تتواصل الحرب العالمية الثالثة في الشرق الأوسط، وتتركز بشكل خاص في سوريا، في المنطقة الأكثر أمانًا والأكثر ديمقراطية في سوريا وهي منطقة شمال وشرق سوريا، مع سعي العديد من الأطراف ومنها الدولة التركية إلى تحقيق مصالحها وتنفيذ مخططاتها عبر التهديد بالاحتلال والإبادة، وفي الوقت الذي أظهرت فيه شعوب شمال وشرق سوريا إرادة المقاومة ضد الهجمات الوحشية والفاشية.
في الـ 18 من شهر أيار عام 2020 اجتمع 25 حزباً سياسيّاً في قامشلو؛ بهدف دعم ومساندة مساعي تحقيق الوحدة الوطنية، وأعلنوا عن تشكيل أحزاب الوحدة الوطنية، إن هذا التنظيم لا ينحصر نضاله في مناطق شمال وشرق سوريا فقط، بل إن هذا الموقف التاريخي هو امتداد لتاريخ النضال والمقاومة منذ القرن العشرين، حيث أثبت الشعب الكردي في روج آفا مرة أخرى التزامه باستحقاقاته ومسؤولياته الكردايتية، وبهذا القرار فإن شعب روج آفا يؤكد على أواصر العلاقة والترابط التاريخي بين الانتفاضات والمقاومة الكردية في جميع أجزاء كردستان، وأداء متطلبات هذه العلاقة، إن هذا الموقف يشير إلى مبدأ النضال والمقاومة في كل مكان يوجد فيه عداء للشعب الكردي أو يتعرض فيه الشعب الكردي للإبادة.
هذا الاجتماع ونتائجه تضع الأسس التي يجب أن تكون عليها وحدة الصف الكردي، أي أنها تثبت وتظهر أن مساعي الوحدة الوطنية ليست محصورة في يد أسرة أو ملكية معينة، الوحدة يجب ألا تكون محصورة في يد حزبين أو بعض المجموعات، بل يجب أن تكون ملكاً للشعب الكردي وممثليه، وهذا هو المغزى من إعلان أحزاب الوحدة الوطنية.
وعليه؛ فإن مساعي الوحدة الوطنية وصلت إلى مرحلة معينة، وعلى الرغم من أن كل لقاءات ومساعي حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي تصب في خانة تحقيق الوحدة الوطنية إلا أن هذه اللقاءات لم تعد محصورة بين طرفين أو حزبين، وبدون ذلك لا يمكن الحديث عن الوحدة الوطنية ولا عن الديمقراطية.
وبينما كانت الجهود متواصلة من أجل تحقيق الوحدة الوطنية، عُقد اجتماع آخر في قامشلو، وتم فيه الإعلان عن تشكيل ما يسمى بـ “جبهة الحرية والسلام”، وتضم جبهة الحرية والسلام كل من المجلس الوطني الكردي في سوريا، وتيار الغد السوري، والمنظمة الآثورية الديمقراطية والمجلس العربي في الجزيرة والفرات، وأعلن عن تأسيس الجبهة من قبل رئيس تيار الغد السوري أحمد الجربا. هذه الحركات تدّعي أنها تناضل في مناطق شمال وشرق سوريا، ولكنها في الحقيقة لم تناضل من أجل تحقيق مكتسبات شعوب المنطقة، ولم تقدم أي تضحيات، بل بالعكس عملت كل ما بوسعها من أجل القضاء على الإدارة الذاتية الديمقراطية.
والسؤال هو؛ لم أعلنت هذه الأطراف عن تأسيس هذه الجبهة في هذه الفترة بالذات في مدينة قامشلو؟ ولماذا انضم المجلس الوطني الكردي إلى هذه الجبهة مع أنه لا يزال يعمل ضمن إطار المعارضة السورية المرتبطة مع أنقرة؟ لماذا انضم إلى هذا التحالف الذي يقبل باستمرار نظام الأسد في إطار وحدة سوريا؟
والحقيقة أن هناك العديد من الأسئلة التي يجب طرحها بشأن هذه الجبهة، فتلك الأطراف التي تشكلت منها الجبهة لا تعترف بالإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، كما أنها اتهمت في العديد من المناسبات أولئك الذين يقاومون ويناضلون ضد احتلال المدن الكردية، كما عملت من أجل بث التفرقة بين الكرد والعرب، ولا زالت تواصل هذه المساعي، فما هي الأهداف التي جمعت بين المجلس الوطني الكردي وهذه التنظيمات التي لا تعترف بوجود الشعب الكردي؟
ولأجل فهم هذا الموضوع يجب أولًا فهم حقيقة ألاعيب العثمانية الجديدة في المنطقة، فاللعبة العثمانية تقتضي ضرب الكرد والعرب ببعضهم وبث التفرقة والفتنة بينهم، وتحريض العرب ضد الإدارة الذاتية الديمقراطية واستخدامهم في حربها القذرة، والجرائم الأخيرة التي ارتكبت في دير الزور بالتزامن هذه المساعي ليس من باب الصدفة.
الأمر الثاني هو أن هذه الأطراف تحاول أن تظهر نفسها أمام القوى الدولية والرأي العام بأنها مؤمنة بالتنوع والتعددية، وأنها ديمقراطية، وذلك بهدف طلب الدعم من تلك الدول بدلاً من مجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية، ولذلك فإنهم يضمون في صفوفهم السريان أيضاً.
أما الأمر الثالث فهو إن الدولة التركية تدّعي بأن المجلس الوطني هو الممثل الشرعي للشعب الكردي، وعليه؛ فإن المجلس الوطني يسعى إلى أن يظهر نفسه بأنه لا يمثل الشعب الكردي فقط، بل يمثل شمال وشرق سوريا، لذلك فقد تم اختيار قامشلو من أجل تأسيس الجبهة، وليس في أي مكان آخر.
من المؤكد أنه لن يكون من الممكن أن نأمل ظهور نتائج إيجابية من كل هذه المساعي، خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تتشكل والتي يزداد فيها خطر الدولة التركية على كامل كردستان، ولذلك فلا يمكن أن نتأمل أي خير في تأسيس هذه الجبهة.
بعد الإعلان عن تأسيس هذه الجبهة، أدلى رئيس المجلس الوطني الكردي في سوريا سعود الملا بتصريح لإحدى قنوات الحزب الديمقراطي الكردستاني، وقال فيها: “يجب على الكرد غير السوريين الخروج من سوريا، الأشخاص الذين جاؤوا وقدموا المساعدة، نشكرهم. ولكن؛ يجب عليهم أن يعودوا، ونحن سندير منطقتنا بأنفسنا”.
هذه الرسالة تشير نوعاً ما إلى الأهداف التي تشكلت من أجلها هذه الجبهة، والسؤال الذي يجب طرحه هنا هو: لماذا لا يطالبون بخروج المرتزقة الشيشان والأوغوز والطاجيك والكوسوفيين من أراضينا؟ ولماذا يطالبون ذلك بخروج أولئك الذين يضحون بأرواحهم من أجل الحرية؟ والأمر المثير أن أولئك المرتزقة والذين يخدمون أسيادهم المحتلين، يقولون نفس الكلام، وخلال الأيام الأخيرة ظهرت تصريحات مماثلة في هولير أيضًا.
ومن جهة أخرى فإن جميع الانتفاضات الكردستانية والمقاومة التي ظهرت عبر التاريخ جاء فيها أشخاص غير سوريين إلى هذه المنطقة، ومن بين تلك الشخصيات قيادات من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وقيادات جميع أحزاب باشور كردستان، والقائد أوجلان بذل جهوداً حثيثة على هذه الأرض، نوري ديرسمي، وجكرخوين، وآرام تيكران عاشوا على هذه الأرض، هذه الأرض استقبلت العديد من الأشخاص والقيادات والفنانين والشعراء والكتاب والمثقفين الكرد، ولكن لم يشهد التاريخ هجوماً مماثلاً على هذه القيم، كما أن أحزاب باشور كردستان وُجدت فترة طويلة من الزمن في هذه المنطقة، ومارست أعمالها التنظيمية، في كل مرة تعرضت فيها هذه المنطقة إلى الهجوم من قبل جبهة النصرة وداعش، كان هؤلاء الذين يتحالف معهم المجلس الوطني، يتخلون عن الشعب ويتجهون إلى باشور كردستان، والعديد منهم كانوا يخدمون أنقرة، فيما ظل أولئك الذين يطالب المجلس بخروجهم، يدافعون عن المنطقة ويضحون بدمائهم في سبيلها.
وعليه فإن الوحدة الوطنية يجب أن تتحقق في إطار الحرية والديمقراطية، وهذا ما تأسست من أجله أحزاب الوحدة الوطنية، كما أن مجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية هي ضمانة الحياة الحرة والديمقراطية في شمال وشرق سوريا.
تبذل شعوب وإدارة شمال وشرق سوريا كل ما بوسعها من أجل ضم جميع الأطراف إلى مساعي الوحدة الوطنية، بما فيها تلك التي ارتكبت الجرائم، المهم الآن، هو النضال من أجل مستقبل حر وديمقراطي، ولتحقيق ذلك يجب استنباط الدروس والعبر من الأخطاء. يجب ألا ننسى أن الذين استكانوا وتنازلوا للأعداء لن ينجوا من حكم وعدالة الشعب آجلًا أم عاجلًا، حتى أعتى الدكتاتوريات كان مصيرها مزبلة التاريخ، وعليه فإن على جميع شعوب شمال وشرق سوريا، مهما كانت اختلافاتها الأيديولوجية والسياسية، الوقوف إلى جانب بعضها البعض ضد الاحتلال والإبادة، يجب عليها مباركة المقاومة والوقوف إلى جانبها، بهذا الشكل فقط يمكن تحقيق مستقبل مشرف، ولذلك فإن تحقيق الوحدة الوطنية سيكون مكسباً كبيراً من أجل الشعب الكردي وجميع شعوب المنطقة.