تُعدُّ المؤونة الشتوية ادخار غذاء يُخفِف أعباء الأهالي في فصل الشتاء، ومع ارتفاع أسعار المواد المستخدمة فيها في موسم إعدادها عكفت الكثير من العوائل عن صنعها.
تتضمن المؤون الشتوية مجموعة متنوعة من المواد الغذائية، مثل المُربيات، ودبس البندورة، ودبس الفليفلة، والباميا، وورق العنب، والمخللات، بالإضافة إلى الجبن، والبرغل، والعدس، والزيتون، والمكدوس، والسمن العربي، والملوخية والباذنجان المجفف، وغيرها الكثير من الأصناف التي تفننت بصنعها ربات البيوت على مدار فصل الصيف.
ولكن خلال السنوات الماضية؛ تغيّرت الظروف بشكلٍ كبير، حيث أصبحت القدرة على تجهيز المؤونة الشتوية تتلاشى شيئاً فشيئاً بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، والتدهور المستمر في قيمة الليرة السوريّة مقابل الدولار الأمريكي، وهذه التحديات الاقتصادية أثقلت كاهل الأُسر، مما جعل الكثيرون يضطرون إلى التخلي عن تحضير المؤونة، أو تقليل الكميات والاستغناء عن الكثير من الأصناف، والتي كانت تُشكل سابقاً جزءاً لا يتجزأ من ثقافتهم وتقاليدهم.
بدء شهر إعداد المونة
ومع اقتراب فصل الشتاء، يجد سكان المنطقة أنفسهم غير قادرين على تجهيز الكميات التي تكفيهم من المؤونة في شهري “آب وأيلول” كما اعتادوا، نتيجة لارتفاع أسعار الخضار والمواد الأساسية، حيث إن هذان الشهران من أصعب الشهور للعوائل، لتزامنها مع بدء العام الدراسي وحاجة الأُسر لتجهيز المونة، مما يضع ضغوطاً مالية كبيرة على أصحاب الدخل المحدود.
شهد العلي؛ ربّة منزل لعائلة مؤلفة من أربعة أشخاص تحدثت لصحيفتنا “روناهي” عن التغيرات التي طرأت على تقاليد تحضير المؤونة: “في السابق، كنت أعمل لمدة شهرين كاملين في إعداد المونة بمساعدة بناتي وجيراني، حيث كان العمل الجماعي يُمثل جزءاً من الروابط الاجتماعية بين النساء في المنطقة، إلا أن هذا العام، وبسبب الارتفاع الكبير في أسعار الخضروات، لم أتمكن إلا من تحضير 10 كيلوغراماً من الباذنجان المجفف، و30 كيلوغرامات من الملوخية المجففة، متخليةً عن إعداد باقي أصناف المونة، لارتفاع أسعار إعدادها”.
رب البندورة يغيب من المؤونة
أشارت شهد إلى أن سعر البندورة غالي، ولا يمكن للناس صنعها فالجاهز أصبح أرخص لهم، ففي السابق كانت تعدُّ العديد من المؤن الشتوية، من مكدوس ودبس البندورة وفليفلة، ولكنها استغنت عنها لشرائها من المحلات جاهزة: “إن أربع كيلوات من دبس البندورة بـ 90 ألف ليرة سوريّة، ويمكن شراء 800 غرام منه لسد احتياجات الأسرة، وكذلك الأمر لدبس الفليفلة والمخللات”.
وعن الكمية التي كانت تَعِدها شهد كل سنة من رب البندورة، بينت لنا أنها تعصر قرابة الـ 200 كيلو بندورة لينتج 20 كيلواً من رب البندورة، وزادت: “هذا العام لم أستطِع إعدادها كما العام الماضي، فسعر البندورة غالي جداً، ولذلك استغنيت عنها بالجاهزة، بالرغم من أن كل ملعقة من رب البندورة المنزلية تُضاهي أربع معالق من رب البندورة الجاهزة، غير أن الطعم يختلف جداً”.
كما أشارت شهد أن أسعار الخضروات ارتفعت في الآونة الأخيرة مع تزامن أعداد المونة، حيث تجاوز سعر كيلو البندورة 20 ألف ليرة سوريّة قبل فترة من الزمن، ومع انخفاضها ما زال سعرها غير مقبول: “لقد انخفضت أسعار بعض الخضراوات، إلا أن الأسعار لم تكن مناسبة لإعداد المونة، حيث وصل سعر البندورة إلى 10 ألف ليرة، والخيار إلى ثمانية آلاف ليرة، والباذنجان إلى ستة آلاف ليرة، بينما بلغ سعر الباميا 22 ألف ليرة سوريّة، وكلها أسعار لا تساعد على صنع المونة”.
وإن أسواق الخضروات والفواكه؛ شهدت حركة خفيفة، مع تراجع إقبال الأهالي على شراء المونة الشتوية بكميات كبيرة، حيث باتت مشترياتهم تقتصر على المستلزمات اليومية الضرورية، وأشار أصحاب محلات لبيع الخضار في قامشلو إلى أن إعداد المونة المنزلية شهدت تراجعاً كبيراً هذا العام بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
مستلزمات أخرى على الأبواب
وأوضحت شهد أن ارتفاع تكاليف المواد اللازمة لتحضير المجففات والمربيات والمكدوس، دفع الكثيرون إلى التخلي عن إعدادها، وأضافت: “إن تدهور مستوى الأجور جعل العديد من العائلات غير قادرة على تأمين احتياجات يومها، مما دفعهم إلى التركيز فقط على شراء الضروريات، ويتزامن إعداد المونة الشتوية مع بدأ دوام المدارس، وهذا ما يزيد العبء على الأهالي فلوازم المدرسة كثيرة من حقائب وقرطاسية وغيرها”.
وقد أعدت شهد المخللات لرخص أسعارها فكيلو الفليفلة بثمانية آلاف وهي ليست مناسبة ولكنها تعد كمية كبيرة من المخلل، منوهةً في خِتام حديثها إلى أن هذا الوضع جعل من الصعب على المواطنين تأمين متطلباتهم الأساسية، مما أثّر بشكلٍ كبير على تقاليد تحضير المونة التي كانت جزءاً من نمط الحياة في المنطقة.