هناك فرق كبير بين الهجرة والتهجير في المفهوم، حيث أن الهجرة تأتي طواعية باختيار الشخص، أو المجموعة وتكون لأغراض مصلحة شخصية، أو مصلحة عامة، أما التهجير فيأتي قسراً تحت الضغط والقوة والإكراه والجبر، وقد تتبعها خسائر كبيرة من الناحية الشخصية، أو الجماعية، وإذا نظرنا إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وما جرى معه عبر رحلة بعثته في مكة، حيث كانت قريش تؤذيه وأصحابه وآل بيته بكافة أنواع العذاب والمحاربة، فتم نفي بني هاشم إلى شعب أبي طالب، وبعد ذلك كان التعذيب الشخصي لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ففي هذا المفهوم يمكن أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم تم تهجيره، حيث يقول سبحانه وتعالى: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا”، أي أنه خرج تحت الضغط والتهديد بالقتل، وفي آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى: “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”، ومن ناحية أخرى نرى كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من تهجيره هجرة ونصراً للمؤمنين، حينما عرض نفسه على قبيلتي الأوس والخزرج في موسم الحج في مكة، وتمت مبايعة النبي في السنه 12 من بعثته، من قبل 12 من كبار زعماء المدينة المنورة، وسميت بيعه العقبة الأولى ثم في موسم الحج السنه الثالثة عشر من البعثة تمت مبايعة النبي في العقبة الثانية 73 رجلاً وامرأتان، حين ذلك قرر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يهاجر إلى المدينة، حيث أنه أصبح له هناك قاعدة شعبية بايعوه على نصرته، وعلى تأمين جميع الماديات له ولأصحابه، وكانوا أنصار النبي صلى الله عليه وسلم ووصفهم الله بقوله: “الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ”، فعلاً كان انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حدثاً تاريخياً ونصراً مبيناً للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حيث أقام هناك أول دولة إسلامية، وآخى بين المهاجرين والأنصار ووضع وثيقه مع اليهود وغيرهم للعيش المشترك بسلام والدفاع عن المدينة، هكذا كان النصر للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.