تحتضن منطقة منبج ما يقارب مئة وخمسين ألف نازح، أجبرتهم ظروف الحرب المستعرة في مناطق شتى على النزوح، سواء من بطش مرتزقة داعش أو مرتزقة درع الفرت أو ظلم النظام وآلة الحرب الفتاكة واليوم باتت آمالهم وعيونهم معلقة صوب مناطق الحدود الفاصلة بينهم وبين الاحتلال التركي وزبانيته من المرتزقة الموالين له من فصائل ومجموعات تدّعي أنها سورية وما هي الا جماعات مجرمة باعت الوطن وارتمت في حضن المحتل التركي.
النازحون لفتوا الانتباه إلى أن هدف الاحتلال التركي هو النيل من استقرار المنطقة, وتهجير أهلها لتستوطن فيها عوائل المرتزقة, وتغيير ديمغرافية المنطقة. متأملين أن تتدخل القوى الدولية للحد من انتهاكات تركيا ومرتزقتها.
محاربة الإرهاب, الادعاء بتحرير المناطق وإعادتها إلى أهاليها, إعادة النازحين إلى ديارهم, جميعها ذرائع يستخدمها الاحتلال التركي لشرعنة احتلاله للأراضي السورية, متناسياً الأعداد الهائلة للنازحين القاطنين حالياً في المناطق التي يقصدها بتهديداته, ومدينة منبج خير دليل على ذلك، وتضم ما يقارب 143 ألف نازح من عموم الجغرافية السورية.
في الخامس عشر من آب عام 2016 تحررت مدينة منبج في الشمال السوري, على أيدي قوات مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية, لتصبح بعدها وجهة لآلاف النازحين من هول الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان, لما شهدته المنطقة من أمن واستقرار بعد التحرير.
وبحسب النازحين مدينة منبج وفرت لهم كافة مستلزماتهم وكل ما كانوا يرغبون به طالبين للاستقرار من جديد بعد رحلات نزوح عدة ضمن الأراضي السورية، نتيجة لممارسات الاحتلال التركي ومرتزقته وقوات النظام.
موجات النزوح وأسبابها:
بدأت موجات النزوح إلى مدينة منبج في شمال سوريا, بعد تحرير المدينة من مرتزقة داعش, وكانت أولى موجات النزوح تلك في عام 2016, بعد هجمات جيش الاحتلال التركي على الأراضي السورية في كل من مناطق الشهباء “إعزاز, جرابلس والباب”, واستمرت موجات النزوح من عدة مناطق أخرى في عام 2017 من مناطق الخفسة ومسكنة, نتيجة المعارك العنيفة التي ظهرت بين قوات النظام ومرتزقة داعش.
موجات النزوح إلى مدينة منبج لم تكن لأسباب المعارك الدائرة بين الأطراف المتصارعة فقط, بل جاءت أيضاً للأوضاع الأمنية الرديئة التي تعيشها المناطقة القابعة تحت سيطرة الاحتلال ومرتزقته والقوات التي تسيطر على تلك المناطق الآن, وسط حالة من السلب والنهب والخطف, والقتل والتطهير العرقي والتغيير الديمغرافي المتعمد, على أيد كلٍّ من مرتزقة ما تسمى “درع الفرات” التابعة لجيش الاحتلال التركي, والنظام السوري.
منبج الحضن الآمن لتوفر الأمان:
مدينة منبج أصبحت ملجأ لآلاف النازحين السوريين, ووجهة العوائل الباحثة عن الأمن والاستقرار, نتيجة تواجد قوات مجلس منبج العسكري برفقة قوى الأمن الداخلي التي تمكنت إلى الآن من الحفاظ على المنطقة, بعيداً عن ما تشهده المناطق السورية الأخرى, ولعودة الأهالي إلى حياتها الطبيعية كمواطنين, مبتعدين عن اللجوء إلى مخيم الدول المجاورة كتركيا, الأردن والعراق, أو اللجوء إلى الدول الأوروبية, وركوب المخاطر, كما كان حال الملايين من السورين اللاجئين إلى الدول الآنفة الذكر, أو ممن استقلوا البحار للوصول إلى أوروبا.
القوى الأمنية والعسكرية في مدينة منبج، وما وفرته من أمن واستقرار في المدينة ومناطقها الإدارية, هيأت أرضية لاحتضان حوالي 143 ألف نازح سوري من عموم الجغرافية السورية، حسب وثائق وإحصائيات لجنة الشؤون الاجتماعية في المدينة, جلهم من المناطق المجاورة والقريبة من المدينة، وهي “إدلب, حماة, حلب, حمص, حماة, الباب, إعزاز, جرابلس, الخفسة, مسكنة, الرقة ودير الزور”, وهذه الأعداد رصدت خلال عام 2017.
مساعدات جمّة من الإدارة للنازحينرغم العبء الكبير:
إن الأعداد الهائلة للنازحين الوافدين إلى مدينة منبج, شكل عبء كبير على عاتق الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها المتشكلة حديثاً بعد التحرير إلى جانب إعادة إعمارها, وصمت وعدم التدخل السريع للمنظمات الإنسانية العالمية لمساعدة النازحين والتعاون مع الإدارة المدينة, إلا أنها لم تقف عائقاً أمام أبناء المدينة ومؤسسات المدينة المدنية من تقديم يد العون إلى الوافدين إليها, من مسكن وغذاء وكل ما يحتاجه النازح كحالات إسعافيه, حتى يتسنَّ للنازحين من إعادة تكوين أنفسهم بعد رحلات نزوح عديدة عاشوها في مناطقهم.
يحتضن أهالي مدينة منبج إلى جانب الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها حالياً ما يقارب الـ 143 ألف نازح, يتوزعون ما بين من يقيم في المدينة ممن تساعدهم الأوضاع المادية, ومنهم من ينتشر في مخيمات “رسم الأخضر” على أطراف المدينة, حيث يقطن تلك المخيمات التي ترعاها إدارة المدينة, جلهم من “الخفسة, مسكنة, الباب, إعزاز, جرابلس, عفرين, إدلب وحماة”.
تحرير المناطق خفف العبء نوعاً ما عن كاهل الإدارة:
العمليات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية لتحرير المناطق السورية من مرتزقة داعش في كلٍّ من مناطق الرقة ودير الزور, ساعد في تخفيف العبء على الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها, من خلال إعادة سكان تلك المناطق إلى ديارهم بعد التحرير, إلا أنها لم تكن كافية لتخفيف العبء عن الإدارة, نظراً لبقاء أغلب المناطق الأخرى تحت سيطرة قوات المرتزقة المدعومة من الاحتلال التركي وقوات النظام.
منبج تحمي النازحين وتركيا تستغلهم:
مسألة النزوح واللجوء في بعض المناطق السورية، ومخيمات دول الجوار كما في تركيا والأردن أصبحت سلعة متاجرة, تسعى من خلالها تلك الدول لفرض سياستها في المنطقة, وعلى وجه الخصوص تركيا, التي لم تتهاون يوماً باستخدام اللاجئين كورقة ضغط على الدول الأوروبية, والدول المتدخلة في الأزمة السورية, إلى جانب استخدامها للاجئين للحصول على المزيد من الملايين من الدولارات من الأمم المتحدة، وغيرها ممن تتخوف من عواقب هجرة السوريين إلى بلدانها, وإلى الآن إذا لاحظنا بأن سياسة تركيا من خلال استخدام اللاجئين قد نجحت, فهذا النجاح هو على حساب معاناة اللاجئين السوريين.
منبج ورغم احتضانها لآلاف النازحين ممن فرو من هول الحرب, والجرائم التي ترتكب بحقهم في مناطق سيطرة مرتزقة تركيا, وقوات النظام, لم تعمل يوماً على استخدام هؤلاء النازحين, بل على العكس تستمر في تقديم الخدمات حسب الإمكانيات المتوفرة لديها إلى من هم في ديارها, وتعمل بشكل مكثف بالتواصل مع المنظمات لتحمل مسؤولياتها تجاه ما يعانيه النازحون في تلك المخيمات, وإعادتهم إلى ديارهم من خلال التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية.
التكاتف والتلاحم بين أهالي مدينة منبج والنازحين الوافدين السوريين إلى المدينة, لم تتناغم مع ما يطمح إليه الاحتلال التركي في الأراضي السورية, ويراها الاحتلال التركي كحد لمشاريعه التجارية التي يعتمدها على حساب اللاجئين السورين, فيسارع بين الفينة والأخرى باستهدافهم في تلك المناطق الآمنة كما حصل في عفرين العام المنصرم, والإدلاء بتصريحات وتهديدات على تلك المناطق, وكانت آخرها التهديدات التركية لاجتياح الشمال السوري, ومنبج كانت من تلك المدن التي تحاول تركيا وبشكل يومي للحصول على تنازلات سياسية وعسكرية من أطراف أخرى لاستهدافها عبر مرتزقته.
النازحون والتهديدات التركية:
التهديدات التركية حيال مدينة منبج شكلت مخاوف عديدة لدى النازحين إلى المدينة, فيرى النازحون بأن أي تدخل عسكري على منطقة منبج, سيجبرهم مرة أخرى لخوض غمار رحلة نزوح جديدة بعد أن استقر بهم المطاف في مدينة منبج, ويرى البعض الآخر التدخل التركي نسف للأمن والاستقرار المعاش في المنطقة.
عمر حسين والد لأربعة أطفال لا تتجاوز أعمارهم الأربعة سنوات، يقطن في مخيم رسم الأخضر، بمدينة منبج منذ عامين, نازح من مدينة مسكنة التابعة لمحافظة حلب السورية وهي مناطق تقع حالياً تحت سيطرة النظام السوري, يقول “منبج تشهد الآن حالة من الأمن والاستقرار وهذا ما كنا نبتغيه للاستقرار, ولم نرَ في منبج منذ قدومنا إلى المدينة سوى المعاملة الجيدة من أهالي المدينة تجاهنا”.
وتخوف النازح عمر حسين، من التدخل التركي في منبج الأمر الذي سيجبر النازحين إلى النزوح مرة أخرى بعد أن استقر بهم الأمر في هذه المدينة, وقال بهذا الصدد “أن ما يخيفنا بالدرجة الأولى هو تدخل أطراف أخرى بشؤون المنطقة, ومن العمليات العسكرية علينا في هذه المدينة الآمنة, وإذا شن العدوان على هذه المنطقة فإننا سنجبر مرة أخرى للنزوح, بعد أن نزوحنا ثلاثة مرات”.
ولفت حسين، قائلاً “عددنا كبير وهذه المنطقة آمنة, أين سوف نتوجه ونرى منطقة أخرى أكثر أمناً من هذا الأمان المتوفر حالياً لدينا, وكل ما نوده المحافظة على أمن واستقرار المنطقة من الجهات المعنية والجهات الدولية”.
أما محمد عمار أحمد، من نازحي مدينة الباب الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي ومرتزقته, والقاطن حالياً في غرفة واحدة في مدينة منبج هو وزوجته وابنه, يقول “أن مناطقنا تقبع حالياً تحت سيطرة درع الفرات والجيش التركي, عمليات الخطف والقتل والتهجير الممنهج هي التي أجبرتنا على الخروج إلى مناطق آمنة, لذلك كان اختيارنا مدينة منبج, ادعاءات أردوغان بتحرير المدينة من الإرهاب ومحاربتها للإرهاب لا تمت للحقيقة بصلة, جميع التصرفات التي يقوم بها مرتزقته تدل عل مدى إرهابية تلك المرتزقة”.
وأضاف النازح محمد عمار أحمد، قائلاً “التدخل التركي يهدف إلى النيل من استقرار المنطقة, وتهجير أهلها لتستوطن فيها عوائل المرتزقة, وتهدف إلى تغيير ديمغرافية المنطقة, وإننا على أمل أن تتدخل القوى الدولية للحد من انتهاكات مرتزقة تركيا”.
وتترقب أعين النازحين في مدينة منبج قرارات القوى الدولية حيال تلك التهديدات, وأنفسهم تخشى المضي في رحلة نزوح جديدة في حالة تعرض المنطقة لعمليات عسكرية من جيش الاحتلال التركي, وهم على أمل أن تتجاوب تلك القوى مع مطالبهم للحد من موجات النزوح التي قد تشهدها المنطقة, إلى جانب ما يقارب الـ 539 ألف نسمة من أبناء المدينة.
وما يثير التساؤل بين السوريين في هذه المرحلة وبعد التهديدات التركية للمنطقة عن أي تحرير يتحدث أردوغان ومرتزقته, ومن هم النازحين لإعادتهم إلى ديارهم, في ظل التهجير القسري المستمر من قِبل جيشه ومرتزقته لأهالي المناطق التي دخلت تحت سيطرتها من قتل وسلب ونهب وخطف المدنيين.