اللوحة الأكثر شهرةً وغموضاً واحترافيّة، لها اسمان «موناليزا» و «جوكندا» حيث يُعتقد أنّها رسمٌ لامرأة اسمها «ليزا جوكوندو»؛ بَحَثَ المؤرّخ بالانتي في سرّ الموناليزا لمدّة 25 سنة، وحصل على وثائق، وشهادات زواج من ذاك العصر، ووصل إلى نتيجة (غير قاطعة) وهي أنّ الموناليزا شخصيّة حقيقيّة عاصرتْ دافنشي، وهي مادونا ليزا جيرارديني زوجة التاجر فرانشيسكو جوكوندو الصديق المقرّب لدافنشي؛ فطلب منه رسم لوحةٍ لزوجته، إلّا أنّه لم يستلمها أبداً.
ليزا لم تحبّ زوجها هذا، فقد تزوجّته وهي ابنة 15 ربيعاً، ولأنّها الزوجة الثالثة لديه ولأنّ مَنْ كانتْ تحبّه توفي، فربّما يكون ما سبق تفسيراً لابتسامتها الشاحبة، حيث قِيلَ أنّ دافنشي أتى بمهرّج ليبقي ليزا مبتهجة طوال فترة الرسم، ولم يفلح إلّا بإظهار نصف الابتسامة المشهورة، فحينما تكون سعيداً سترى الموناليزا تبتسم لك، وحينما تكون حزيناً ستراها حزينةً لحزنك. ولربما هذا التأثير السايكولوجي قابلٌ للتفسير، فسعادتنا تجعلنا نركّز على النصف السعيد من الابتسامة؛ والعكس بالعكس.
عينا الموناليزا تلاحق عينيّ المشاهد أينما ذهب، حتّى ظنّ البعض أنّها مسكونة، إنّما هذا خداعٌ بصريّ عن طريق رسم هندسيّ معقّد لم يُفهم بشكلٍ كاملٍ بَعد، حيث بدأ عدد كبير من فنّاني الرسوم ثلاثية الأبعاد بمحاولة التفسير باستخدام القياسات والمنظور؛ ما يدفعنا لاعتبار دافينشي رائداً للرسم الثلاثي الأبعاد قبل اكتشافه بقرون! حيث تعتبر الموناليزا أوّل اللوحات التي رُسمت بناءً على نظريّة التشكيل الهرمي للوجوه، فكانت كلّ لوحات البورتوريه تُرسم من جانب واحد ما يعطي طابعاً مسطّحاً لا حياة فيه، على عكس الموناليزا الّتي حملت سمة ثلاثية الأبعاد؛ استخدمَ دافنشي التجسيم لأوّل مرّة، ممّا ساهم في إحداث تقنيّة ثوريّة في عالم اللوحات الشخصيّة(البورتوريه)، ففي الخلفية مزيجٌ من ثلاثة أماكن مختلفة، وهناك طريقٌ لكلّ منها ولكنْ بتوصيلها تصبح طريقاً واحداً! ولإعطاء انطباع عميق استخدم ليوناردو مجموعة من الألوان المتداخلة مع بعضها البعض، فعند ملاحظة ملابس السيدة لا تجد أي خطوط واضحة، وهذا ما يعاكس الفنّ المُتّبع في تلك الحقبة. بيد أنّ تفاصيل اللوحة تُصبح مبهمةً وضبابيّةً أكثر كلّما ازداد النظر للعمق وابتعدتْ المسافة. وكأنّ حدودها تتلاشى، فتتداخل مع بعضها البعض بحيث تُخدع العين بأنّ أفق الخلفية لانهائي. كما أنّ الموناليزا هي الأخيرة من أصل ثلاث لوحات رسمها باليد اليسرى، وهناك شالٌ رقيق يغطيّ جزءاً من جبهتها وشعرها، وهو ما كانت ترتديه أميرات أوروبا سابقاً. تعمّد دافنشي رسمها بدون حواجب لمجاراة صيحة العصر آنذاك.
اُعتقدَ أنّ دافنشي أخطأ بتلوين الموناليزا، فلوجهها إضاءتان مختلفتان، لكنْ بالتدقيق والمقارنة اكتشف الباحثون أنّ تقاسيم وجه الموناليزا هي نفسها لوجه دافنشي، لكنْ بطابعٍ أنثوي. كما أنّ القياسات الدائريّة للّوحة واحدةٌ لميزان الكتلة بالكامل، خطّ الأفق الأيسر خلف الصورة أخفض بكثير من الأيمن، فذلك اصطلاحٌ فنيّ في ذلك الزمن ويدلّ على الأنثوية. ويذكر بعض النقاد أنّ دافنشي جعل الجزء الأيمن للصورة يبدو أكبر ليخدم فلسفة خاصة بتقديس المرأة، حيث نُقل عن دافنشي أنّه كان منتمياً لمنظمة (سيون) الدينية التي ترتكز على تعبير «الأنثى المقدسة»، استطاعت بعثة اللجنة الوطنيّة الإيطاليّة أن تكتشف رموزاً مجهرية في اللوحة, ما يتطلّب عدسةً مكبّرة لرؤيتها، الأمر الغير يسير أيضاً نظراً لعمر اللوحة. والرموز هي “CE” في العين اليسرى للموناليزا و “LV” باليمنى؛ اللذان يُرجّح أنّهما يشيران إلى الأحرف الأولى “ليوناردو دافنشي”، وقد وُجد أيضاً رقم “72” في قوس الجسر خلف الموناليزا, وقد يكون حرف “L” بجوار رقم “2”. و تقول اللجنة أنّ تلك الرموز لم يكن قد اكتشفها أحد من قبل و استبعدتْ أن تكون خطأ من قبل دافنشي بل أنّه قام بوضعها لغرض لا يعرفه أحد سواه.