تموضع الأزمات في بقاع الأرض، وتمحورها في أمكنة، تُثار فيها الحروب والصراعات المتعددة، يخلقان واقعاً مُعاشاً رغم ما يرفضه القاطنون، واقعاً مريراً يكون جلُّ أهدافه ومآلاته اعتداءات، وجرائم، وخراباً، ودماراً، وبث رياح التغيير والهمجية فيه، فتُمارَس فيه سياسات وأيديولوجيا متعددة، في سبيل التسلط والاعتداء، والسيطرة تحت راية العنف، والعنف المضاد، والحال هذه فقد سعت الدول المختلفة في الواقع السوري، منذ ما يقرب من إحدى عشرة سنة دموية، عانى فيها الأهالي الويلات، والمصائب، إلى عدوان ممنهج ومتواتر هادف إلى السيطرة والاحتلال، وكانت الدولة التركية لها الباع الطويل في خلق الأزمات، وممارسة الاعتداءات المتكررة الكثيرة، والعدوانية الممنهجة ضد شعوب شمال وشرق سوريا، وبشكل خاص في المناطق المحتلة، والتي أخذ فيها الأطفال، والمستضعفون النصيب الأكبر من ذلك.
فقد مارست الدولة التركية بحق الأطفال والطفولة جرائم متعددة ومتنوعة، وكرّست سلاحها الفتاك الخارق للاعتداء على الطفل، سواءً كان سلاحاً قاتلاً، أم فِكَراً هدامة لروح وبراءة الأطفال، فقد شنَّعت أساليبها وطرقها، من قتل، واستغلال، واغتصاب وتحرش، وتجهيل تعليمي، ونشر السموم المخدرة، ونشر الفكر الهدامة، بغية السيطرة، والتملك المؤدي إلى الاحتلال والتهجير.
فمع هذا التصعيد للعنف، وهدم أساليب التربية، ونشر الجهل والتخلف، أصبح الأطفال وقود حرب، وأزمة لا ذنب لهم فيها، فبرحوا معرَّضين للقتل والنزوح والموت في أغلب الأحيان، وحرمان التعليم، وبهذا التجني على الطفولة سعت لجنة شلير لحماية الأطفال، إلى رفع المعاناة عن الطفولة والأطفال، وتحقيق ما يؤدّي إلى الأمان والرعاية للأطفال حسب ما أقرَّت القوانين، والمواثيق الدولية، ولجنة حقوق الإنسان وحماسة الطفولة.
وبهذا المنحى والمفهوم لحماية الأطفال، فقد سلّطت لجنة شلير لحماية الأطفال الضوء على المعاناة في تقرير لها حول الانتهاكات، والاعتداءات على الأطفال، سواءً أكانت جسمانية، أم قتلاً ونزوحاً، وتهجيراً، فقد تحققت اللجنة من 85 انتهاكاً يومياً، بما في ذلك القتل والتشويه، والعاهات المستدامة، وتجنيد الأطفال وفق مفهوم الحرب الخاصة في تعاطي المخدرات، ونشر الجريمة.
الدور التركي في ممارسة العنف
سعت تركيا منذ البداية إلى خلق جو عدواني للمناطق المتاخمة لها، فكانت تمارس العدوان بشكل يومي، وسافر، غير آبهة لقانون أو تحذير أممي، وكان الأطفال المتضرِّر الأول من تلك الاعتداءات، فلم تتوفّر حتى الآن الأرقام الدقيقة لعدد الأطفال المعرضين لهذه الانتهاكات والاعتداءات، خاصَّةً تلك الاعتداءات والاستهدافات لمناطق (سري كانيه، وكري سبي/ تل أبيض، وعفرين).
ولكننا ونحن أمام هذا الواقع الدموي المعاش ضد الطفولة والأطفال، فمن الواضح جداً أن نرى تصاعد الأعمال القتالية والعدوانية من الاحتلال التركي لمناطق شمال وشرق سوريا، حيث يكون للطفل الحصة الأكبر من هذه الانتهاكات، وممارسة أنواع التحرش، والاغتصاب، والقتل، وعلى وجه الخصوص على أيدي المرتزقة المنظمّة تحت لواء جيش الاحتلال التركي، فهم على درايةٍ تامة أنَّ الأطفال هم الركيزة الأولى المعوّلة بالاعتماد عليهم في بناء المجتمعات وقوتها، فلهذا تمارس المرتزقة والدولة التركية عدوانها عليهم لتفكيك المجتمع، وخلق الخلاف، ونشر الجريمة لسهولة السيطرة والاحتلال.
طرق الاحتلال التركي للقضاء على الطفولة
وبعيداً عن الاعتداءات، والقتل الممارسَين ضد الأطفال، فقد لجأت تركيا إلى حرب جديدة ضدهم من خلال المخدرات، التي تذهب بالعقل، وتقضي على القوة الجسمية، وعمدت إلى نشر المخدرات، وتزيينها بين الأطفال في المناطق المحتلة، مسببةً كارثةً عالمية، انتقلت إلى مختلف المناطق، وفي أروقة المدارس مستهدفةً الأطفال والمراهقين، محاولةً منها نشر الإدمان بين الأطفال العاملين، والعاطلين عن العمل ورميهم بين أحضان الشوارع، يعانون الضعف، والموت، والتشرد، والضياع، خاصةً فيما تمر به المنطقة من واقع اقتصادي ضعيف، وفي ظل إقبال الأطفال على الأعمال، مهما كان نوعها، حتى وإن كان في نشر المخدرات، وتعاطيها وبيعها، وفي هذا استغلال للأطفال، ومن ثم تدميرهم.
قد يُقبِل الأطفال في سنين عمرهم الأولى إلى تعاطي المخدرات من باب الفضول والاستكشاف، وخوض التجربة، وهنا مكمن الانحراف، فهم يقبلون على أنواع المخدرات مثل: الباربيتيوارن، والكوكائين، حيث تؤدي بهم الحال إلى الإدمان، والغيبوبة، وفي كثير من الأحيان إلى الموت.
استغلال الاطفال
غالباً ما يقع أطفالنا الصغار ضحية لفنون الإغواء والدعاية، على سبيل المثال عن طريق بيعهم أنواع كثيرة من الحلويات، التي تحتوي ملصقات، وصور شخصيات كرتونية، أو ما شابه ذلك، تكون محبَّبة للأطفال كثيراً، ومنها ما يحتوي على مواد مخدّرة، يعتاد عليها الأطفال مع الوقت، والأكثر عرضةً من يكونون دون السادسة، وتتسلّل إلى أجسامهم الضعيفة، وهو ما اكتشفه الأطباء في بعض هذه الملصقات، التي يلصقها الطفل بصورها الجذّابة على جسده، فماهي إلا نافذة متّسِعة للإدمان على المخدرات، وبهذه السبل يجد مروِّجو المخدرات ما يضمن تحقيق أهدافهم القاتلة في الإدمان وتعاطي المخدرات في الكبر.
وعندما كان النزوح والتهجير والقتل غاية الاحتلال التركي، فقد بات كثير من الأطفال يتامى لا مأوى لهم، ليكون الشارع مأواهم، وسوق العمل الرّخيص، وبهذا يكونون الهدف الأسهل لتجّار المخدِّرات وترويجها بينهم، سواءً في استغلالهم ببيع، ونشر المخدّرات، أو لتعليمهم التعاطي والإدمان، حيث لا وجود للأسرة، التي تحفظ الطفل من هذه المضرّات، ومنعه من الانزلاق بطريق الرذيلة، والإدمان والجريمة، وبذلك يكون المحتل التركي قد ضرب عصفورين بحجر واحد، طريق القضاء على المجتمعات بقتل الطفولة وضياعها، وطريق آخر كسب الربح الوفير من خلال خلق سوق كبيرة بتجارة المخدرات.
ونحن أمام هذه الممارسات القاتلة، والهادفة للسيطرة، والقتل، والاحتلال تسعى لجنة شلير لحماية الطفولة إلى توعية المجتمع من أثار المخدرات القاتلة، من خلال برامج متقدِّمة لتوعية الأطفال بهذا الخطر المحدق في المدارس، ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة، ولإقامة الندوات والمحاضرات التوعوية في نشر الفكر المحارب للمخدرات، قبل أن تستفحل، ولا يمكن السيطرة على المشكلة؛ إن صارت معممة في المناطق.