان سورمين  وكان أردوغان قد علّق على خبر وكالة الأناضول متهماً حزب الاتحاد الديمقراطيّ بالكفر والإلحاد!
وثيقة عثمانيّة حسب الطلب
بتاريخ 27/1/2018 كشف تقريرٌ لصحيفة (أحول تركيا) عن مزاعم العثور على وثائق تكشف عن سابقة شنّ الجيش التركيّ عمليات مشابهة في شمال سوريا خلال حرب الاستقلال. وقال التقرير: “عملت وسائل إعلام تركيّة على النبش في التاريخ بحثاً عن تأكيد مصداقيتها وتقوية موقفها تجاه الرأي العام، لتعلن أنّها عثرت على وثائق تاريخيّة تظهر تنفيذ الجيش التركيّ عمليات مماثلة بالمنطقة ذاتها، ضد القوات البريطانيّة والفرنسيّة بالتعاون مع وحدات المقاومة الوطنيّة المحليّة، خلال حرب الاستقلال (1919–1923(. وإحدى الوثائق أشارت إلى رسالة موّجهة عام 1921 من “رئاسة التشكيلات والعمليات في عموم سوريا” التابعة للجيش التركيّ (قوات المقاومة الوطنيّة)، إلى الجيش الثاني المتمركز جنوبي هضبة الأناضول”.
سلسلة أكاذيب
بتاريخ 29/1/2018 لفقت وكالة الأناضول خبر العثور على حبوب مخدّرة “كبتاجون” المسماة حبوب الشجاعة في جبل برصايا  ليغرد بعدها وزير الخارجية التركيّ مولود شاويش أوغلو على حسابه بموقع تويتر أنّ مقاتلي وحدات حماية الشعب تعاطوها لأنّهم يعلمون أنه لا يمكن مواجهة القوات التركيّة. واستكمالاً للقصة المفبركة أعلنت السلطات التركيّة في 10/2/2018 أنها أوقفت شاحنة محملة بـ 250 ألف حبة مخدرات في ولاية أضنة جنوب تركيا كانت متجهة إلى عفرين. والواقع أنّ مجرد مكان إيقاف الشاحنة يكشف كذب الرواية.
بتاريخ 5/2/2018 قالت جريدة “يني شفق” الموالية لحكومة حزب العدالة والتنمية التركيّة: “إنَّ كتائب نور الدين الزنكي بإدلب، تمكنت قبل يوم، من ضبط شاحنة بين منطقتي شيخ عقيل وسلوى محمّلة بأسلحة متطورة، كانت في طريقها إلى منطقة عفرين والشحنة عبارة عن بنادق آلية، وعشرات الآلاف من الرصاصات، وقاذفات آر بي جي، وصواريخ “كورنوس” طراز 9M113، و”فاجوت” طراز 9M111 الروسيان المضادان للدروع، إضافة لصواريخ  “AT-4″ النمساوية، و”تاو” الأمريكية، و”ميلان” الفرنسيّة”. كما زعمت الجريدة التركيّة أن هناك العديد من مخازن الأسلحة والمعدات العسكرية التابعة للجماعات الموالية لأمريكا.
أسماء مسؤولين على ذخائر الحقد
العدوان التركيّ على عفرين عكس حقداً دفيناً لدى المسؤولين الأتراك، لدرجة أنّ بعض الذخائر التي أُلقيت على عفرين كُتبت عليها أسماء ورؤساء بلديات، لتكونَ رسائل هذه الشخصيات إلى أهالي عفرين.
ذكرت صحيفة زمان التركيّة في عددها الصادر بتاريخ 3/2/2018 أنّ نائب رئيس مجموعة نواب حزب الحركة القومية التركي أرهان أوستا نشر على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر صورة لقنبلة تحمل اسمه. وعلّق أوستا على الصورة: “لتكن ضربتكم بألف وليمنحِ المولى إخواننا الشجعان القوة، اقصف أيها الجندي التركيّ على الجناةِ في عفرين، على الإرهابيين الذين يقصدون الوطن”.
وكتب جندي من مدينة أيضن اسم رئيس بلدية أيضن التابع لحزب الشعب الجمهوريّ المعارض أوزلام شارشي أوغلو على إحدى القنابل. فيما شدّد شارشي أوغلو على دعمه للجيش الذي يُقاتل على الجانب الآخر من الحدود مفيداً أنّه على يقين من نجاح الجيش التركيّ الذي يحارب من أجل وحدة أراضيه خارج حدوده.
ونُشرت على مواقع التواصل الاجتماعيّ صورٌ لقنابل حملت أسماء والي مدينة فان مراد زورلوغلو ورئيس بلدية إسبرطة يوسف ضياء جونايدن ورئاسة بلدية داريجا وشخصيات سياسية أخرى.
نشر رجب دمير آل أمين العدالة والتنمية في بلدة كاراه مورسال التابعة لمدينة كوجالي عبر حسابه الشخصيّ على مواقع التواصل الاجتماعيّ، صورة له يحمل فيها بندقيتين إضافة لمسدس في خصره. وعلّق رجب قائلاً: “نحن في انتظار إشارة من الرئيس لنركض صوب عفرين”.