سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المرأة بين الواقع والطموح..

حسين دلف_

المرأة في يومها العالمي، ما زالت تبحث عن ذاتها، على الرغم من الإنجازات العظيمة، التي حققتها فهي لم تكتفِ، ولن تكتفي لأنها تجابه دائما الذهنية الذكورية النافية، والتي تقلل من قيمة أي إنجاز تحققه المرأة في كل مجال من مجالات الحياة.
فالاكتفاء هو بداية الانحدار والفناء، لذلك نجدها دوما تبحث عن الأفضل، وتنتقل من نجاح إلى آخر، دون كلل، أو ملل فقوتها النفسية، وقدرتها على تحمل الصعاب، والضغوطات التي تتعرض لها من المجتمع، والوسط المحيط بها، والظلم الذي تتعرض له من قبل الأنظمة والقوانين التشريعية، كلها لا تؤثر بها، بل تزيدها إصرارا وقوة على النجاح، بمجرد حصولها على فرصة صغيرة للتعبير عن نفسها، سواء في العمل السياسي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي، حتى في ساحات القتال، بمجرد حصولها على فرصتها للتعبير عن وجودها ودورها، فقد تسطر ملاحم البطولة.
التاريخ يشهد بأسماء كثيرة، ووحدات حماية المرأة في روج آفا خير شاهد على مقاومة وبطولة المرأة في ساحات القتال، المرأة عبر التاريخ، وإلى اليوم دائما ما كانت تتعرض للظلم وتنال القليل من حقوقها، على الرغم من قيامها بالواجبات كلها المترتبة عليها ضمن المجتمع، لكن غياب مبدأ المساواة، والعدالة، وتحكم الرجل بكل مفاصل المجتمع من خلال سيطرة الذهنية الذكورية، واختصار دور المرأة في المجتمع بالإنجاب ورعاية الأسرة، والاهتمام بالأعمال الزراعية البسيطة كان دوماً يظلم المرأة.
فسيادة القبيلة ورئاسة الدولة، والمناصب الحساسة، والمهمة، والمهمات، التي تحقق امتيازات كبيرة، دائما كانت توكل إلى الرجل، لكن رغم ذلك في بعض الأحيان استطاعت المرأة أن تتولى السيادة مثل الملكة زنوبيا، بلقيس، شجرة الدر.
اليوم وعلى الرغم من أننا نعيش عصر الحريات، وانتشار الأفكار الديمقراطية، والقوانين الراعية لحقوق الإنسان، لكن المرأة في أغلب المجتمعات، والدول ما زالت بعيدة عن المشاركة الفعلية في قيادة وإدارة المجتمعات والدولة، فالنظرة الدونية الدائمة للمرأة على اعتبار أنها خلقت من ضلع آدم، وإن الرجال قوامون على النساء، والكثير من الأقاويل، التي تتكرر يوميا ضمن الأحاديث الاجتماعية، جعلت المرأة في موضع الشك، وعدم الثقة بها في إدارة شؤون المجتمع والدولة باستثناء مناطق شمال وشرق سوريا، حيث قطعت المرأة شوطاً كبيراً وشغلت حيزاً هاماً في المجالات كافة السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الدبلوماسية، والعسكرية.
بالعودة إلى واقع المرأة الحالي في الشرق الأوسط، وطموحها في الحصول على كامل حقوقها في قيادة المجتمعات كونها تتمتع بمقدرات كبيرة تمكنها من ذلك، لكن هناك معوقات كثيرة تحول دون حصولها على حقوقها كاملة في المجتمع، ومن جملة هذه المعوقات خاصة في منطقة الشرق الأوسط نستطيع أن نذكر:
– سيطرة العقلية الذكورية الرافضة لحق المرأة في الكثير من الأمور، ففي مجال التعليم مثلاً، يتم التعامل مع تعليم الإناث، ومنحهنّ الفرص كواجب يمكن سحبه في أي وقت من أجل الرجل أياً كانت درجة تفوق الفتاة وقدراتها، فإذا كانت الأسرة فقيرة، ولا يمكنها تحمل أعباء تعليم الأطفال جميعا، فالذكر هو الأولى بالتعليم والأحق، والأجدر بالحقوق والمميزات، نلاحظ كيفية التعامل المختلف من جانب هذه الذهنية العفنة والأمثلة في واقعنا كثيرة ومنتشرة.
– المنع والرفض فرغبت المرأة في أن تعمل، وتنتج، وتطور من نفسها يقابل بالمنع، والرفض من قبل الأهل أو الزوج، إذ لا يمكن للفتاة والمرأة أن تطرح أي فكرة، أو مشروع للعمل أو تطوير نفسها، يتم مباشرة رفض ذلك.
– الخوف بسبب الثقافة الاجتماعية السائدة، والأسلوب المتبع في التربية داخل الأسرة، بحيث ينشأ خوف تلقائي داخل نفس كل فتاة فتقع تحت سيطرة الخوف من الأقدام على أي فعل أو محاولة تحرر من الأعراف والتقاليد، التي نشأت عليها داخل الأسرة، على اعتبار أنها الحلقة الأضعف لذلك لا تريد أن تدخل نفسها في مشاكل كبيرة داخل الأسرة.
– التجاهل الدائم تجاه أي نجاح تحققه المرأة على اعتبار أن أي إنجاز للمرأة، هو عمل بديهي عند الرجل وحصر أكبر إنجاز للمرأة هو الزواج والإنجاب، فالمرأة لا تأخذ الحيز الكافي من الثناء على إنجازاتها.
– أماكن عمل غير آمنة واحدة بحيث يؤدي إلى تعرض المرأة للتحرش الجسدي، واللفظي خاصة مع غياب الأخلاق المجتمعية، والقوانين الرادعة، لذلك تضطر المرأة إلى تقديم التنازلات، أو الصمت على اعتبار أنها ستكون المذنبة بنظر المجتمع حتى لو تكلمت.
– إلزامها وحدها بواجبات الأسرة، ورعاية الأطفال، وعدم تقسيم الواجبات الأسرية بين الرجل والمرأة، بحيث يقع العبء الأكبر على عاتقها، وأي خلل أو مرض أو حادثة ما، يتم توجيه أصابع الاتهام اليها دون الرجل، واعتبارها المقصرة في أداء واجباتها العائلية.
– غياب الوعي الكافي عند قسم كبير من النساء، لذلك نجدهن ينظرن إلى الحرية، والعدالة والمساواة على أنها سلطة، وهن يمارسن السلطة من خلال الذهنية الذكورية كما يمارس الرجال السلطة.
الكثير مما ذكرنا نشاهده، ونراه، ونسمعه في الأوساط الاجتماعية، ولكن لا يسمحون لها بالتداول وتبقى محصورة بين فئة أو شريحة من المجتمع، هذا كان وما زال الواقع المعاش لدى مجتمعاتنا، لكن في حقيقة الأمر فإن ثورة روج آفا ومقاومة شعوب شمال وشرق سوريا، خلقت واقعاً جديداً، وأصبح بإمكان المرأة أن تتنفس الحرية وتعيشها وضمن الأسرة نفسها التي كانت تقمعها! أي نعم الأسرة نفسها التي كانت تمنع المرأة من التكلم والعمل، والدراسة والخروج من المنزل بدون ذكر، حتى ولو كان أصغر منها، هذه الأسرة نفسها المتمثلة بالأب والأم والأخ أضحت دعماً وسنداً للفتاة والمرأة، بعد أن شاهدت بأم عينها القدرات الكبيرة الكامنة داخل كيان المرأة، وهي الروحة المضحية التي تمتلكها، والعقل والذكاء الذي يوجد لديها، والأمثلة كثيره خاصة في واقعنا المعاش حالياً في روج آفا ومناطق شمال وشرق سوريا، خصوصاً ومناطق الشرق الأوسط عموماً، ومنها يتم التأثير على بقية نساء العالم، الذين ينظرون بإعجاب شديد إلى ما يجري هنا، فنرى مثلاً امرأة قائدة شجاعة روجدا فلات تقود جيشاً يتألف من أكثر من 30 الف مقاتل، وتحرر الرقة من براثن مرتزقة داعش، كما نرى مناضلة، وقائدة سياسية تقود مجلس سوريا الديمقراطية، وتسعى لتحقيق السلام والوئام بين سائر أبناء الشعب السوري، وتكافح من أجل إقرار حقوق الشعب الكردي، ونعني هنا إلهام أحمد.
 وكذلك نرى ونشاهد يومياً المئات والآلاف من النساء، ومن مختلف الفئات المجتمعية ومن جميع المذاهب والطوائف، والملل يسرن في الشوارع بمظاهرات عارمة دفاعاً عن حقوقهن وعن شعبهنّ، وكل الفضل يعود في ذلك إلى “مؤتمر ستار” الذي قام بما يشبه المستحيل في توعية المرأة، وإعادة ثقتها بنفسها، والتي كانت قد خسرتها سابقاً واستسلمت لليأس، لكن مع ظهور هذه الثورة والمفاهيم والقيم والمبادئ الإنسانية، التي تنادي بها وتعمل من أجلها بشكل عملي، وتقدم التضحيات الجسام، أصبحت المرأة أكثر جرأة وجسارة في مواجهة هذه العقلية العفنة، والتي تحصر حقها وواجبها في الحياة الزوجية وتربية الأطفال فقط.
نترك لكم التعليق.