سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المشهد الثقافي في شمال وشرق سوريا..  واقع وطموحات (١)

دلشاد مراد –

كان النشاط الثقافي قبيل عام 2011م يمارس في حدوده الدنيا، نتيجة فرض الضغوط وممارسة حالة من القمع والتهميش الممنهج من قبل سلطات البعث الحاكمة على الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي عموماً في سوريا. فبينما كانت اللغات غير العربية محظورة رسمياً في مجالات التعليم والنشر، كانت المنظمات الثقافية والأدبية تتأسس بشكل غير رسمي، حيث كان النظام الحاكم يرفض ترخيص أي منظمة مجتمعية وخاصة إذا كانت كردية، وحتى بعض الجمعيات السريانية التي رخصت كان يمارس عليها رقابة حكومية ويمنع من ممارسة نشاطات معينة. وكان الحراك الثقافي الكردي التي كانت تمارس سواء بالسر أو العلن تخضع للرقابة، حيث كانت تعقد محاضرات وأمسيات ثقافية متنوعة، وثمة كثير من الأدباء والمثقفون الكرد اعتقلوا وخضعوا للتحقيق أو سجنوا جراء ممارستهم أنشطة ثقافية وأدبية. بينما كان الفن من المسرح والغناء والرقص الفلكلوري يمارس طقوسه غير الرسمي خاصة في أعياد النوروز.
في تلك الفترة كان من النادر أن ترى كتاباً باللغة الكردية أو كتاباً عن الكرد والقضية الكردية في المكتبات العمومية، بل كان ممنوعاً تداول وبيع أي كتاب يتضمن تأكيدات على الوجود القومي الكردي في سوريا.
ولكن تغير كل شيء بعد انطلاقة ثورة شعوب شمال وشرق سوريا في تموز 2012م وإنهاء سلطة نظام البعث، وإعلان الإدارات الذاتية الديمقراطية. وكانت لبعض المؤسسات اللغوية والثقافية دور فعال في تأسيس البنية التحتية للحراك اللغوي والثقافي والفني في المنطقة،  كمؤسسة اللغة الكردية التي فتحت في البداية دورات تعليمية تطوعية لتعليم اللغة الأم لأبناء الشعب الكردي، تطورت إلى فتح مدارس كردية إلى أن ضمت المؤسسة نشاطها إلى هيئات التربية في الإدارات الذاتية الديمقراطية والتي أصبحت تشرف على الواقع التعليمي في الشمال السوري. وهكذا بالنسبة إلى اللغة السريانية، حيث أنشئ مجمع للغة السريانية ومعهد لإعداد المعلمين السريان، حيث يؤكد العقد الاجتماعي لنظام الإدارة الذاتية الديمقراطية على إن اللغات الكردية والعربية والسريانية لغات رسمية في التعليم والنشر وغير ذلك. وهذا أمر يتجاوز كل الدساتير التي سنتها الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط والتي ترفض حتى الآن الاعتراف بلغات وثقافات الشعوب الأصيلة في بلدانها.
وأيضاً عملت حركة الثقافة والفن على إنشاء فرق فنية وفلكلورية، وبعدها فتحت مراكز الثقافة والفن في معظم المدن والمناطق، ليتم التنسيق بين أنشطة هذه الحركة وهيئات الثقافة في الإدارات الذاتية الديمقراطية.
وبإصدار الإدارة الذاتية لقانون الحياة الثقافية عام 2014م أطلقت العنان لشرعنة المؤسسات والمنظمات الثقافية، وكذلك عملية التأليف والترجمة والأنشطة الثقافية والفنية بشكل مؤسساتي. حيث تشرف هيئة الثقافة على تنظيم المهرجانات والمعارض الأدبية والفنية وترخيص المراكز والجمعيات الثقافية وتشجيع الطاقات الثقافية.
كما شهدت المنطقة ثورة في حركة الطباعة والتأليف والتنظيم الثقافي، فأنشأت دور نشر وتوزيع المطبوعات وفتحت مطابع حديثة لطباعة الكتب، وأصبحت العديد من الصحف والمجلات والإذاعات والمحطات التلفزيونية تصدر وتبث في المنطقة وبكل اللغات الرسمية، وفي الوقت نفسه أصبح الأدباء والكتاب يلقون تشجيعاً. وتأسست العديد من اتحادات الكتاب والمنظمات الثقافية، وأنشأت الجامعات والأكاديميات الثقافية والفنية وغير ذلك من المظاهر الأدبية والثقافية..