يبدو إن الهجوم الذي شنه بوتين على أوكرانيا وبعد كل ما جرى ويجري هو خدعة للصين، في مسعى منه ليحتفظ بمكانة روسيا كثاني أعظم دولة في العالم بعد أمريكا، لأن الصين كما يبدو تريد أن تحتل تلك المكانة، هذا من جهة، وحتى يبرر عدم إمكانية مساعدة روسيا للصين وخوض الحرب إلى جانبها فيما إذا حصلت بين أمريكا والصين من جهة أخرى، رغم أن الكثيرون كانوا يعتقدون بأن روسيا لن تكتفي بأوكرانيا بل سوف تحتل أيضاً كل أوروبا، إذ ليس من المعقول لرئيس مثل بوتين يتمتع بذكاء خارق أن يورط روسيا في المستنقع الأوكراني في الوقت الذي استطاع إعادة هيبة روسيا بعد أن انهارت نتيجة تفكك الاتحاد السوفيتي ١٩٩٢، وإلا لماذا استمرت الحرب ولا تزال كل هذه المدة علماً لو أراد بوتين لاحتل أوكرانيا خلال مدة وجيزة.
وكون بوتين يتمتع بشخصية قوية ويمتلك ترسانة من الأسلحة النووية لن يقبل إلا أن تكون روسيا الدولة العظمى الثانية في العالم ومن الممكن القول: إن مقتل بريغوجين قائد قوات فاغفر يندرج ضمن هذا السياق، لأن قواته كانت تتقدم في الأراضي الأوكرانية بسرعة هائلة، بينما بوتين لم يرق له ذلك، بل كان يريد أن تكون حرب استنزاف طويلة الأمد، طالما روسيا متفوقة عسكرياً، وقد يبدو واضحاً أن روسيا تخشى الصين أكثر من خشيتها من أمريكا والغرب، لأن الخلاف الأيديولوجي بينها كان على أشده زمن الاتحاد السوفيتي، وكل منهما كان يتهم الآخر بخيانة الماركسية، والعلاقات بين البلدين كانت مقطوعة، وليس من المعقول أن يصبح الخصمان “مثل السمن على العسل” بين ليلة وضحاها، هذا يعني إن روسيا مشتركة في مخطط ضرب الصين، بدليل لم نشهد أي احتكاك مباشر بينهما لا في أوكرانيا ولا سوريا ولا حتى أي أماكن ساخنة أخرى، والصين كما هو معروف لم يكن لها أي دور في السياسة الدولية، وكانت تايوان تمثل الصين في الأمم المتحدة، ولكن بعد أن استطاع كيسنجر على الخلاف الأمريكي الصيني ١٩٧٥ بدأت الصين تظهر على المسرح العالمي وباتت الآن تنافس كل الدول الكبرى، وهذا ما يجعل الآخرين رغم الخلافات فيما بينهم يتكاتفون ضدها، وينصبون لها الشباك لأن الصين تغزو أسواق العالم دون ضوابط أو مراعاة مصالح الآخرين، فهل نعد ظهور الصين كما تقول الأساطير علامة من العلامات العشر لقيام الساعة، وهل العالم يقترب من نهايته كما أوضح فوكوياما ذلك في كتابه (نهاية التاريخ) والذي اعتبر النظام الليبرالي آخر مرحلة يتوصل إليها البشر، ولا مرحلة أعلى من ذلك في التطور، فهو يقوم على مبدأ (دعوه يعمل دعوه يمر) أم إن العالم يعيد تجديد نفسه؟
وختاماً نقول: إذا استمرت الصين في اندفاعاتها الحالية؛ فإنها قد تتعرض لهجوم عنيف من الخلف الغربي وبتواطئ روسي وإلى التقسم، ولربما كان من الأفضل أن تبقى منغلقة ضمن سورها العظيم، بدلاً من وجع الرأس الذي ستجلبه لنفسها؛ لأن الحداثة الرأسمالية في الألفية الثالثة التي نعيشها، تحولت إلى غول ولا يرحم ولسان حالها يقول “الويل من عظائم الأمور لكل من يقف في طريقها”.