تقرير/ صالح العيسى
روناهي/ الرقة – شَهد القطاع الزراعي في الرقة خلال الأعوام السابقة تراجعاً كبيراً في الإنتاج؛ مما أثَّر سلباً على حياة الأهالي عامّةً. ولكن؛ بعد تحرير مدينة الرقة من مُرتزقة داعش قيَّم أهالي الرقة الواقع الزراعي بالجَّيِّد، فيما طالبت لجنة الزراعة بتكثيف الجهود للرُّقي بواقعٍ زراعي أكثر، ومن جانبها؛ أكدت لجنة الزراعة على أنّ مجلس الرقة المدني سيكثف من العمل خلال العام الجاري.
تعتبر مدينة الرقة من المدن السورية الرّائدة في مجال الزراعة؛ كونها تحتل المرتبة الأولى في زراعة القطن، والثانية بزراعتها للقمح بعد مقاطعة الحسكة. لكنها؛ تعرضت لنكسات عديدة في السنوات الماضية نظراً لما لحق بالبنية التحتية من أضرار ودمار، ولا يخفى على الناظر بأنّ الزارعة حقّقت نجاحاً كبيراً في الرّقة قبل اندلاع الحروب في سوريا.
وبعد مرور عامين على تحرير مدينة الرقة من مرتزقة داعش استطاعت لجنة الزارعة التابعة لمجلس الرقة المدني بمكاتبها كافة أنْ تحقق إنجازات عظيمة في القطاع الزراعي الذي انتعش بعد أن كان قد هَوِيَ إلى الأسفل، وأقرب الأمثلة طرحاً المساحات الخضراء التي تغطّي التربة في مدينة الرقة جميع الأراضي مزروعة بعد إيصال المياه إليها باستثناء الأراضي التي لم تكن مرويّة سلفاً.
يَعتمد أهالي الرقة بشكل عام في الموسم الشتوي على زراعة القمح لكن يواجه الفلاحون العديد من المشاكل؛ أهمها غلاء أسعار مادة السماد؛ لأنّ الأسمدة الموزعة من قبل لجنة الزراعة لا تغطي حاجة المزروعات كاملة، ويعتبر غلاء أسعار الأدوية الرديف الآخر للمشكلة.
وبلغت كميات الإنتاج في العام الماضي للدونم الواحد من القمح في الرقة ما يقارب الـ 500 كغ في بعض المناطق، كما وبلغ الإنتاج في مناطق أخرى 400 كغ للدونم بشقيه المروي والبعلي وبنوعيه الطري، والقاسي فيما كانت الأراضي الزراعية المتميزة في الرقة تنتج حوالي الـ 600 كغ في السّابق.
أسباب تراجعها بعد اندلاع الحرب في سوريا
من أهم الأسباب التي أدت إلى تراجع الزراعة في الرقة هو انقطاع الكهرباء؛ لأنّ أغلب الأراضي في الرقة تُروى عن طريق المضخات التي تعمل عن طريق الكهرباء، أمّا فيما يخصّ الأراضي المروية عن طريق الراحة (قناة ري من سد الفرات) فتعرضت هذه القناة للتخريب على يد المُرتزقة التي تناوبت على المدينة.
ونتيجة للقصف الذي تعرضت له مدينة الرقة؛ تدمّرت العديد من المنشآت الزراعية؛ ومنها معمل السكر الذي كان يستقبل محصول الشمندر السكري الذي تُصنَّف به الرقة الأولى من حيث الزراعة، وكميات الإنتاج، ولكثرة إنتاجه في الرقة تم بناء معمل لتصنيع السكر في الرقة الذي كان ينتج أربعة آلاف طن من السكر في اليوم. وفي عام 2011 زرع فيها ألف هكتار، وأنتجت نحو 330 ألف طن من الشمندر السكري. أما بعد دخول مرتزقة داعش إلى مدينة الرقة؛ فُرض حصارٌ مطبق على الأهالي؛ وبخاصة المزارعين منهم، وتم منعهم من تصدير محاصيلهم الزراعية، أو استيراد القمح من المدن الأخرى مما جعل الأهالي يزرعون الأصناف نفسها لأعوام كثيرة، وهذا أثّر سلباً على الجودة، والإنتاج كما أصبحت الأراضي تنتج حوالي الـ 200 إلى 300 كغ للدونم الوحد من القمح.
ومن المحاصيل التي تراجعت زراعتها في مدينة الرقة هو القطن ويُعتبر الصّنف الآخر بعد القمح الذي يزرعه أهالي الرقة في الموسم الصيفي؛ وللأسباب نفسها التي أدت إلى تراجع إنتاج القمح، والشمندر السكري واجه محصول القطن.
ضغوطات فرضتها داعش أدَّت إلى تراجع الزراعة
لا يُخفى على الجميع حجم الضغوطات التي فرضتها مرتزقة داعش على أهالي الرقة سواءً المالية منها، أو النفسية، وغير ذلك الغرامات المالية التي كان يفرضها المرتزقة على الأهالي؛ إضافةً للأسعار الزهيدة التي كان يشتري بها المرتزقة المحاصيل الزراعية ليقوم بشحنها إلى العراق.
وعزف العديد من مزارعي الرقة عن زراعة أراضيهم في ظل سيطرة المرتزقة؛ وذلك بسبب غلاء أسعار المقوّم الأساسي في الزراعة، وهو السماد الكيماوي، حيث وصل سعر الطن في ذلك الوقت لمليون ليرة سورية؛ فيما يُباع الآن بسعر 460 ألف ليرة سورية بعد موجة الغلاء التي سببها ارتفاع الدولار، وهبوط الليرة.
الخطوات الأولى للِّجنة الزارعة بعد التحرير
بعد تحرير مدينة الرّقة على أيدي مُقاتلي ومقاتلات قوّات سوريا الديمقراطية بتاريخ 20/10/2017 بدأت لجنة الزراعة التابعة لمجلس الرقة المدني بوضع دراسات للواقع الزراعي بعد جولات قام بها مختصون بالزارعة، وباشروا العمل بإصلاح مضخات مياه الري التي وصل عددها إلى 27 مضخة؛ منها مضخة بئر الهشم التي تروي عشرة ألاف هكتار، ومضخّة الجروة، ومضخّة اليمامة، والرفع العالي، والمضخّة الخامسة، وغيرها من المضخات المنتشرة في أرياف الرقة.
وعملت لجنة الزراعة على إصلاح العديد من قنوات الري الكبيرة التي تعرضت للكسور نتيجة الحروب التي دارت في المنطقة؛ بالإضافة إلى إصلاح العديد من شبكات مياه الري (سواقي المياه الصغيرة).
وفيما يخص دعم المزارعين؛ بادرت لجنة الزارعة إلى شراء بذور قمح مُحسّنة من خارج الرقة، وبيعها على مزارعيها بسعر رمزي، ولاقت هذه الخطوة نجاحاً كبيراً؛ خاصة في ما يخص زيادة كميات الإنتاج بما يقارب الـ 200 كغ للدونم مقارنة مع الأعوام الماضية.
وللاطلاع أكثر على الواقع الزراعي؛ التقت صحيفتنا “روناهي” بالعديد من مُزارعي الرقة الذين انتقدوا لجنة الزراعة على بُطئها في تقديم الأسمدة، والمحروقات لهذا العام؛ وطالبوا بزيادة كميات المحروقات، والأسمدة لتحسين الواقع الزراعي.
وأكّد لنا المزارع علي الحسن من أهالي قرية ربيعة في ريف الرقة الغربي؛ قائلاً: “مقارنةً مع الأعوام السابقة يوجد تطوّر في كميات الإنتاج لدينا، وبخاصة القمح لكن هناك قلِّة في كميات الأسمدة الموزّعة على المُزارعين”.
ومن جانبه؛ توجّه المزارع إبراهيم الديكان من قرية الطليعة الواقعة جنوب منطقة الكرامة في ريف الرقة الشرقي بالشكر في بداية حديثه للِّجنة الزراعة على جهودهم التي بذلوها، وأضاف: “الواقع الزراعي في المنطقة نوعاً ما جيد. لكن؛ هناك بعض الأخطاء ويجب على لجنة الزراعة أن تتجاوزها، ومنها:عدم تأمين بذور الخضروات بأسعار مناسبة. لذلك؛ نضطر أن نشتريها بأسعار غالية جداً”.
وتبيّن خلال حديث المزارع إبراهيم الديكان بأنّه يعمل في مهنة الزراعة منذ صغره، وانتقد اللجنة لعدم انتقائها نوع بذار جيد هذا العام، وأصر على ضرورة زيادة كميات المازوت للمزارعين؛ لأنّ الكميات الموزعة لا تكفيهم حسبما ذكر، وأوضح بأنّهم يشترون اللتر الواحد من المازوت بـ 200 ليرة سورية عند نفاذ مادة المازوت الموزعة من قبل اللجنة.
المزارع محمود الإبراهيم من قرية الطيبة في ريف الرقة الشمالي انتقد خلال حديثه لجنة الزراعة لعدم توزيعها مادة السماد عليهم، وأضاف: “هُناك إهمال بالنسبة لموضوع التوزيع، وأغلب حالات التوزيع لا يوجد لدينا بها علم هذا العام”.
ومن جانبه؛ تطرّق المُزارع أحمد الحسن من أهالي قرية الخاتونية في ريف الرقة الغربي إلى موضوع الري لهذا العام مقارنةً مع الأعوام السابقة، وقال: “مياه الري هذا العام وفيرة؛ مما ساعدنا على زراعة محاصيلنا، وريّها بشكل جيد”.
وأضاف متفائلاً: “نتمنى أن يهلّ علينا هذا الموسم بالخير لنعوِّض الخسائر السابقة التي تعرضنا لها”.
وعن تساؤلات، ومطالب مزارعي الرقة التي أسلفنا بذكرها؛ التقينا بنائب الرئاسة المشتركة للجنة الزراعة والري عيسى الحمادين الذي قال في مُستهل حديثه: “مطالب أخوتنا المزارعين نصب أعيننا دائماً، ونحن نعمل حسب إمكانياتنا وسنكثف جهودنا بشكلٍ أكبر حتى نستطيع إعادة الزارعة في الرقة إلى سابق عهدها وأفضل”.
كما كشف الحمادين عن مخطط لجنة الزراعة لعام 2020، وقال: “من أولوياتنا تأهيل معمل مسبق الصنع الذي يؤمن سواقي مياه الري، والقنوات بالإضافة إلى تأهيل مجفف الذرة الصفراء الذي سيخفف عبء تجفيفها على الأهالي الذين لجأوا في تجفيفها على الطرقات الإسفلتية بأرياف الرقة”.
وفي نهاية حديثه؛ أكد نائب الرئاسة المشتركة للجنة الزراعة، والري عيسى الحمادين على أنّ مجلس الرقة المدني، ولجنة الزراعة سيعملون بكافة طاقاتهم لدعم الواقع الزراعي في الرقة بشكل عام، وحث أهالي الرقة على المُساعدة في ذلك.
كما تجدر الإشارة إلى أنَّ مجلس الرقة المدني كان قد وضع في خُططه المستقبليّة لعام 2020 إعادة تأهيل العديد من صوامع الحبوب، ومجفف الذرة الصفراء الوحيد في مدينة الرقة، وهذه الخطط ستساعد بدورها على الرُّقي بالواقع الزراعي بالشكل الذي تسعى إليه لجنة الزراعة والمُزارعين.