سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

النظام التركي يبيع العراق وهماً مقابل احتلال أراضيه

حمزة حرب_

في ظل الظروف السياسية الصعبة التي يعيشها العراق، تتمادى دولة الاحتلال التركي في توغلها بالأراضي العراقية، مخترقة سيادتها بموافقة ساسة ومسؤولين في الحكومة تقرر وفقاً لمصلحتها، فبات ثمن السيادة التضحية بالشعب وخيرات العراق، عبر خطط وهمية تهديها أنقرة للعراق، لتنذر هذه المرحلة بمدى ضرورة إقامة حكومة دبلوماسية مستقرة، تعمل على أساس المصلحة الوطنية.
وفي بلدٍ مثل العراق بات انتهاك سيادته المانشيت الرئيس في نشرات الأخبار ومادّة دسمة لمواقع التواصل الافتراضي، وقد أصبح موضوع السيادة الشغل الشاغل وحديث الشارع العراقي، فمَن يريد أن يتوغل عسكرياً فالحدود مفتوحة أمامه، ما دام بعض مِن أبناء العراق يتولى مهمّة تبرير التدخلات والاحتفال بها ووصف الدول المعتدية بأنها تدافع عن “أمنها القومي”! حتى وإن كانت ضحايا الهجوم سيادة العراق والمدنيين، لذا بات انتهاك السيادة هو الثَّمن الذي يمكن التضحية به في سبيل ضمان تحقيق مكاسب سياسية وحزبية وفئوية ضيقة وفي سجالات النخب السياسية والإعلامية موضوع السيادة مختلف في حين يفترض أن يكون هو من البديهيات التي ترتبط بمفهوم الدولة، لذلك يصبح مفهوم السيادة حسب مراقبين بحاجةٍ إلى إعادة تأمّل مِن ناحية واقعيته خصوصاً بعد اتفاقياتٍ أبرمت مع دولة الاحتلال التركي وصفت باتفاقيات الذل، والعار بحق العراق كبلدٍ محوري في المنطقة.
العراق وسيادته المسلوبة 
عند الحديث عن موضوع السيادة، لم نعد بحاجة إلى العودة إلى تعريفها، ولا البحث عن معناها عند منظريها وعلى رأسهم جان جاك روسو لأنّها أصبحت من القضايا التي يتعايش معها المواطن في تفاصيل حياته العامة وعندما يستشعر فقدانها أو وجود خلل فيها ينعكس ذلك على كثير من ملامح دولته التي تكون منتهكة السيادة والعراق بات عنوانه في الآونة الأخيرة كبلدٍ منتهك السيادة وبتبريرات ساسته الذين يعتلون سدة الحكم في البلاد.
الفوضى السياسية في العراق باتت العامل الأساسي، الذي يعزز توغل الاحتلال التركي داخل أراضيه حيث جعلت الانقسامات الداخلية وغياب الموقف الموحد يسُتغل من النظام التركي لتعزيز وجوده العسكري وصولاً إلى إقامة معسكرات، وبنى تحتية تضمن بقاءه الدائم كدولة صاحبة مشروعٍ احتلالي بعيد كل البعد عما تسوقه من ذرائع واهية أشبه بذر الرماد في العيون.
عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان عبد القدو كشف عن مدى التوغل التركي في العراق، الذي بات ينتشر في أكثر من 80 موقعا وتشمل قواعد عسكرية ضخمة وأسلحة ثقيلة قادرة على تهديد المدن بالإضافة إلى 14 مطارًا ومراكز استخباراتية، لذا لا توجد إرادة حقيقية للحكومة على حل ملف السيادة، والحفاظ عليه في خضم أطماع متنامية للاحتلال التركي يساهم ويعزز في توطيد الاحتلال الحزب الديمقراطي الكردستاني في باشور الذي يبارك هذا التوغل والاحتلال ويغض الطرف عما يكابده الكرد في باشور كردستان ويؤيد الذرائع الواهية للاحتلال.
أردوغان والعزف على وتر الانقسامات
الصراع السياسي الداخلي بين القوى العراقية يتيح لدولة الاحتلال الاستفادة من التناحر، وفي ظل هذه الفوضى تعجز الحكومة العراقية عن تبني موقف موحد وواضح تجاه التوغل التركي؛ ما يوفر لأنقرة فرصة لتعزيز وجودها دون معارضة قوية.
ولا يقتصر الأمر على الحكومة العراقية فحسب بل يمتد إلى الأحزاب الكردية، التي تساهم بشكل مباشر في هذا التوغل، والذي وفرت لتركيا مبرراً للبقاء والتوسع داخل أراضي باشور والعراق عموماً وعلى الرغم من خطورة الوضع تقف حكومتا بغداد والإقليم عاجزتين عن اتخاذ موقف قوي لحماية سيادة البلاد ما سمح لجيش الاحتلال التركي بالتوغل بنحو 185 كيلومترا داخل الأراضي العراقية.
وأحد العوامل الرئيسية التي تسهم في هذا الوضع هو الاتفاقية المشؤومة التي وقعت بين بغداد وأنقرة، والتي كان من المفترض أن تنظم العلاقات بين البلدين لكنها تحولت إلى غطاء لتواجد الاحتلال التركي بسبب الثغرات فيها لصالح نظام العدالة والتنمية وبدلاً من أن تكون وسيلة لتبادل المصالح الدولية باتت تصب في صالح الاحتلال لتحقيق التوسع وتأسيس مواقع عسكرية على الأراضي العراقية.
إلى جانب ذلك يؤكد مراقبون أن العراق اليوم قابع في قبضة الأحزاب السياسية التي لا تدين بمجملها بالولاء للعراق وهذا الخطر الحقيقي على الحاضر وعلى مستقبل الأجيال القادمة، فالعراق اليوم لا يستطيع أن يعبر عن نفسه وصوته مقموع ويوشك على أن يكون مقطوع وكل ذلك بسبب تغول زعماء الأحزاب الذين يبحثون عن مصالحهم الفئوية الضيقة ولا ضير في وضع سيادة البلاد مقابل حصولهم على المغانم التي يسعون لها.
وعلى الرغم من بروز بعض الأصوات العراقية التي تتحدث مراراً وتكراراً وتذكر الجميع بالوطن المسلوب الإرادة كما فعل عضو مجلس النواب برهان ناصر النمراوي، مؤخراً واصفاً توغل الاحتلال التركي داخل مناطق شمال العراق “باشور كردستان” بأنه اعتداء على السيادة العراقية، داعياً وزارة الخارجية للتحرك واتخاذ خطوات جادة لوقف هذه الاعتداءات وفق القانون الدولي، إلا أن هذه الأصوات لا تبدو مسموعة في ظل جغجغة القطيع الذي عملت الأحزاب على أن يكون المتنفذ والمؤثر على الساحة.
الاقتصاد وطريق التنمية مقابل سيادة البلاد
“طريق التنمية” والتكامل الاقتصادي الذي سيربط المحيط الهندي بأوروبا وسيمتد جزء من الطريق من ميناء الفاو المزمع إنشاؤه في العراق براً إلى موانئ تركيا على البحر الأبيض المتوسط، وما ساهم في تسريع وتيرة التخطيط هو الإعلان مؤخراً عن الممر الاقتصادي المدعوم من الولايات المتحدة بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي تم الإعلان عنه رسمياً في أيلول الماضي، والذي سيهمش تركيا والعراق في حال تم تنفيذه.
وقد أصبح اقتراح “طريق التنمية” أكثر قابلية للتطبيق منذ ذلك الحين بسبب اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل، والتي ترافقت مع هجمات على الشحن في البحر الأحمر وتحديات أخرى للممر الذي اقترحته الولايات المتحدة وخلال اللقاء الذي جمع رجب أردوغان مع محمد السوداني وعد أردوغان بأن أنقرة ستستثمر في “طريق التنمية”، الذي حصل أيضاً على دعم مالي من قطر والإمارات العربية المتحدة.
وفي حالة تنفيذ المشروع، فإنه سيخلق المزيد من الترابط الاقتصادي بين تركيا والعراق، وأعطى السوداني من طرف اللسان عسلاً كما يقال فيما يخص دخول ومساهمة شركات قطاع البناء التركي ببناء جزء كبير من البنية التحتية للطرق السريعة والسكك الحديدية في جميع أنحاء العراق وبدأت الحسابات الضيقة تدور في خلد الأحزاب السياسية للحصول على جزء من الإيرادات الناتجة عن المشروع بدلاً من تخريبه.
ولا يزال دور باشور كردستان في هذه المبادرة غير واضح ويشعر الكثيرون في الحزب الديمقراطي الكردستاني المهيمن بات يشعر بالقلق من أن يتجنّب طريق التنمية أراضيهم ويضعف احتكارهم للتجارة عبر الحدود مع تركيا. إضافة إلى ذلك هناك وعود أحزاب مرهون قرارها للاحتلال التركي داخل العراق ستدعم بقاء السوداني كمستفيد من مشروع التنمية الموعود ومساهمته في توطيد حالة المركزية للحفاظ على السلطة ومن خلفه الإطار التنسيقي على حساب التيار الصدري وباقي الأحزاب المعارضة للسوداني واطاره التنسيقي.
وبهذا يكون الاحتلال التركي قطع مشواراً لا بأس فيه في تحويل مشروع التنمية إلى طعم اصطاد فيه أطماع الساسة العراقيين وساسة إقليم كردستان المسيطرين على السلطة وبذلك يكون باع أردوغان أوهام للعراقيين بأنه سيعمل على تنفيذ هذا المشروع “طريق التنمية” الذي لا يحظى إلى الآن بدعم دولي لكن يحاول اللعب بسياسة الأمر الواقع التي سيحقق من خلالها تطبيق جزء من الاتفاق الملي الذي يسعى له منذ سنواتٍ طويلة بالسيطرة على ولاية الموصل امتداداً للحدود التركية العراقية إلى جانب كركوك.
خلاص العراقيين وانتزاع سيادتهم المسلوبة
يرى مراقبون أنه للخروج من عنق الزجاجة يجب أن تصبح سياسة العراق مع دول الجوار والعالم، قائمة على مبدأ الحوار، مع الإبقاء على توازن المصالح قائما، وقد يرى آخرون أن تحقيق هذه السياسة المتوازنة لا يتعلق بشخصية سياسية عراقية دون غيرها، إنما الأمر يتعلق بسياسة عامة للدولة، ولكن حضور الشخصية القيادية وتأثيرها ورؤيتها، له أبلغ الأثر في توجيه الرؤية السياسية الوطنية، وجعلها فاعلة وقادرة على توطيد مكانة البلد وحماية مصالحه، فضلا عن السياسة البعيدة المدى للدولة، والتي ينبغي أن تجعل المصلحة الوطنية في قمة أولوياتها.
مثل هذه السياسات المتوازنة تحتاج إلى رؤية متوازنة مدعومة بالحزم وعدم التفريط بكل شيء له علاقة مباشرة بالسيادة كما هو الحال مع الاتفاقية التي وصفت باتفاقية الذل والعار والهوان لما حققته من تفريط بمصلحة الدولة والشعب.
وصف كثير من السياسيين العراق بـالكعكة التي تقاسهما دول الجوار والطامعون فيما بينهم إلا أهله لتفتح هذه السياسية الباب موارباً أمام تساؤل هل ما يجري حول المصلحة الوطنية العراقية يحدث بشكل متعمَّد ومخطط له أم هو ناتج حتمي للمزاجية السياسية والعشوائية وعدم وجود خطوط ثابتة ومبادئ راسخة تحمي البلاد من التفريط بحقوقها خاصة السيادية منها؟
العراق بإمكانه أن يستثمر حالة التفاوت بين المجموعة الأميركية ومجموعة أنقرة لتشكيل حالة ضغط، ما سيدفع واشنطن وحلفاءها في المنطقة إلى استثمار العراق للضغط على أنقرة بما يصب في نهاية المطاف في صالحه بعيداً عن مصالح هذه الدول، وكل ذلك يحتاج إلى وجود حكومة ودبلوماسية عراقية مستقرة لكن وبحسب مراقبين؛ فإن الدبلوماسية العراقية يمكن تسميتها بالحزبية تعتمد على اللحظات ولا تملك استراتيجية متوسطة أو بعيدة المدى وهي حتى غير مفهومة ولهذا السبب يبدو العراق ليس له هوية بسبب ضعف دبلوماسيته”.
فلابد من القول: إن العراق يعاني من هشاشة واضحة في إدارة شؤونه السياسية خاصة أن تجربة قادته السياسيين لا تزال طرية مقابل تمرس كبير للدول الكبرى والإقليمية على كيفية تقاسم مصالحها من لحم ودم الشعب العراقي ممثلاً بخيراته وثرواته المادية والمعنوية، التي أصبحت محل نهب وسلب من هذه القوى المختلفة وهو نهب لا نظير له في التاريخ العراقي المنظور أو القديم تدعم هذا الواقع المؤلم ظروف سياسية تبدو قاهرة تحاصر العراق بل كأنها غير قابلة للمعالجة بسبب ضغط الصراعات الدولية والإقليمية التي فُرضت على العراقيين وهم الآن يخوضونها بالنيابة عن المتحاربين الكبار والصغار معاً، لذا بات من الضروري على الشعب العراقي دق أسفين في مضمار هذا المسار والعودة خطوة إلى الوراء للانطلاق في المسار الصحيح في اختيار من يمثلهم من ساسة وطنيين بإمكانهم الحفاظ على سيادة البلاد واستقلاله وحماية أراضيه ومعالجة ملفاته داخلياً دون الارتكاز على الخارج والولاء لدول الجوار بحسب خبراء.
لأنه من المؤسف ما يحدث لاسيما ما يتعلق بالمصلحة الوطنية للعراق، ومؤسف أكثر أن يتعامل القادة وصناع القرار ومعظم العاملين في الميدان السياسي، مع هذا الجانب المهم بلا حزم، علما أن هذا الواقع الذي يتوزع على جانبين، أحدهما خفي، والآخر واضح وضوح الشمس، يتطلب تعاملاً سياسياً وطنياُ حاسماُ، من لدن قادة سياسيين مؤمنين بالشعب والوطن، ينطلقون في تعاملهم القوي مع الصعوبات الكبيرة التي يتعرض لها العراق، من قاعدتهم القوية التي يجب أن ترتكز على الشعب أولا، بمعنى إذا كان السياسي مقنعاً للشعب كله وحليفاً له، فإنه قادر على إقناع الجميع بالرؤية السياسية الوطنية التي تحترم الآخرين في ظل سياسة عدم التفريط بالمصلحة الوطنية.