قبل بضع سنوات، خرجت إلى الدنيا قبل قرار التقسيم بين فلسطين وإسرائيل، وكان من شروط إقامة دولة إسرائيل وفق هذا القرار، أن يتم تحديد حدود لها، لكن إسرائيل لم تلتزم بهذا القرار، لتصيح ربما هي الدولة الوحيدة في العالم التي بلا حدود مسجلة في الأمم المتحدة، وبعد فترة هدوء بين مصر وإسرائيل فوجئت مصر بغارة إسرائيلية على القوات المصرية الموجودة في قطاع غزة، واضطر عبد الناصر إلى طلب المدد من الكتلة الشرقية، ليبدأ التحول بمصر من الغرب إلى الشرق، مع العداء المتصاعد لإسرائيل، فهذا العدو المغتصب لفلسطين متنمر أيضاً لمصر، وكان هناك برنامجاّ إذاعياّ عنوانه (عدوكم في انهيار) في (صوت العرب )، يبشرنا فيه (أحمد سعيد) بالانهيار الذى يجتاح إسرائيل، بحيث كنت أقتنع نتيجة لهذا البرنامج مع غيري، أن العدو الإسرائيلي لم يبق له سوى شهور وربما أيام، حتى ينهار تلقائيا ودون حروب!!، ولكن هذا لم يحدث حسب ما يتحدث به الخطاب المصري بل والعربي أيضاً، إذ دخلت إسرائيل مع فرنسا وانجلترا في العدوان الثلاثي على مصر (رغم أنه لا علاقة لها بمسألة تأميم قناة السويس)، لتحتل أرض سيناء بالكامل، ولم تتركها إلا بعد أن حققت لنقسها مكاسب هامة (تأمين المرور في خليج العقبة ومن ثم البحر الأحمر، والاستيلاء على قرية أم الرشراش التي حولتها إلى ميناء إيلات)، واعتبرنا أن مجرد جلاء إسرائيل عن سيناء هو انتصار، ليعود من جديد صوت الإعلام المصري بقيادة أحمد سعيد يجلجل(انتصرنا… انتصرنا)، ودخلت مصر في حرب عبثية في اليمن، كانت خراباً على مصر، إذ استنزف فيها الدم المصري على جبال اليمن، واستنزف رصيد الذهب المصري لشراء ولاء زعماء القبائل، لقد كان نصف جيش مصر في اليمن، وكل الظروف كانت تتطلب عدم فتح جبهة حرب جديدة، وضرورة التهدئة مع إسرائيل، ولكن الذي حدث كان على العكس، فالادعاء الزائف بأن مصر هي الأقوى، فنحن في 67 وليس في 56 (ألم نقل إننا انتصرنا في 56!!)، وغنت أم كلثوم في حفل حضره عبد الناصر (راجعين بقوة السلاح… راجعين نحرر الحما… راجعين كما رجع الصباح… من بعد ليلة مظلمة) بعد أن خطبت (يا ريس إن شاء الله سيكون حفلنا القادم بعد النصر في تل أبيب!!)، كان في يقين العقل الجمعي المصري (ومن خلفه العربي)، هو أن النصر على إسرائيل آتِ لا محالة في ذلك، وعشنا أيام الحرب الستة، وخطابنا الإعلامي يتحدث عن إسقاط الطائرات الإسرائيلية، وخطوات الانتصار التي تتحقق في الإعلام المخادع، والتي كانت على عكس الواقع الأليم، إذ استيقظنا من حلمنا السرابي، على خطاب عبد الناصر بالتنحي لأن الهزيمة قد حلت، ومن جديد قالوا لنا أنها مجرد نكسة، والعجيب أننا تعانقنا ورقصنا في الشوارع ابتهاجاً بتراجع عبد الناصر عن التنحي (نزولاّ لإرادة الشعب )، ووجد إعلامنا في التاريخ الإسلام ما يغيثه في مأزقه، فتحدث عن غزوة أحد، التي كانت تمثل انتكاسة للدعوة الإسلامية، ولكنها كانت درساّ أستفيد منه، وكان مقدمة لفتح مكة، لكن الواقع يقول، لقد احتلت إسرائيل كامل أرض سيناء والضفة الغربية بقدسها، لقد حاربنا إسرائيل بالشعارات الهنجورية والأغاني الحماسية، أما هي فقد حاربتنا بالعقل والتخطيط العلمي بعيد المدى، فكانت لها الغلبة، كما لم يكن لها أي حدود تقف عندها، وللحديث بقية.