احتضنت مدينة قامشلو ثمانية أيام أدبية وثقافية خلال معرض الشهيد هركول للكتاب بدورته الثامنة، والذي تميز بجملة من الكتب عن أعوامه الماضية، كما وزعت العديد من الكتب المجانية ومنها مرافعات وأطروحات القائد عبد الله أوجلان على الزوار، وقد طغت الكتب المحلية على العالمية في أجنحة العرض، والزوار تهافتوا عليها لأسعارها المناسبة وملامستها قلوبهم.
تحت شعار “لنجعل من القراءة أسلوب حياة”، أقيمت الدورة الثامنة من معرض الشهيد “هركول” للكتاب، التي نُظمته هيئة الثقافة في شمال وشرق سوريا وبالتعاون مع هيئة الثقافة في إقليم الجزيرة، واستمر ثمانية أيام متتالية خلاف العام الماضي وبدأ من تاريخ 15 تشرين الأول، لغاية 22 تشرين الأول الجاري. حيث يُقام معرض الشهيد “هركول” للكتاب، في كل عام منذ ثماني سنوات، بهدف تطوير، ونشر ثقافة القراءة بين المجتمع، ويعدُّ المعرض مناسبة لالتقاء المثقفين والكتّاب.
تاريخ وثقافة الشعوب
تنوعت اللغات في معرض الشهيد هركول للكتاب في دورته الثامنة، فالكتب الأرمنية اصطفت إلى جانب الكتب السريانية والكردية والعربية والصورانية والفرنسية والإنكليزية والتركية، وقد اندمجت بذلك الثقافة المحلية وتاريخ شعوب المنطقة بالنتاج العالمي، وقد زادت الكتب المحلية أكثر على حساب العالمية منها لما تحمله في جعبتها من معاني بليغة وقصص تلامس قلوب قراء المنطقة.
هذا وشاركت الجمعية الثقافية السريانية بعد تغيب عامين بجناح خاص بالكتب السريانية عُرض فيه 750 كتاباً، وقد انخفضت عدد الكتب التي شارك فيها المجلس الاجتماعي الأمني لـ 400 كتاب، لأنه شارك في السنوات السابقة بالكتب الأرمنية والسريانية، خلاف هذا العام.
كما كان للكتب الكردية حضور مميز في قصصها وعناوينها التي أوصلت للقارئ روح النضال؛ لأن شعوب المنطقة قد عايشت الثورة، وشاهدت الحروب ومن هنا حملت هذه الكتب مشاعر كبيرة لقراء وزوار المعرض، ونسبة الكتب المعروضة باللغة الكردية كانت الأكبر فقد وصلت إلى 45% من إجمالي الكتب المعروضة.
فيما كان للكتب العربية بصمتها الخاصة وجمال أسلوبها التعبيري، وتنوعها الثقافي، والأدبي، والفلسفي، والتعليمي، وقد واكبت الكتب العربية رغبة القراء بتنوع المضمون، وبذلك يمكننا القول: إنه بالرغم من مشاركة أكثر من 45 دار نشر خارجية، نافست النتاجات الأدبية المحلية ونتاج كُتاب المنطقة الكتب العالمية، ليس في المضمون بل بنقل المتلقي إلى عالم الكاتب.
ومع تنوع لغات الكتب المعروضة، تنافست الكتب بشد القارئ إليها، فمعرض الشهيد هركول أصبح عرساً للكتاب على مدار ثمانية أيام التي أقيم فيها.
المرأة سيدة الحضور
والملفت بين أزقة وأروقة المعرض هذا العام حضور المرأة في الأجنحة كافة، وبين الزوار، وهذا ما أضفى طابعاً نسوياً على معرض الشهيد هركول لهذا العام، وقد شاركت المرأة أيضاً بكتب متنوعة منها الأدبي والفلسفي والديني والثقافي وغيرها، فتغنت الواجهات بأسماء النساء من كاتبات وشاعرات وقد بلغت نسبة النساء المشاركات بالمنتوج الأدبي 25% من نسبة الكتاب المشاركين، فيما بلغت النتاجات الأدبية المحلية من إقليم شمال وشرق سوريا 40% من إجمالي كتب المعرض.
كما طبعت العديد من الكتب لكاتبات محلية تشارك لأول مرة، فيما كان للمرأة مشاركة أيضاً في المحاضرات التوعوية التي تنوعت في الفقرة المسائية للمعرض، بالإضافة إلى قسمين خاصين بها، وهما الجنولوجي ومجلة آفاق المرأة، وجناحان خاصان بالأطفال.
هذا وقد زينت رفوف المعرض 143 ألف كتاب متنوع، بزيادة عن العام الماضي بلغت 140 ألف كتاب، وبالنسبة للعناوين فقد ازدادت هذا العام أيضا مقارنة مع العام الماضي لتصل لـ15 ألف عنوان، والتي كانت العام الماضي 14200 عنوان، إلا أن المعرض قد لاقى تراجعاً في عدد دور النشر والمؤسسات المشاركة، ففي العام الماضي وصل عدد دور النشر إلى 60 دار نشر خلاف هذا العام، فقد كانت 54 دار نشر محلية ودولية، من مناطق كردستان ومصر وبلجيكا، والعراق وبريطانيا، والكويت والإمارات، وتغيبت دار نشر كان من المقرر مشاركتها هذا العام، وهي دار آرام من باكور كردستان، لم تستطع نقل الكتب الى المعرض بسبب عوائق في الشحن على الحدود.
كتب القائد أوجلان “الحضور المميز” في المعرض
ووزع المعرض المئات من نسخ كتب القائد عبد الله أوجلان التي كانت حاضرة بكثرة هذا العام، والتي كانت تتحدث عن تقييماته لقضايا مختلفة باللغات التركية والكردية والعربية.
هذا وقد وزعت من دار شلير للنشر، وأكاديمية القائد عبد الله أوجلان للعلوم الاجتماعية ومكتبة أماني، ومن كتبه التي وزعت “مانيفستو الحضارة الديمقراطية بمجلداته الخمسة، كيف نعيش بأجزائه الثلاثة، ورسائل الأمل ومشاكل التحول الديمقراطي في تركيا، ونماذج الحل في كردستان” بالإضافة إلى بروشورات ومنشورات للقائد حول قضايا البيئة.
وقد لاقت صدى كبيراً في معرض الشهيد هركول لأنها تناقش العديد من القضايا المجتمعية والسياسية، وقدمت هذه الكتب للزوار بالمجان، من أجل نشر فكر القائد عبد الله أوجلان وحث القراء على التعرف على بعده الفكري وقضيته المناصرة للسلام والأمان.
كما عرضت العديد من الكتب الكردية القديمة التي جُمعت من دمشق وبغداد وهولير وحلب وإيران لكتاب منهم: أرديخان جليل، جليلي جليل، وزير عيشو، كردستان مكورياني، جلادت بدرخان، قدري جميل، جميل باشا، حسين حزني مركاني، إضافة إلى عدد من الكتب التي كتبها فرنسيون وإنكليز عن تاريخ الكرد.
ولفت النظر في المعرض غلبة الطابع المحلي على الطابع الدولي، فكانت عناوين الكتب المحلية تلامس الواقع المعاش في المنطقة، وتدون تاريخ ثورة استمدت قوتها من أبنائها ومقاتليها وكتابها وأشجارها وحجارتها خالقة منطقة يسودها السلام والأمان ليمارس فيها السكان فعالياتهم الأدبية والثقافية دون قيود.
فعاليات متنوعة
وعلى مدار ثمانية أيام كانت هناك ندوات ومحاضرات تثقيفية للزوار والأدباء والقراء والكتاب، وناقشت هذه المحاضرات العديد من المواضيع الأدبية في شمال وشرق سوريا، وتأثر الرواية بالحرب السورية، والأدب الكردي وما المعوقات التي تعيق تقدمه وإلى أي مرحلة قد وصل، كما تناولت المحاضرات معرض الشهيد هركول ورؤى وآفاق المستقبل، وشارك في الأمسيات التثقيفية والأدبية البروفيسورة في علم الاجتماع والمستشارة في جامعة كولومبيا الأمريكية BONIE MIER ، وتمحورت الجلسة حور تعزيز التفاعل بين الطفل والمعلم والطفل والأهل.
ولم تقتصر الفعاليات على الجانب الأدبي فقط، فكان هناك العديد من الفقرات الغنائية في أيام المعرض، ووقعت العديد من الكتب.
وبقيت مشكلة الأسعار ذاتها فلم تحل، وكانت تفوق قدرة المشترين هذا العام أيضاً، فيما قامت هيئة الثقافة بتوزيع 200 بطاقة شرائية على الزوار والطلاب بقيمة إجمالية تصل إلى ألفي دولار أمريكي لشراء حاجتهم من الكتب، وخفضت بعض دور النشر أسعار كتبها بحسومات تصل إلى 50% ولكن الأسعار بالرغم من هذه المحاولات لم تنخفض كثيراً؛ فكانت من 25 ألف ليرة سورية وتزيد عن 200 دولار أمريكي بعد الحسم.
واختتم المعرض بتكريم دور النشر والمؤسسات المشاركة، وتقديم شهادات شكر وتقدير لعدد من الضيوف والمشاركين في مقدمتهم عائلة الشهيد هركول “حسين شاويش” ولقوى الأمن الداخلي بمقاطعة الجزيرة وللكاتب أرشك بارافي والكاتب مروان بركات.