محمد العزو
حين كنا في الصفوف الابتدائية الأولى كنا نشتري أقلام الرصاص وورق الأشغال ودفاتر الرسم والمماح “الجومة أو الأستيكة او المساحة” وهي أداة مكتبية تستخدم في مسح ومحو ما مكتوب بواسطة أقلام الرصاص.
في حدود معرفتنا بالمكتبة كنا نعتقد أن أغلب محتوياتها مثل هذه الأشياء. لكن؛ عندما انتقلنا إلى الصفوف المتقدمة صرنا نعرف أن المكتبة تحتوي أيضاً على مجلات فنية وأدبية وجرائد، وتبيع كتباً تاريخية وأدبية وفكرية وغيرها.
في ستينات القرن العشرين المنصرم بدأت وزملائي نرتاد مكتبة (الخابور) الوحيدة في “الرقة” نسبة لصاحبها “أحمد الخابور”، والتي تعدُّ ثاني أقدم مكتبة افتتحت في مدينة “الرقة”.
المكتبة: مكان بيع الكتب وجمعها وحفظها. في قاموس اللغة اسم مكتبة “مفرد ” هو مكان بيع الكتب والأدوات المكتبية، هذا وقد سميت المكتبة بهذا الاسم، لأنها بالمعنى التقليدي تعني مجموعة من الكتب. هذه المجموعة بما فيها من الخدمات يستخدمها الأفراد، الذين لا يريدون أو لا يستطيعون شراء مجموعة موسعة لأنفسهم، الذين يحتاجون إلى مواد لا يعقل وجودها عند أحد، أو أولئك الذين يحتاجون إلى معاونة محترفة في بحثهم.
هذه المكتبة من الممكن أن تغلق أبوابها تحت أي ظرف طارئ وخطير مثل تطور علم الاتصالات، وارتفاع أسعار الكتب وغيرها، لذلك هناك نوع ثانٍ من المكتبات يسمى المكتبة الوطنية، والتي تحتضنها الدولة. وهي المكتبات المسؤولة عن طلب، وحفظ، ونسخ التراث الفكري الوطني للدولة، عبر طريق الإيداع القانوني أو أي شكل آخر، من أجل خدمة الأجيال القادمة، أما فيما يخص الإيداع القانوني يفهم من ذلك، أنه القانون الذي يلزم المؤلف، أو الناشر بإيداع عدد من النسخ المجانية من المطبوعات، أو الكتب الصادرة في المكتبة الوطنية، مقابل أن تحمي حقوق المؤلف. كما أنّ المكتبة الوطنية لا تعير كتبها خارج المكتبة، وهي فقط الإعارة داخلية والمكتبة في هذه الحالة تكون مزودة بصالة للقراءة والمطالعة كما هي الحالة في مكتبة “حلب” الوطنية.
تاريخياً كانت المكتبات سمة من سمات المدن الكبرى في سواد العالم القديم، كمثال على ذلك تلك التي كانت موجودةً في “الإسكندرية”، و”أثينا”، و”الرقة التي كان اسمها دار الحكمة”، و”القسطنطينية”، و”أفسس”، و”نينوى” وتقول المصادر التاريخية نادراً ما كانت الإعارة في تلك المكتبات متاحة، فقد خُطط لها بحيث يزودها الباحثون لدراسة ونسخ ما يثير اهتماماتهم. وبشكل عام تسهم المكتبات بصفة عامة، والمكتبات الوطنية بصفة خاصة في رفع المستويات المعرفية لمجتمعنا وتوثيق وحفظ وتنظيم الإنتاج الفكري والوطني ونشره. ففي مفهوم العالم القديم تعدُّ المكتبات الكبرى مكتبات وطنية، فمكتبة “الإسكندرية” في مصر القديمة من أقدم المكتبات التي عرفت في التاريخ، وقد تم تشييدها عام “330 ق.م” بناءً على أمر من الإمبراطور “بطليموس” الذي كانت لديه رغبةً شديدة في إنشائها؛ لأنه كان يتوق إلى جمع الأدب اليوناني بأكمله، وقد عمل البناؤون على تقسيم مكتبة “الإسكندرية” إلى قسمين: القسم الرئيس والأكبر جعلوه في القصر الملكي، والقسم الأصغر توضع في معبد “سييرابيس”. بعد إنشاء مكتبة “الإسكندرية” انتشرت المكتبات في العالم القديم، فظهرت مكتبة “آشوربانيبال” التي تم أنشاؤها في (نينوى)، وقد تم الكشف عنها أثناء الحفريات الأثرية في القصر الملكي الآشوري في “نينوى” في بداية النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي المنصرم، هذه المكتبة هي من أعظم الإبداعات “الآشورية والبابلية”.
من أهم المفردات في هذه المكتبة وجود هيئة من الموظفين، التي تقوم بالإشراف على تنظيمها وعلى توفير فهارس لتسيير استخدامها، وتتناغم مع مثيلتها مكتبة “الإسكندرية”، لأنهما عالميتان، وتعودان لعائلات حاكمة، في القرن الرابع قبل الميلاد، كانت المكتبات من الضروريات في القصور الملكية، وبين الكتاب والأدباء والعلماء في اليونان. نشطت المكتبات في دورها الكبير مع ظهور نشاط درة العصر اليوناني المفكرين “أفلاطون وأرسطو” إضافة لوجود مدرسة المشائين، و” المشاؤون” هم فرقة فلسفية سارت على منهج (أرسطو)، كان أفراد هذه الفرقة يتذاكرون فيما بينهم وهم يمشون، وهذه المدرسة ساهمت كثيراً وساعدت في تنشيط الحركة العلمية في العصور القديمة كلها.
في العصور الوسطى تميزت المكتبات باحتوائها على نوع جديد من الكتب المكتوبة على لفائف (الرق) والرق، مادة أُعدت من جلود الحيوانات، إذ كان الاعتماد على هذه اللفائف أكثر من الاعتماد على لفائف البردي لسهولة الكتابة على وجهيها. تميز هذا العصر أيضا بظهور المكتبات الوثنية والمسيحية واشتداد المنافسة بينهما. ومن المكتبات التي كانت منتشرة آنذاك والموجودة لوقتنا الحاضر مكتبة “قيصرية” في “فلسطين”.
لقد ظلت المكتبات ذات أهمية وحضور طوال عصر ما يسمى “عصر إمبراطورية الإفرنج” وكانت أشهر تلك المكتبات “مكتبة القصر” في بداية تلك الفترة تعرضت المكتبات للدمار والخراب ثم كان للمكتبات تطور كبير في إيطاليا وفي الفترة العربية الإسلامية. وأخيرا أشير إلى أهمية المكتبة الوطنية والتي تعدُّ حاضنة للتراث الفكري والثقافي والتاريخي للأمم والحضارات.