أثبتت المرأة الإيزيدية عبر التاريخ أنها قادرة على إدارة مجتمعها، والوقوف ضد كل المحاولات لإنهاء وجود المجتمع الإيزيدي، وكان لها الدور الأساسي في الحفاظ على تعاليم الدين والثقافة الإيزيدية، وباتت درعاً ضد كافة محاولات الاحتلال وإمحاء تاريخ الإيزيديين.
تعرض الشعب الإيزيدي عبر تاريخه لـ 74 فرماناً من قبل أعداء الشعب الكردي وعلى رأسهم الدولة العثمانية وخليفتها الدولة التركية، وكان للمرأة الدور الكبير في الوقوف ضد هذه الفرمانات والمحاولات التي حيكت ضد شعب مسالم على أرضه منذ آلاف السنين، لتكون آخر هذه الفرمانات «مجزرة شنكال في 3 آب 2014م التي نفذت بيد مرتزقة داعش».
ورغم خضوع المجتمع الإيزيدي إلى تشريعات وتطبيقات مدنية لدول مختلفة مثل سوريا, العراق, تركية, أرمينيا, جورجيا، إلا أن المرأة الإيزيدية حافظت على عاداتها الاجتماعية والثقافية، وكانت مصدراً قوياً لشعبها للحفاظ على الإرث المجتمعي والديني وبقيت صاحبة الشأن الجليل عند قومها. أثبتت عطائها السياسي والاجتماعي
ذكر التاريخ الكردي العديد من النساء الإيزيديات اللواتي قمنًّ بإدارة مجتمعهن من الناحية السياسية والاجتماعية وكان لهنًّ مكانتهنًّ وقدرتهنًّ وعطائهنًّ، ومنهنًّ ميان خاتون، عيشا ديز، وكولا شمي، وعرفنًّ بالشجاعة وقوة الشخصية، وكان لميان خاتون الدور الكبير في الحفاظ على وجود الشعب الإيزيدي خلال خمسينيات القرن الماضي عندما حاولت الدولة العثمانية أن تجبر الإيزيديين على اعتناق الإسلام.
ولدت ميان خاتون في قرية باعدرا التابعة لقضاء شيخان في باشور كردستان، وهي ابنة عبدي بك وزوجة علي بك التي استلمت قيادة الإيزيديين في الشرق الأوسط بعد أن نفى العثمانيون زوجها علي بك بسبب رفضه الدخول في الدين الإسلامي، وهنا استطاعت ميان خاتون إدارة الإيزيديين بعد اغتيال زوجها 1913م، وعرفت برجاحة عقلها ودبلوماسيتها وعلاقاتها الواسعة مع مختلف شرائح المجتمع، واستطاعت أن تحمي المجتمع الإيزيدي من أطماع الدولة العثمانية والحكومة العراقية حتى توفت سنة 1956م، في باعدرا .
ويذكر عن الأميرة ميان خاتون أنها إذ حضرت مجلساً ما، نهض الجميع أمامها احتراماً لها، وكانت تتقدم الآخرين لاستقبال ضيوف الأمير من رؤساء العشائر الكردية والعربية، الوزراء والمسؤولين، حيث كانت تجالسهم وتناقشهم، ويعرف عنها بأنها لم تكن تحب حمل السلاح كما أنها كانت تهوى سماع الأغاني الكردية في مجلسها، وبخاصةً في المطارحات الغنائية، لكنها كانت ترفض أن يمتدحها أحد بالغناء، وكانت كثيراً ما تساعد الفقراء، فكانت تأمر بشراء عشرات أطوال القماش من الموصل في أيام الغلاء لتوزيعها على الفقراء والمساكين. دور الإيزيديات في الحفاظ على تقاليدهنّ الدينية
كانت وما تزال المزارات الدينية للإيزيديين هدفاً للدولة التركية والتي تحاول وبكافة الطرق والوسائل إنهاء وجود الشعوب الأصيلة في منطقة الشرق الأوسط، لذا وقع على عاتق النساء الإيزيديات حماية مزاراتهن الدينية وعاداتهن وثقافتهن من أعداء الشعب الكردي والشعوب المضطهدة.
ويعرف في المجتمع الإيزيدي وجود نساء ينذرنًّ حياتهنًّ لخدمة الدين الإيزيدي، ويمتنعنًّ عن الزواج، ويعملنًّ لخدمة لالش والمزارات الإيزيدية الأخرى، حيث يقمنًّ بأعمال تنظيف لالش والمساعدة في جني محصول الزيتون وعصره وخزنه كما يقمنًّ بعمل «CIRA»، أي الشموع التي تضيئ المعبد، وتعرف هذه النساء بين المجتمع الإيزيدي باسم «مجيورا لالشي» أي خادمة لالش، ويناديها الإيزيديون بلقب «daye» أي الأم، حيث يكنُ الإيزيديون صغاراً وكباراً للأم مكانة كبيرة من التقدير والاحترام.
واشتهرت منهنًّ خاتونا فخرا ست خجيجة، وستيا آيس، وأشهر من ضحت في خدمة لالش خاتونا فخرا التي بقيت خادمة فيه حتى وفاتها، وكانت خدمتها بهدف توعية النساء الإيزيديات على تقاليد دينهن ومنعهن من الضياع.
ويقصد بمعنى اسم خاتون أي المرأة الشريفة الجليلة ذات الشأن العظيم بين قومها، وما تزال فخرا خاتون موجودة في تراتيل ودعوات النساء الإيزيديات حتى الوقت الحاضر.
وتكريماَ لها ولخدمتها للمعبد المقدس لالش تصوم النساء الإيزيديات يوم الأربعاء من كل سنة في الأربعاء الأول من شهر تشرين الثاني بالتقويم الشرقي «الكرمانجي»، ويسمون ذاك اليوم بصوم خاتونا فخرا.
كما وأن لخاتونا فخرا مزاراً في منطقة مام شفان بالقرب من بلدة خانكي التابعة لدهوك بباشور كردستان، يرتاده الإيزيديون وبخاصةً النساء ويتصدقون تكريماً لروحها ويدعون من الله وطاوسي ملك حسب معتقدات الديانة الإيزيدية أن يحمي الإيزيديين وأن ينشر الخير بينهم. الشهيدة بيريفان رمز العنفوان للمرأة الإيزيدية
تعتبر الشهيدة بيريفان الفتاة الإيزيدية التي لم تتحمل قساوة البعد عن الوطن وعن أرضها رمزاً للمرأة المناضلة التي عملت جاهدة لتحرير شعبها من براثن ظلم الاحتلال والممارسات التي سيرت عليهم، وبخاصةً أنها ابنة باكور كردستان وابنة «ولاتي خالتا»، أي أرض الخالتا، وهي عشيرة إيزيدية كان تعدادهم بالآلاف، يتوزعون في أكثر من 400 قرية في باكور كردستان، شهدت فرماناً على يد الاحتلال العثماني بالتزامن مع مجازر السيفو التي استهدفت الأرمن عام 1915م، فبيدت قرى كاملة ودمرت وخطفت الآلاف من النساء الإيزيديات.
بنفش عكال أو كما تعرف بالشهيدة بيريفان مواليد 1966م، من مدينة باتمان في باكور كردستان حالها كحال الآلاف من الفتيات الكردستانيات هاجرت مع عائلتها بعد انقلاب 12 أيلول في تركيا عام 1980م، إلى ألمانيا وسكنت في مدينة جلة وهناك مارست العمل النضالي، وفي عام 1984م، نظمت الشهيدة بيريفان ومع مجموعة من المناضلين الكرد في مدنية هانوفر تظاهرة للانتفاض ضد الاحتلال التركي.
وخلال مسيرتها النضالية وبهدف تنظيم المرأة الكردية، توجهت وفي عام 1985م، وللمرة الأولى إلى روج آفا، وكان لها دور ريادي في توعية المرأة تجاه السياسات التي تطبق عليهنًّ، وممارسات الاحتلال تجاه الشعب الكردي وهناك زارت العديد من القرى الإيزيدية، وعرفت الكثير منهم على المجازر التي تعرض لها المجتمع الإيزيدي من قبل العثمانيين وتأثر بها الكثير من الشباب والشابات الإيزيديين.
وفي عام 1988م، زارت ولأول مرة بعد هجرتها باكور كردستان وقصدت مدينة جزيرة بوطان وهناك أرسلت رسالة لعائلتها كتبت فيها «بعد ثمانية أعوام أشعر بأنني جميلة كوني أعود إلى باكور وأشعر بالسعادة في كردستان، العيش جميل هنا والموت أيضاً».
وبعد مسيرة طويلة من النضال والتنقل بين القرى والمناطق الكردستانية والعمل على تنظيم المجتمع والمرأة خاصةً، تعرضت بنفش عكال للاعتقال من قبل سلطات الاحتلال التركي بتاريخ 18 كانون الثاني 1989م، لتستشهد نتيجة التعذيب الذي تعرضت له في السجن. لتتحول الشهيدة بنفش عكال «بيريفان» لرمز المرأة الإيزيدية وأطلقت المئات من العوائل الإيزيدية على مولوداتهن اسمي بيريفان، وبنفش تخليداً لذكراها.
كما أن العديد من المناضلات الإيزيديات أيضاً اتخذن اسم بيريفان اسماً نضالياً لهن، ومنهن الشهيدة بيريفان فاضل المقاتلة في وحدات حماية المرأة التي استشهدت عام 2013م، في سري كانيه خلال تصديها لهجوم مرتزقة جبهة النصرة. وحدات نساء شنكال استمرار لميراث مقاومة المرأة الأيزيدية
تعرض الإيزيديون وخلال تاريخهم لـ 74 فرمان، نفذت 57 منها على أيدي العثمانيين، وبتاريخ 3 آب 2014م، شن مرتزقة داعش هجوماً على شنكال بعد انسحاب بيشمركة الديمقراطي الكردستاني من كافة نقاطها، ليرتكب المرتزقة الويلات بحق أهالي شنكال، وقتلوا الآلاف من الإيزيديين كما واختطفوا الآلاف من النساء الإيزيديات، ورداً على الفرمان وانتقاماً للنساء المختطفات والأخذ بثأرهن أعلن في عام 2015م، عن تشكيل وحدات نساء شنكال بانضمام المئات من الشابات الشنكاليات، واتخذت الوحدات شعار YJS»» ميثاق حرية المرأة الإيزيدية على درب الشهيدات بنفش وبيريفان أساساً في نضالها، وشاركت المقاتلات في المعارك التي دارت ضد المرتزقة، وكان لهنًّ دور في تحرير القرى الإيزيدية من مرتزقة داعش وتحرير العشرات من المختطفات.
وخلال حملة تحرير مدينة الرقة من مرتزقة داعش، وبهدف الانتقام لنساء شنكال انضمت مقاتلات وحدات نساء شنكال بشكل رسمي لحملة التحرير وحاربنًّ إلى جانب مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية إلى أن تم الإعلان عن تحرير الرقة بشكل كامل، لتهدي المقاتلات النصر لعموم شعب شنكال، وعاهدنًّ على مواصلة النضال ومحاربة الإرهاب والاستمرار في الانتقام للمختطفات.
وخلال نضال الوحدات استشهدت وفي خطوط المقاومة ضد المرتزقة العديد من الشابات بيريفان، بسي، والشهيدة خاني، لتبقى المرأة الإيزيدية درعاً ضد كل من يحاول النيل من وجود شعبها.