تسابقت نساء شعوب شمال وشرق سوريا كل بطابعها الخاص؛ أظهرت ثقافتها العريقة محافظة على إرث برجم عفرين الفني والنضالي، في “مهرجان الشهيدة برجم عفرين” بنسخته الثانية في كوباني، مبينة أن طابع المقاومة يولد بالثقافة والفن أيضاً.
تحت شعار “بأشعة الشمس نزهر فنّ المرأة” رسمت المرأة لوحة فسيفسائية لشعوب المنطقة في كوباني، مبرهنة أنها امتزجت فيما بينها، كل بجمال تراثها الأصيل، وثقافاتها وفنها المميز عن الآخر، وذلك في مهرجان الشهيدة برجم عفرين بنسخته الثانية، أو كما وصفته المشاركات “عرس يتغذى بروح الفن والمقاومة”، والذي نظمته حركة هلال زيرين لثقافة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا.
فعاليات غنّية بالفنّ النسائي
تضمن مهرجان الشهيدة برجم عفرين بنسخته الثانية، والذي انطلق في السادس من أيلول الجاري، واستمر حتى التاسع منه، حفلات موسيقية، وعروضاً مسرحية وفعاليات فنية متنوعة، شاركت فيه 450 امرأة من مختلف الفرق الموسيقية في المنطقة، موزعة بـ 32 فرقة فنية، وتسعة فنانين تشكيليين، والعديد من الشعراء من مقاطعات إقليم شمال وشرق سوريا.
وتميز اليوم الأول بمسيرة فنية مصحوبة بالطبول والمزامير والدفوف بدأت من ساحة المرأة الحرة إلى مركز باقي خدو للثقافة، ارتدت فيها النساء أزياءهن الفلكلورية، الكردية، والعربية، والآشورية، والأرمنية، والكلدانية، والإيزيدية، في لوحة فسيفسائية مميزة، رسمت جمال المرأة وتراثها، وقدمت فرقة آرارات، وفرقة الشهيدة ساكينة، وفرقة الشهيدة دارسين، عروضاً مسرحية مختلفة، كما شاركت كبيرات السن في اليوم الأول من المهرجان بلوحات تشكيلية وأشغال يدوية.
وقد عرض في اليوم الثاني من المهرجان فيلم وثائقي “هيزا” أظهر معاناة المرأة، وعمليات الإبادة، الذي تناول مأساة المرأة الإيزيدية، خلال هجوم داعش عام 2014 في شنكال، فيروي الفيلم قصة امرأة إيزيدية ومعاناتها مع مرتزقة داعش، حيث يتحدث الفيلم عن حقيقة الإبادة الجماعية، وأن النضال والمقاومة لم ينكسرا مع محاولات داعش الإرهابية في قتل الإيزيديين.
وتغنى اليوم الثالث بالعروض الفنية، التي قدمتها فرق الدبكة المتنوعة للشعوب كافة، وهي “فرقة الشهيدة هيلين جودي للغناء من مدينة الرقة، وفرقة الشهيدة دليلة للغناء من قامشلو، وفرقة الشهيدة هيزل للدبكة من حلب، وفرقة الأمهات للدبكة من كوباني، وفرقة الشهيدة روناهي، وفرقة الشهيدة سوسن بيرهات، وفرقة الشهيدة سنان للمرأة، وفرقة الشهيدة هفرين، وفرقة الشهيدة شيلان، وفرقة ارتساغ، وفرقة الليالي العشرين”، فأظهر كل شعب تراثه الموسيقي، وأغانيه المميزة.
فيما شهد اليوم الرابع فقرات شعرية، بالإضافة إلى ندوة حوارية بعنوان (ثقافة وفن المرأة، أدب المرأة ودور القائد عبد الله أوجلان)، وقدمت الفنانتان منة الله خميس، ونسرين بوطان فقرات غنائية، إلى جانب تقديم عروض فنية (غناء ودبكة) من (فرقة الشهيدة بارين، وفرقة الشهيدة هيفاء، وفرقة الشهيدة ألانيا، وفرقة الشهيدة دليلة، وفرقة الشهيدة نالين).
وكان من المقرر أن تشارك الفنانة التونسية آمال المثلوثي التي اشتهرت عالمياً بالأغنية الاحتجاجية “كلمتي حرة”، والتي أصبحت نشيداً للثورة التونسية والربيع العربي مطلع عام 2011، والفنانة الكردستانية شادي غلامي القادمة من شرق كردستان في إحياء اليوم الرابع من مهرجان الشهيدة برجم، ولكن منعت سلطات الديمقراطي الكردستاني دخولهما إلى إقليم شمال وشرق سوريا.
الثقافة والفن مقاومة
فيما خيمت الأغاني التراثية على أجواء المهرجان، وبذلك رأت إدارية فرقة الشهيدة ساكينة في مقاطعة قامشلو “كلستان إبراهيم“، أن الفرق المشاركة بالعروض الفنّية أبدعت وأوضحت إنه تم إبراز لوحة غنية بالفن النسائي: “تمكنت المشاركات من خلفيات متعددة التعبير عن صورة مشتركة لإبداع وفن المرأة من خلال الموسيقا، والأغنية، والرقص، والمسرح، والشعر، وبهذا استطاعت النساء بهذا المهرجان حماية إرث الشهيدة برجم”.
وعن لقاء الفرق العربية والمسيحية والكردية على خشبة واحدة، بينت كلستان، أنها المرة الأولى، التي ترى فيها أن النساء تحاول إظهار تراثها بكل فخر دون خوف من الاضطهاد، ودون تشويه للثقافات الأخرى، فقد تلاقت الشعوب، وتراقصت على ألحان الأمة الواحدة، وعن عروض الدبكات، التي قدمتها فرقة الشهيدة ساكينة قالت كلستان: “لقد كانت وصلات الغناء والدبكات مستوحاة من التراث الكردي لأبناء الجزيرة، وهدفنا من خلال مشاركتنا إيصال تراثنا للشعوب كافة، واظهار جوهر المرأة الكردية”.
ونوهت إدارية فرقة الشهيدة ساكينة في مقاطعة قامشلو “كلستان إبراهيم” أن مهرجان الشهيدة برجم عفرين بنسخته الثانية قد برهن أن الثقافة مقاومة، ونساء كل شعب أظهرت مقاومتها بطابعها الخاص، الذي مُزج مع نساء الشعوب الأخرى: “هذا المهرجان كان عرساً ثقافياً للنساء، فنسمع الألحان العربية ترافقها الكردية لتزينها السريانية، وتجملها الأرمنية، كل بنغماته الخاصة، فرُسم وجه آخر للمقاومة، وهي الحفاظ على تراث المنطقة، الذي يبرهن أن هذه الشعوب هي التي تواجدت على هذه الأرض، ومازالت تحافظ عليها”.
وناقش مسرح المهرجان قضايا المرأة في عروضه المسرحية، وبينت المخرجة فاطمة أحمد أن العروض المقدمة أظهرت طابع التقدم والنضال الذي تعيشه المرأة: “إن ثقافة المسرح أصبحت جزأ من مقاومة المرأة”.
وشاركت فاطمة مع “فرقة دارسين” المسرحية من الحسكة بعرض مسرحي يحمل عنوان “زند” والذي ناقش تناقضات المرأة، وتقبلها للثورة، فمنهن من انخرطت بالنضال، ومنهن من وقفت في صفوف المتفرجين، وأبرز ما قدمه العرض، هو وقوف بعض النساء في وجه التطور التي حصلت عليه المرأة وبهذا الخصوص بينت فاطمة: “على المرأة أن تكون سنداً للمرأة، لا محطمة لأحلامها، وبذلك نكون وصلنا إلى روح المقاومة”.
أعمال تراثية بأنامل كبار السن
وعرضت أيضاً الأعمال اليدوية، والفلكلورية التراثية، التي عبرت عن ثقافة المنطقة، وزين المهرجان بالعديد من اللوحات الفنية، التي أبرزت فلكلور المرأة، وما ميز مهرجان الشهيدة برجم عفرين هذا العام مشاركة الأمهات وكبار السن من فنانات، ونساء، يصنعن الأعمال اليدوية، ويلونَّ الحياة بألوان الربيع، كما هو الحال مع ناهد الهندي فنانة تشكيلية من الرقة تجاوزت الخمسين عاماً، وقد شاركت في فعاليات المهرجان بلوحاتها الفنية التشكيلية الخاصة بالمرأة، فرسمتها كشريان للحياة، كما شاركت بعدد من الأعمال اليدوية من منسوجات صوفية، ورسمات على الفخار.
وعن الفن قبل الحرب، وبعدها بينت ناهد، أن الحرب لعبت دوراً كبيراً في تغيير فكر الفنان، لأنه عايش الواقع فأنتج لوحات أصبحت تؤرخ الواقعة، هذا ما رأته ظاهراً في مهرجان برجم عفرين بنسخته الثانية: “لقد تأثرنا بالبيئة وجمالها، فكانت أغلب اللوحات تعبر عن قصص عايشناها في زماننا، أما اليوم فإن الفنانين يرسمون الأمل المشبع بالألم، وقد انعكس ما عايشوه في زمن الحرب على لوحاتهم، وإننا نرى الفنان يعمل على تأصيل التاريخ الذي حفر في ذاكرته”.
وسعدت ناهد بإقبال الفئة الشابة على الفنّ، وعدّت هذه المهرجانات فسحة لازدهار الفن في إقليم شمال وشرق سوريا، والتعرف على الشعوب الأخرى: “لقد امتزج الفن، ووحد الشعوب، فتوحدت شعوب المنطقة بأعمالها المختلفة الفنية الرائدة في مهرجان الشهيدة برجم عفرين تحت راية الفن”.
ترى الفنانة ناهد الهندي في ختام حديثها، أن الحفاظ على التراث من الاندثار يكون بإحيائه الفعاليات، وهذا ما برعت به المرأة: “في المعارض تشارك المرأة بإبداعها، وتتميز مهرجاناتها عن غيرها، فهي تتمسك بتراثها وحضارتها”.
وفي ختام المهرجان كرمت اللجنة التحضيرية لمهرجان الشهيدة برجم عفرين بنسخته الثانية في مدينة كوباني 32 فرقة فنية، إلى جانب عدد من المؤسسات المشاركة.
الشهيدة برجم عفرين… الفنانة الثائرة
واسم المهرجان منسوب للشهيدة برجم عفرين، التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير فن المرأة، وولدت الشهيدة برجم عفرين عام 1974 في مدينة راجو بمقاطعة عفرين المحتلة، وتربت ضمن عائلة متجذرة في الوطنية، فيما كانت تتمتع بخصائص وصفات فنية وصوت عذب، لذلك انضمت إلى فرقة آكري الموسيقية عام 1988، وبهذه الخطوة طورت نفسها في مجال الفن والسياسة والثقافة، وأسست شخصيتها كفنانة، وفي عام 1992، قررت الانضمام إلى صفوف حركة حرية كردستان، وطوّرت المناضلة برجم عفرين شخصيتها الثورية والفنية معاً، وتمكنت من أن تضع بصمتها على الفن الكردي في هذا المجال.
وتخليداً لذكراها تنظم هلال زيرين، مهرجان الشهيدة برجم عفرين منذ ثلاث سنوات، وأقيم المهرجان الأول تحت شعار “الفن هو حرب الوجود والحرية” في مدينة حلب.