سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المعارضة التركية وجدل رحيل أردوغان

خورشيد دلي –

نهاية نظام القصر اقتربت عبارة قالها قبل أيام المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري أوزغوز أوزال، وسبقه إلى ذلك زعيم الحزب كمال كليجدار أوغلو عندما قال إن حزبه سيتولى السلطة في البلاد قريباً، داعياً أنصاره إلى الاستعداد لذلك، ولعل ما قاله أوغلو دفع بباقي أحزاب المعارضة إلى رفع سقف الخطاب الإعلامي المطالب برحيل أردوغان على وقع إخفاقات حكومته في الاقتصاد والحريات وأعباء أزمة انتشار فيروس كورونا في البلاد، فضلاَ عن مشكلاته الخارجية مع معظم دول العالم.
في الواقع، من الواضح أن قضية رحيل أردوغان باتت من القضايا الساخنة التي تثير جدلاَ متصاعداَ في الشارع التركي، ولعل مشروعية مطالبة المعارضة برحيل أردوغان تنبثق من جملة معطيات باتت تحفر مجراها عميقاَ في البلاد، ومن هذه المعطيات، أولا: تحول النظام الرئاسي الذي طبق منذ عام 2018 إلى نظام استبدادي، يديره الرجل الواحد وحزبه الحاكم، وهو ما حول البلاد إلى دولة بوليسية، ولعل تزايد أعداد المعتقلين من المعارضين والسياسيين والصحفيين والناشطين والأكاديميين تؤكد هذه الحقيقة، فضلاَ عن أن هذا النظام قضى على تعددية مؤسسات الحكم في البلاد في ظل الصلاحيات المطلقة لأردوغان.
ثانياَ: الفشل الاقتصادي، فالعملة التركية في انهيار مستمر أمام الدولار، وأعداد الشركات والمصانع التي تعلن إفلاسها يومياً في تصاعد مستمر، وأرقام البطالة والتضخم والمديونية وهروب الاستثمارات إلى الخارج في تضاعف، وهو ما أثر على معيشة المواطن الذي كثيراَ ما صوت لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات انطلاقاَ من النجاحات التي حققها سابقاَ في المجال الاقتصادي.
ثالثاً: الفشل في إيجاد حل للقضية الكردية في تركيا، إذ يعرف الجميع أن هذه القضية قضية تاريخية بحاجة إلى حل سياسي من خلال الديمقراطية ولا يمكن حلها بالقوة، والذي جرى أن أردوغان انقلب على وعوده بحل سلمي لهذه القضية وتحول إلى أقصى العنف، حيث وصل الأمر به إلى اعتقال نواب كرد في البرلمان، وعزل رؤساء البلديات المنتخبين، فضلاً عن الاستمرار في النهج الدموي عبر استخدام الدبابات والطائرات ضد الحركة الكردية بحجة مكافحة الإرهاب.
رابعاً: الانقسام في البلاد أفقياً وعموماً، إذ حول أردوغان الصراع السابق بين “القوى الإسلامية” والعلمانية” إلى صراع هويات تفجرت في الداخل وأثرت على علاقات تركيا مع الخارج، لا سيما أن النزعة العثمانية لدى أردوغان واضحة وتحولت إلى أجندة سياسية وتوترت علاقات تركيا مع معظم دول العالم، لا سيما بعد رعايته ودعمه لجماعات الإخوان المسلمين التي تحولت إلى أذرع له لزرع الدمار والإرهاب في العالمين العربي والإسلامي، وبسبب كل ذلك فقدت تركيا انسجامها الاجتماعي السابق وباتت معرضة للانفجار بين مكوناتها الداخلية على أساس الهوية.
خامساً: على خلفية التراكمات السابقة وتداعياتها، تآكلت شعبية حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد استقالة الرفاق القدامى لأردوغان من الحزب وتأسيس بعض منهم أحزاباً جديدة، كل ذلك مقابل استعادة أحزاب المعارضة عناصر قوتها، وقد تجلى ذلك في الفوز الكبير لهذه الأحزاب في الانتخابات البلدية الأخيرة في المدن الكبرى، لا سيما إسطنبول والعاصمة أنقرة.
سادساً: لقد كشفت أزمة كورونا هشاشة السياسة التي يتبعها أردوغان، وأساليبه الشعبوية، وطريقة تحويله كل أزمة إلى معركة ضد المعارضة، إلى درجة أنه منع البلديات التي تديرها المعارضة من القيام بواجبها في مواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا، بل وصل به الأمر إلى حد اعتقال عناصر أحزاب المعارضة التي كانت تقوم بتوزيع الخبز والكمامات مجاناً على المواطنين الأتراك، وهو ما كشف كيف قضى أردوغان على الدولة كمفهوم ومؤسسات لصالح سلطته الفردية في الحكم.
من الواضح أن المعارضة التركية تنطلق في قناعتها بقرب رحيل أردوغان من فشل أردوغان في مختلف المجالات وليس من إعدادها لانقلاب عسكري ضده كما يدعي أردوغان، خصوصاً أن المعارضة هي أحزاب مدنية على غير صلة مباشرة بمؤسسة الجيش، ولعل استراتيجية المعارضة تتركز على الدعوة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، وتشكيل جبهة مشتركة تنهي تشتتها وانقسامها، والأهم الالتفاف حول قائد توافقي لقيادة المرحلة المقبلة في مواجهة أردوغان، حيث تبدو ثمة فرصة حقيقية أمام المعارضة التركية لتحقيق مطلبها هذا، وهذا ما يفسر تأكيدها أن أردوغان راحل لا محالة.