سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الهوس الأردوغاني من الطموح الكردي

د. علي أبو الخير_

لا ننفك نكتب عن القضية الكردية وعن القائد الرمز عبد الله أوجلان، خاصةً الكرد في الدولة التركية، وبالأخص في عهد الرئيس التركي أردوغان، الذي يحمل خوفاً هستيرياً من الشعب الكردي، ولذا نستمر في الكتابة عن الفوبيا التي يحملها أردوغان تجاه الكرد، ونفضح التناقض السلوكي والنفسي والسياسي في فكر أردوغان، الذي اعتلى السلطة منذ أكثر من عشرين عاماً، ولكن لم يتمكن من دفن أي جزء من طموح الشعب الكردي، حيث يمتلك الشعب الكردي هوية وثقافة، ستظل تُعزز من وجودهم، ومن خلالها سيستعيد الكرد دائماً مطالبهم لتحقيق نزاعاتهم بوجودهم السياسي داخل تركيا على وجه الخصوص، فحتى وإن استطاع أردوغان إضعافهم سياسياً في العراق، وضربهم عسكرياً في سوريا، والتحالف مع إيران ضدهم، ستظل الدوافع الكردية حاضرة وقادرة على استعادة حضورها متى ما توفرت الظروف لبعثها مرةً أخرى.كافة النزاعات
التناقض الأردوغاني
يعيش الرئيس التركي أردوغان في تناقض عجيب، فتارةٍ يُقدّم نفسه أمام العالم الإسلامي أنه وريث للسلاطين العثمانيين، في حين يقدّم نفسه أمام الأتراك، كأنه حامل لواء الدفاع عن القومية التركية، وداخل هذا التناقض الذي يسير عليه أردوغان وكثير من قادة الأتراك، تبدو القضية الكردية دليلاً على ما تعانيه الدولة التركية من أزمة عميقة للغاية في التعامل مع الكرد وتطلعهم لإقامة وطنهم على الأراضي، التي يتوزعون فيها، وذلك استنتاج رائع من مقال الأستاذ هاني مسهور – فوبيا الأكراد … أزمة أردوغان الأزلية – منشور موقع سكاي نيوز عربية https://www.skynewsarabia.com/world يوم  5آب  2019، يُثبت أن الحق ينتصر على القوة، ولا تنكسر إرادة شعب وهب حياته لتقرير مصيره.
لقد رسخت تركيا على مدار عقود طويلة العداء للكرد عبر سلسلة طويلة من الاتهامات، التي اعتمدت على صنع فجوة بين الكرد ومحيطهم العربي للحيلولة بينهم وبين طموحهم بإقامة دولتهم القومية، ورغم التداخل الكردي على جغرافية إيران وسوريا والعراق وتركيا، فإنهم يواجهون تعاملاً حاداً وقاسياً من قبل الأتراك أكثر من غيرهم من الدول، التي منحتهم بعضاً من حقوقهم السياسية كالحكم الذاتي على أجزاءٍ من العراق.
ويتجلى الهوس التركي تجاه القضية الكردية في تصنيف حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية، بعد أن تزايدت المُطالبات الكردية بمنحهم حقوقهم السياسية ومطالباتهم بإقامة دولة كردية مستقلة أو حكم ذاتي مع الاحتفاظ بكامل هويتهم السياسية، ولكن ومنذ عام 1974 شكلت الأزمة الكردية واحدة من أكثر أزمات تركيا، بعد أن رفض الأتراك منح الكرد شيء من حقوقهم، مما دفع حزب العمال الكردستاني تحت قيادة القائد عبد الله أوجلان، للنضال السياسي ثم الكفاح المسلح، واستمرت الأوضاع المزمنة حتى أعلنت أنقرة عام 1984 حزب العمال الكردستاني كياناً إرهابياً لتطلق تركيا هجمات احتلالية شتى؛ شهدت فيها انتهاكات لسيادة العراق خلال فترة الحصار، التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على العراق بعد عام 1991.
كُرد روج آفا… النصر على داعش
خلال فترة حكم أردوغان للجمهورية التركيّة تضاعفت الأزمة الكرديّة بشكلٍ كبير، ورغم من أن تركيا نجحت في إلقاء القبض على القائد أوجلان عام 1999 بمؤامرة دولية وسجنه بتهمة الخيانة العُظمى؛ فإن هجماتها ظلت مستمرة على حركة التحرر الكردستانية ورد الأخيرة في ظل حق الدفاع المشروع، ففي عام 2013 أعلن القائد عبد الله أوجلان وقف إطلاق النار واعتبر الحدث تاريخياً، إلا أن تركيا شنت غارات في 2015 على مناطق الكرد في سوريا ما أسقط الهدنة وفتح الباب لتدخل تركي في الأراضي السوريّة بزعمها ملاحقة الكرد.
وكانت العديد من التقارير قد أكدت أن أنقرة غضت نظرها ما بعد اندلاع الأزمة السوريّة عام 2011 بدخول مئات المتطرفين عبر حدودها إلى الداخل السوري، وفي العام 2014 أعلنت داعش قيام دولتها المزعومة في أجزاء من أراضي العراق وسوريا، مما استدعى قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتحالف دولي لمواجهة الإرهاب، والحقيقة أن كان لكرد سوريا “قوات سوريا الديمقراطية” الدور الأكبر في هزيمة داعش، لكن ومن جانبه، استغل أردوغان الحرب على الجماعات المرتزقة في سوريا وأطلق عملية عسكرية باسم (درع الفرات) وفرض الجيش التركي سيطرته على كامل المنطقة ورفع فيها العلم التركي، وأعلن عن تعيين شخصية تركيّة لإدارة المنطقة، وكانت السلطات في أنقرة قد قامت خلال عام 2013 من نقل مئات مصانع النسيج في مدينة حلب إلى الداخل التركي؛ مما أفقد مركز الاقتصاد السوري قوته الاقتصادية تماماً، وحاول أردوغان استغلال الكرد في حملته الانتخابية، ولكنه فشل في الحصول على أصواتهم الانتخابية، وهو وعي كردي مشهور.
حشدت تركيا قوتها السياسية لإفشال استفتاء استقلال الكرد عن العراق في 2017، ثم حاولت القيادة التركية إنشاء واقع محتل ففي شمال وشرق سوريا بهدف التغيير الديمغرافي من جهة، ولبسط مزيد من التوسّع التركي في سوريا وهو ما حدث بالفعل خاصةً في عفرين وبنى جداراً عنصرياً في عفرن كما لو كانت مستعمرات، ثم حاول أردوغان ابتزاز المجتمع الدولي عبر سياسة فرض الأمر الواقع في الشمال السوري، وهو ما نُسميه احتلال عنصري جديد في المنطقة التي يعيش فيه العرب والكرد والترك، ولكن يريد أردوغان إنهاء كل الوجود العسكري والسياسي الكردي داخل سوريا وداخل تركيا نفسها، وبذلك يضمن أردوغان إخماد المطالب الكرديّة.
وهو دليل على الهوس الأردوغاني والخوف من الإفراج عن القائد عبد الله أوجلان، فضلاً عن عدم التقدّم بخطة واحدة لتلبية أصغر المطالب الكردية.
والتناقض يظلُّ قائماً بين أردوغان العثماني وأردوغان الأتاتوركي… ولله في خلقهِ شؤون…