التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأزمة السورية على المرأة
تستمر معاناة المرأة السورية وتتضاعف بسبب الصراعات والحروب المتواصلة بين الأطياف والفصائل المتناحرة في الأراضي السورية، حيث تتكبد خسائر الصراع من تشريد وفقد للأسرة والعائل، وذلك لكونها مواطنة سورية من جهة، وأنثى في مجتمع يسيطر على أغلب فئاته الطابع الذكوري من جهة أخرى، مما أفضى لوجود عدد من المشكلات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية التي لا تزال تلاحق النساء السوريات منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة السورية 2011 حتى يومنا هذا.
المرأة السورية وتبعات الحرب واستمرار مسلسل المعاناة
في حرب لم ير مؤججوها إلا مصالحهم، ضاعت معظم حقوق المرأة السورية، وأثقلت كاهلها المعاناة في مناحي الحياة كافة اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، والتي كان أبرزها:
1ـ الحرمان والتسرب من التعليم:
رصدت مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن التعليم يعد القطاع الأكثر تضررًا من عمليات القصف والنزوح، وتحرم النساء من التعليم إما بالتسرب منه للزواج المبكر والعمل الحرفي لمساعدة الأسرة، أو لتخفيف الأعباء المادية وعجز الأسرة عن تحمل الصعوبات التي قد تعرقل استكمال تعليم بناتهم، وترجع هذه الصعوبات لأسباب عدة، من بينها: عدم وجود مدارس ضمن مخيمات اللجوء، وبعد المسافات ما بين المخيمات والمدارس، وسوء الأحوال المادية التي تمنعهم من شراء مستلزمات الدراسة وسداد تكاليف النقل الباهظة نظرًا لندرة المازوت؛ وعدم وجود أوراق هوية لبعض الفتيات، إضافة إلى انقطاع الدعم عن المنشآت التعليمية لاسيما في الشمال السوري، وضعف إمكانيات الكوادر والمؤسسات التعليمية، وتضررها من عمليات القصف أو الإخلاء نتيجة التصعيد العسكري المستمر، بالإضافة لهشاشة المناهج وضعف الأداء التعليمي، وقد بيَن المرصد أن نسبة الأمية بين النساء السوريات وصلت إلى نحو 30% تقريبًا.
2ـ العنف والاعتداء الجسدي:
أدت أعمال القتال والإرهاب واجتياح المدن، ومداهمة المنازل على يد قوات النظام والجماعات الجهادية المسلحة، والرغبة في الضغط على الشبان المعارضين لتسليم أنفسهم، إلى تعرض الكثير من النساء إلى الاحتجاز والخطف والاعتقال، وما يتبع ذلك من تعذيب نفسي وجسدي، وممارسة لاعتداءات وانتهاكات جسدية للمعتقلات، التي خلفت آثارًا نفسية ومجتمعية عليهن امتدت إلى المجتمع ككل، كالانعزالية والتفكك والتشرذم الأسري.
وفي سياق متصل فإن مشاركة المرأة في الاحتجاجات الشعبية على الأوضاع المتردية في البلاد، وكذلك انتساب المرأة للتشكيلات العسكرية والأمنية، عظَم من احتمالات التعرض لمثل هذه الاعتداءات، فقد تم تصوير جثة لإحدى مقاتلات وحدات “حماية المرأة” مُثل بها على أيدي مقاتلي “فيلق المجد” الموالي لتركيا، وذلك بالرغم من الأعراف والمعتقدات الدينية والقوانين الوضعية التي تجرم مثل هذه الأعمال، وتؤكد على حرمة النساء، ويذكر أنه لأول مرة عام 2015 تم ذبح امرأتين مدنيتين على يد تنظيم الدولة الإسلامية بحجة ممارسة السحر والشعوذة.
3ـ جرائم الشرف:
ازدادت في الآونة الأخيرة معدلات إنهاء حياة السوريات، وممارسة العنف ضدهن بحجة الدفاع عن الشرف، فقد وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان 4/7/2020 قتل شاب من بلدة “حيان” أمه وأخته في مخيم “الحرمين” تحت غطاء “غسل العار”، وكذلك مقتل شابة وشاب في مخيم “الريان”، وقتل فتاة عشرينية من النازحين في عفرين على يد أخيها لاعتقاد عائلتها أنها تحمل سفاحًا فيما تبينت براءتها بعد قتلها تحت مسمى “الدفاع عن الشرف”.
4ـ الزواج المبكر والاستغلال الجنسي:
تعيش المرأة السورية ظروفًا قهرية هي وأسرتها، علاوة على وجود بعض المعتقدات والطقوس القبلية لدى بعض هذه العوائل، والنعرة الذكورية المتسلطة والنظرة الدونية للمرأة تحت مسمى “ضلع قاصر”، تلجأ بعض الأسر إلى دفع فتياتهن إلى الزواج المبكر، وبالتالي التسرب من التعليم أو الحكم عليهم بالأمية، حيث ذكر المرصد عام 2017 في تقريره أن واحدة من ثلاث زيجات للاجئين السوريين في الأردن تضم طفلة تحت سن 18 عامًا، ناهيك عما تتعرض له الإناث في ظل هذه الظروف الضاغطة من عمليات التحرش والاتجار والاستغلال والابتزاز الجنسي والاختفاء القسري، لاسيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل الجهادية المتطرفة.
5ـ انتشار ظاهرة ارتفاع سن الزواج:
أدى انخراط الشباب في المعارك الحربية، واستشهاد بعضهم واعتقال البعض الآخر، أو إلحاق أغلبهم بجبهات القتال أو هجرتهم، إلى عزوفهم عن الزواج، وندرة فرص الزواج أمام الفتيات، وزيادة معدلات العنوسة، حيث ارتفع سن الزواج من 22 سنة قبل 2011 إلى 33 سنة بعدها، الأمر الذي تسبب بدوره لتدهور الأوضاع النفسية والاجتماعية لدى المرأة والأسر السورية.
6ـ تراجع مستوى الرعاية الصحية أو انعدامها أحيانًا:
تعاني النساء السوريات وأسرهن من التراجع الكبير في المستوى الصحي مع استمرار عمليات الصراع والاضطرابات الأمنية، مما أدى إلى انتشار الأمراض وارتفاع معدلات الوفيات بينهن، لاسيما وأن النساء هن الفئة الأكثر عرضةً للخطر نتيجة انخفاض عدد الولادات التي تخضع لإشراف طبي متخصص، وغياب القدرة على الحصول على خدمات ما قبل الولادة وما بعدها، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أبرزها: سوء الأحوال المعيشية لاسيما مع تزايد عمليات النزوح واللجوء وما صاحبها من أوضاع غير إنسانية في المخيمات كنقص الأدوية والأدوات والأجهزة والمواد الطبية؛ خاصة بعد فرض قانون “قيصر” للعقوبات الذي تأثرت به كل المحافظات السورية، إضافة إلى معاناتهم سوء التغذية بسبب تلوث الغذاء والمياه وندرتهم في بعض المناطق، وتقاعس عدد من المنظمات الدولية عن القيام بدورها على أكمل وجه تجاه النساء وأسرهن، وانشغالها بإصدار البيانات والتصريحات الإعلامية، إلى جانب الفساد وعمليات السرقة التي تتعرض لها مخصصات الإغاثة فلا تصل لمستحقيها من الأسر السورية، وتوجيه معظم موارد المجتمع السوري إلى التسلح، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب الرعاية الصحية عمومًا وصحة المرأة خصوصًا ومتطلبات الأمومة، علاوة على تفشي الأمراض الخطرة في المخيمات والمحافظات السورية التي تهدد حياة النساء وأسرهن، حيث نقل المرصد مؤخرًا تحذير وقلق منظمة الصحة العالمية من التفشي السريع لفيروس كورونا المستجد خاصة مع الظروف المعيشية الصعبة التي تشهدها البلاد، وتعذر توفير الخدمات الوقائية الطبية، لاسيما في المخيمات.
7ـ غياب الأمان الاجتماعي والتعرض للأزمات النفسية:
أوجدت الحرب واقعًا شديد المرارة أدى إلى آثار نفسية سلبية على النساء السوريات، نتيجة غياب الأمان الاجتماعي، وغياب القدرة على التكيف مع الأوضاع غير المستقرة التي تفرضها الحرب، إضافة للتعذيب والاعتقال والعنف الذي مورس ضد السوريات، ما جعلهن عرضة إلى الاضطرابات النفسية كالخوف الدائم والقلق والاكتئاب، والرغبة في الانتحار والعزلة، لاسيما مع عدم توافر العلاج النفسي وشح الأدوية ومحدودية الإمكانات الطبية.
8ـ انتشار ظاهرتي البطالة والمرأة المعيلة:
مع التفكك الكبير في بنية القطاع الصناعي، وإفلاس أغلب المشاريع، ونزيف رؤوس الأموال إلى الخارج، إلى جانب الفساد وعمليات النهب والسلب للأصول المادية، واستنزاف المعارك المسلحة للاقتصاد السوري الذي انهار، وأدى بدوره لانتشار البطالة بشكل غير مسبوق بين السوريين رجالاً ونساءً، ودفع النساء للعمل في أعمال شاقة تحتاج لمجهود عضلي لا يتناسب مع طبيعتهن كالفلاحة، وأعمال الدفاع المدني، والبيع على العربات المتجولة في الشوارع، لاسيما النساء اللائي قمن بدور المعيل لأسرهن بعد فقد رب الأسرة، وتزايد عدد الأرامل في المجتمع السوري، ويضاف إلى ما سبق إجبار النساء في بعض المناطق التي تسيطر عليها العناصر الراديكالية المتشددة على ترك وظيفتهن والالتزام بيوتهن، وفي هذا السياق ذكر المرصد أن نسبة البطالة لدى المرأة في هذه المناطق تصل إلى 95% تقريبًا.
9ـ تأنيث الفقر:
خلفت الصراعات والحرب التي لم تنتهِ بعد حالات فقر تعيشه المرأة السورية بمعدلات غير مسبوقة، فقد كشف المرصد عن أكثر من 93 % من السوريين والسوريات، يعيشون في حالة فقر وحرمان، بينهم نحو 65 % في حالة فقر مدقع، كما أكد أن نسبة الفقر بين الأرامل وزوجات المفقودين تبلغ 90% تقريبًا، يرجع ذلك إلى تزايد عمليات النزوح خاصة في مناطق خفض التصعيد، وتدهور سعر الصرف العالمي لليرة السورية، وضعف المنظمات الداعمة ومحدوديتها، إلى جانب الاضطرابات الأمنية التي ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي للمرأة عامة، ووضعها التنموي خاصة، حيث برزت ظاهرة تأنيث الفقر، التي ساهم فيها: ضياع مدخرات الأسر، وتشردهم وتهجيرهم قسرًا من أراضيهم بسبب الحرب، وارتفاع الأسعار مقابل انخفاض الدخول أو انعدامها لدى بعض الأسر، فعلى سبيل المثال: يبلغ أجر العاملات في مجال الزراعة 3 دولارات على الأكثر يوميًا في مناطق نفوذ الفصائل، وكذلك فرض البطالة على السوريات بفعل الحرب والصراعات، وفقدان العائل، وتحمل كثير من النساء الأعباء المادية للأسر بشكل منفرد، وعلى الصعيد ذاته تفشت ظاهرة التسول بشكل واسع، حيث أكد المرصد أن ظاهرة التسول أصبحت جزءًا من الحياة اليومية في الشمال السوري، ورصد 2300 حالة تسول لنساء وأطفال في آذار 2020 بالعاصمة دمشق.
10ـ فقدان إثباتات الهوية:
اقترنت هذه الظاهرة بالنزوح، حيث فقد الكثير من السوريات أوراقهن الثبوتية أو ما يعرف بـ”أوراق الهوية” نظرًا للحرب وعمليات الحرق والقصف والتهجير، وبالتالي فقدوا ما يثبت جنسيتهم، وكذلك أطفالهن الذين ولدوا في المخيمات اللجوء، أو في المناطق نفوذ التنظيمات الجهادية، مما يخلف أشخاصًا دون جنسية، خاصة مع غلق وتعطيل الدوائر القانونية ودوائر القيد في معظم مناطق الصراع مما يترتب عليه حرمانهم من حقوقهم في التعليم، والحصول على المساعدات الإنسانية المقدمة من قبل منظمات الغوث، وغيرها من الحقوق.
11ـ تراجع المشاركة السياسية للمرأة:
نتج عن تعدد الفصائل المتناحرة في سوريا بعد اندلاع الثورة إلى إفساد الحياة السياسية وعرقلتها، مما تبعه عرقلة لدور المرأة السورية، وخلق عقبات يصعب تخطيها بسهولة تحول دون مشاركة سياسية حقيقية لها، والتي كان من أبرزها: تراجع الديمقراطية والحوار، واقتصار العمل السياسي على الأطياف المتصارعة والمتحاربة، وانسحاب المدنيين شيئًا فشيئًا من اللعبة السياسية، بجانب سيطرة الجماعات الراديكالية في بعض المناطق، والرافضة لفكرة تمكين المرأة، والحضور الصوري للمرأة السورية في الأحزاب المعارضة، وتهميش قضاياها على أرض الواقع، والتغني بها في برامجهم الحزبية، كذا اختلاف أولويات المرأة السورية بعد الحرب؛ حيث تسعى أغلب السوريات إلى تأمين سبل العيش لأنفسهن ولعوائلهن، بينما تعد المشاركة في الحياة السياسية رفاهية في اعتقاد الكثير منهن في الوضع الراهن، إضافة إلى تعرض الكثير من الناشطات والحقوقيات السوريات للتنكيل والاعتقال، إلا أن هناك بعض السوريات اللواتي أقدمن على مشاركات سياسية على استحياء في بعض الحركات والتجمعات النسوية السياسية، ومنها ما نشط خارج البلاد، مع توفر مساحة الحرية اللازمة له، إضافة إلى مشاركة المرأة في بعض التكوينات العسكرية والأمنية كـ”قوات حماية المرأة” في مناطق “قسد”.
وبالتالي فإن استمرار الصراع في الأراضي السورية ينذر بمزيد من الخطر والانتهاكات التي من المتوقع أن تهدد المرأة السورية في المستقبل القريب، وتجعل وضعها أكثر سوءًا، لذا يجب على المنظمات المحلية والعربية والدولية المعنية بالمرأة أن تحاول جاهدة توفير سبل الحماية للمرأة السورية على جميع الصعد، وضمان حمايتها وصيانة حقوقها هي وأسرتها، لأن المرأة نصف المجتمع وسلامتها تمثل سلامة المجتمع ككل وأمنه.